لا فلول ولا إخوان: فكر عبدالرحمن يوسف وبروز تيار بديل في مصر ما بعد حكم مرسي – بدر موسى السيف –  جامعة جورج تاون

الشاعر عبد الرحمن يوسف

لا فلول ولا إخوان: فكر عبدالرحمن يوسف وبروز تيار بديل في مصر ما بعد حكم مرسي
بدر موسى السيف –  جامعة جورج تاون  
مجلة الدراسات الإسلامية والشرق أوسطية متعددة التخصصات 
مركز أبحاث جامعة أيوا على الإنترنت Iowa Research Online
مركز الإيداع المؤسسي التابع لجامعة أيوا
رابط المصدر ::    
https://ir.uiowa.edu/mathal/vol4/iss1/6
ترجمة الباحث الأستاذ سعيد منتصر
ملخص البحث 
منذ استقلال مصر والجيش وجماعة الإخوان المسلمين لهما النفوذ والسيطرة الأكبر فيها، إلا أن “تيارا بديلا” آخذ في الصعود على الرغم من ذلك. في هذه الورقة البحثية، أولا، سأقوم بعملية استقصاء للدور الذي لعبه الجيش وجماعة الإخوان في مصر. ثانيا، سأسلط الضوء على أحد أصوات هذا التيار البديل وهو عبد الرحمن يوسف الذي يكشف تطور فكره في مرحلة ما بعد انقلاب يوليو 2013 حجم الصعوبات التي تواجه هذا التيار البديل في منافسة الأصوات الراسخة في مصر سواء من جانب الجيش أو من جانب الإخوان. وعلى الرغم من هذه التحديات، فإنني أحاجج بأن وجود ومرونة وشعبية تيار بديل – يتمايز سياسيا وثقافيا عن الجيش والإخوان في مصر ويتحداهما – أمر ليس بعيد المنال إذا تمكن قادة هذا التيار من عرض أفكارهم بوضوح، واقتنعوا بالإصلاح الحقيقي واحتفوا بتنوعهم واختلافاتهم كمتطلبات أساسية وشروط مسبقة للتعددية السياسية والمجتمعية البناءة.

توصف أحداث يناير-فبراير 2011 ويونيو-يوليو 2013 التي وقعت في مصر بصفات مختلفة وليست صفات الثورة والانتفاضة والربيع العربي سوى أمثلة قليلة في هذا الصدد. ومع ذلك، فإن السخط الشعبي الحقيقي الذي بدأ في 25 يناير 2011 لم يترجم إلى ثورة كاملة لثلاثة أسباب بسيطة وهي: المكانة الثابتة والشائعة عن الجيش المصري، وتنازع القوى الشبابية التي كانت قوية في البداية ثم غير منظمة لاحقا، وصعود جماعة الإخوان المسلمين المنظمة جيدا والتي شكلت بديلاً قويا لجماعات المعارضة الأخرى، ولا سيما المجموعات الشبابية المفتقدة للمركزية.(1) وبينما توصف مصر المعاصرة تقليديا بأنها واقعة تحت تأثير الجيش أو جماعة الإخوان المسلمين، فإن من المشاهد بجلاء حاليا بداية بروز تيار بديل ليس عسكريا ولا تابعا للإخوان. بعد استعراض العلاقة الديناميكية بين الجيش والإخوان، سأتناول بالتحليل أفكار أحد الأصوات الفكرية لهذا التيار وهو عبد الرحمن يوسف. وبتحليل التطور الفكري ليوسف في مرحلة ما بعد انقلاب يوليو 2013 (يوليو-نوفمبر 2013)، أسلط الضوء على الصعوبة التي يواجهها هذا التيار البديل في توضيح موقفه وسط الأصوات المتنافسة من جانب الجيش والإخوان المسلمين. وعلى الرغم من هذه التحديات، فإنني أحاجج بأن وجود وشعبية تيار بديل – يتمايز سياسيا وثقافيا عن الجيش والإخوان في مصر ويتحداهما – أمر ليس بعيد المنال إذا تمكن القادة الممثلون لهذا التيار من عرض انتمائهم الأيديولوجي وبرنامجهم الإصلاحي بوضوح وإذا نجحوا في تنحية اختلافاتهم جانبا وتمكنوا من العمل المشترك بشكل مبتكر. 

