( المقال منشور بجريدة الدستور عدد 2 فبراير 2010 )
لقد كتبت من قبل مقالة بعنوان : (ماذا تريد مصر من البرادعي؟) ، وخلاصة المقالة أن مصر تحتاج البرادعي رئيسا لكي يقوم بمهتين رئيستين ، الأولى : الفصل بين السلطات ، والثانية : دعوة عقول مصر الكبيرة لصياغة دستور جديد .
وها هو الدكتور محمد البرادعي ابن مصر البار وأملها في التغيير يكتب مقالته الرائعة : (من أين نبدأ ؟)
وفيها يطالب مصر (قيادة وشعبا) بأن تقوم بثلاث خطوات ، لو تحققت لتقدمت مصر إلى المراتب الأولى بين الأمم .
ولكن – والحق أقول لكم – مقالة الدكتور تنقسم إلى قسمين :
القسم الأول : تراه في السطور واضحا جليا .
القسم الثاني : تراه بين السطور مستترا خفيا .
كيف ذلك ؟
أقول :إن من يريد أن يفهم كلام الدكتور محمد البرادعي عليه أن يقرأ كل تصريحاته ولقاءاته ، لكي يستطيع أن يرد متشابه كلامه إلى محكمه ، وأن يستوعب غامضه من جليه ، وأن يفهم خاصه من عامه …!
فهذا الرجل – يا سادة – لا يتحدث جزافا ، بل يتحدث وهو يعلم جيدا ماذا يقول ؟ ومتى يقوله ؟ وكيف وبأي صيغة يقوله ؟
لذلك حين يقرأ المرء منا كلامه الذي يطالب فيه الشعب وقيادته بـ … كذا وكذا وكذا … الخ … لا بد أن يتذكر ما قاله سابقا بأنه لن يمنح لجنة شؤون الأحزاب شرف أن يقف أمامها طالبا تأسيس حزب سياسي !
وأنه لن يدخل تمثيلية لانتخابات دون ضمانات ، وأنه يرى أن الدستور المصري يقنن المنع لغالبية الشعب من حقوقه في اختيار حكامه … الخ
لذلك … أقرأ بين السطور دعوة محمد البرادعي لشعب مصر بالتحرك السلمي لتغيير الواقع ، وتحقيق هذه الشروط ، وانتزاعها انتزاعا من اليد الباغية التي تمنعها !
محمد البرادعي ليس كبقية المعارضين في مصر – مع كامل احترامنا لهم جميعا – يسجل موقفا أمام التاريخ ، ثم ينصرف لحاله وكفى الله المصريين القتال …!
محمد البرادعي يعمل من أجل تغيير حقيقي على الأرض ، إنه لا يقول للتاريخ : لقد قلتُ (لا) حين اغتصب الظالمون حقوق الناس ، بل يقول للتاريخ (قف مكانك) …!
ماذا يريد البرادعي من مقالته ؟
مطالب سياسية ؟ شروط منطقية لانتخابات نزيهة ؟ يعلمنا مبادئ المبادئ في أصول الاقتراع النزيه ؟
أعتقد أن كل هذه الأمور – على أهميتها – لا تحتاج هذا العناء !
وأنا لا أستطيع أن أفهم مقالة الرجل من خلال سطورها ، بل من خلال ما بين السطور ، وما بين السطور واضح …!
لا مجال لمناقشة أفكار الرجل إذن ، فهي في مجملها مسلّمات ، وأنا في هذه المقالة أحاول أن أفك شفرة الرسالة التي يرسلها الرجل إلى شعب مصر ، وخلاصتها : إنني على استعداد للحركة معكم سلميا ، ولكن … لا بد أن تتحركوا أنتم أيضا …!
إذن … ماذا يريد البرادعي من مصر ؟
يريد هدفا واحدا … أن يتحرك المصريون نحو حريتهم تحركا سلميا دؤوبا منظما من أجل التحرر من كافة أشكال الاستبداد الداخلي والخارجي !
لا يريد البرادعي من القيادة سوى أن ترحل ، ومن يقرأ كلامه في مناسبات سابقة يعلم أنه سيصفح عن الماضي مقابل أن يتركوا لنا فرصة في المستقبل .
ويريد من الشعب أن يبدأ التحرك السلمي من أجل تمهيد طريق التغيير .
كل الشروط التي ذكرها البرادعي في مقالته لا قيمة لها دون الناس ، ولو أن من يطالب بها نبي مرسل من الله لكان أيضا بلا قيمة طالما ظل نبيا بلا أتباع !
ولكن لو تحرك الناس خلف شخص يملك من الكفاءة والأمانة ما يؤهله للقيادة فإنه سيصبح في مركز القوة هو ومن وراءه من المؤيدين ، وحينها – وحينها فقط – يمكنه انتزاع الحقوق المنهوبة ، واسترداد الثروات المهدرة ، والآدمية المنتهكة …!
إن الانتخابات وشروطها والدساتير وقوانينها – في النهاية – وسائل يستخدمها شعب واع في تحقيق أهدافه ، وبدون هذا الشعب الواعي لا تغني الدساتير ولا القوانين ولا الانتخابات حتى وإن كانت نزيهة !
إن الفيصل في فهم مقالة الدكتور البرادعي ، وسائر تصريحاته أن نفهم أنه يراهن على الناس ، وبدون تحرك الناس ، سيعجز كل المحللين عن فهم معنى كلامه ، ومدى منطقيته ، وإمكانية تحققه على أرض الواقع …
لذلك … وبصفتي مقررا عاما للحملة الشعبية لدعم ترشيح البرادعي للرئاسة أدعو كل شعب مصر في الداخل والخارج إلى التحرك السلمي من أجل تعديل الدستور ، واختيار البرادعي رئيسا شريفا لكل المصريين .
يا أهل مصر … اقرؤوا ما بين السطور ، وتحركوا معنا ، فنحن أمام فرصة ذهبية قد لا تتاح إلا بعد عمر طويل …!
ابدؤوا بالتحرك لمطار القاهرة يوم الجمعة 19 فبراير ، ستصل طائرة الدكتور البرادعي في تمام الساعة الثالثة عصرا ، في صالة الوصول رقم ثلاثة .
ليأت كل واحد منكم على حدة ، أو في تجمعات لا تزيد على ثلاثة أفراد ، بدون أن يحمل أي منكم أي شيء يدل على أنه ذاهب لاستقباله .
سنكون جميعا هناك … بهدوء … في شكل حضاري سلمي …
من أجل أن نبدأ تحركنا الحقيقي ، لكي نشد صباحنا من بين أصابع الظلام …!
عاشت مصر حرة للمصريين وبالمصريين …
عبدالرحمن يوسف
بريد إلكتروني : [email protected]