مصر بين الجيش والإخوان المسلمين
استقال الرئيس المصري السابق مبارك في 11 فبراير 2011، بعدما فقد دعم القادة العسكريين، ممثلين في المجلس الأعلى للقوات المسلحة، خلال فترة قياسية لم تتجاوز 18 يوما. وفي إشارة إلى سيطرته المطلقة، فإن مبارك لم ينقل سلطاته إلى نائبه المعين حديثا عمر سليمان، بل سلمها إلى المجلس الأعلى للقوات المسلحة.(2) وباعتباره ابن الجيش فإن مبارك أجبر على إعادة السلطة إلى المؤسسة التي منحته إياها أولا ألا وهي الجيش، وذلك بعد أن فقد الدعم من بعض قادته الرئيسيين. وبينما كان الجيش يمسك بزمام السلطة في مصر منذ عام 1952، فإن المجلس الأعلى للقوات المسلحة أصبح الوصي على السلطة بشكل مباشر منذ 11 فبراير 2011. ولم يقف الجيش حائلا دون تنظيم انتخابات برلمانية ورئاسية حرة ونزيهة في عام 2012، إلا أنه عمد إلى تقويض نتائج كلتيهما. فقد أصدر الجيش قرارات تنفيذية حدت من سلطات الرئيس ولجأ إلى القضاء الذي حل البرلمان الذي مثل الإخوان أغلبيته، حتى وصل الأمر إلى السيطرة على السلطة بشكل كامل عبر الانقلاب العسكري في يوليو 2013. (3)

شهدت مصر الحديثة انقلابات عدة وقد يرى البعض الفترة الحالية مقدمة لثورة مستقبلية بعد أن يتمكن المتظاهرون من التغلب على عقبتين متلازمتين كالتوأم هما الجيش و”الدولة العميقة”(4). والزمن وحده هو الذي سيخبرنا بالمسار الذي سيسلكه المصريون وكيف سيعيد ذلك تشكيل الحياة السياسية المصرية. 

أوقف انقلاب 3 يوليو 2013 الاكتساح السياسي الجماهيري الذي حظيت به جماعة الإخوان المسلمين مؤقتًا في المرحلة التي أعقبت رحيل مبارك(5). فقد ظهر الإخوان وكأنهم جماعة لا تقهر بعد تشكيل حزبهم السياسي وإشهاره عام 2011 وحازوا أغلبية المقاعد البرلمانية عامي 2011-2012 ثم فازوا بالرئاسة عام 2012 واكتسبت الجماعة الصفة القانونية كمنظمة غير حكومية في أوائل 2013(6). ولكن عاملين أساسيين بددا تلك المكاسب: أولا فإن تفوق الجيش على الجميع قيد تماما قدرة الإخوان كما كان سيقيد قدرة أي لاعب سياسي آخر في موقعهم، وثانيا فإن أيا من انتصارات جماعة الإخوان لم يكن انتصارا ساحقا على أية حال. فلم يتبدد بذلك الاستقطاب الحاد الذي اتسم به السياسيون المصريون والمواطنون أيضا بشكل كبير. وأكثر من ذلك فقد استمر الاستقطاب طيلة السنة التي حكمها محمد مرسي وزاد بعد الاستيلاء العسكري على السلطة. انقسم كثير من المصريين بين بقايا النظام السابق “الفلول” “والإخوان”. وظلت أصوات كثيرة تندب حظها لعودة الحكم العسكري كما ظلت أصوات كثيرة أيضا تندب سيطرة الإخوان المسلمين على المشهد السياسي المصري.


تداعيات الانقلاب العسكري الثاني وسقوط جماعة الإخوان المسلمين
وسط هذا الاستقطاب الحاد في مصر برز صوت جديد آخذ في التنامي لا يتبع لأي من الطرفين: الإخوان والجيش. أسميه التيار البديل. فبفضل الأحداث التي شهدتها السنوات الأربع الماضية، كان الاستيلاء العسكري الصارخ على السلطة سببا في تشجيع بروز وصعود هذا التيار البديل الذي جرب أسوأ ما في المجموعتين. ففي فترة ما قبل مظاهرات 30 يونيو 2013، تحدث كثيرون عن استيائهم من الإخوان المسلمين وإخفاقهم. وبينما كانت مواقف الإخوان مشوشة وغير مرنة في بعض الأحيان، فإن إخفاقهم يمكن أن يعود أيضا إلى انعدام الخبرة في إدارة الدولة(7). ولكنه من المبكر جدا – ومن غير الحكمة أيضا – أن ننسب هذه الإخفاقات إلى الإخوان المسلمين وحدهم. قد تكون هذه الاتهامات أيضا موضع مبالغة بسبب التوقعات المرتفعة كم أن إدارة ظروف ما بعد الانقلاب كانت أمرا بالغ الصعوبة وكانت كل مشاكل مصر تقريبا من تركة عصر مبارك كما أن الجيش والدولة العميقة في مصر لم يجعلا الأمر سهلا أمام مرسي وحكومته لتحقيق إنجازات هامة في الفترة القصيرة التي منحت لهما(8).

وبغض النظر عن أسباب الوقوف مع هذا المعسكر أو ذاك، فإن الاستيلاء العسكري الأخير على السلطة يجب النظر إليه باعتباره خطوة مفيدة تجاه المسيرة طويلة المدى لتحقيق آمال الشعب المصري في الحرية والعدالة الاجتماعية والرخاء الاقتصادي. قد يبدو ذلك مثارا للجدل ولكن المقصود هو أن عموم المصريين كانوا بحاجة إلى تجربة أنماط الحكم الاثنين: الإسلامي والعسكري في مرحلة ما بعد مبارك ولفترة زمنية قصيرة بما يكفي ليتمكنوا من معرفة مزايا وعيوب كل نظام ومقارنتهما. فالجيش كان دائمًا قوة يحسب لها حسابها طوال فترة ما بعد مبارك، ومارس الحكم بضبط النفس عامي 2011-2012 قبل تسليم الإخوان بعض المساحة في 2012-2013. أما بعد يوليو 2013، فقد انخرط الجيش بشكل علني لإعادة التأكيد على امتلاكه السلطة، أولا من خلال رئيس صوري مؤقت، وثانيا من خلال حكم الرئيس السيسي. قد تبدو الفترة الحالية وكأنها عودة إلى فترة الناصرية القومية المتطرفة بسبب شعبية المشير السيسي(9). لكن الأمر ليس كذلك ببساطة بسبب التحولات المختلفة التي مر بها المجتمع المصري منذ زمن عبد الناصر. فقد تطور المجتمع المدني وأصبح أقوى، وزادت العولمة وزاد معها ارتباط مصر بالعالم ككل بفضل البنية التحتية المتقدمة فيما يتعلق بالمعلومات والإعلام الرقمي.

علاوة على ذلك، فقد بدأ اتجاه موازٍ – وإن كان أصغر حجما – يتزايد في انتقاد الجيش لانتهاكه مبادئ “ثورة” الخامس والعشرين من يناير(10). وبقدرتهم على توجيه سهام النقد للاعبين الأقوى في الحياة السياسية المصرية المعاصرة – وهما الجيش وجماعة الإخوان المسلمين وذلك بعد ثورة 2011 وانقلاب 2013 – فقد أصبح المصريون يمهدون الطريق للاعبين جدد في المشهد السياسي المصري يمكن أن يصبحوا في النهاية بديلا ومنافسا جديا للإخوان المسلمين وللجيش على حد سواء(11).

التيار البديل – المنهجية ونمط التفكير الجرامشي (نسبة لأنطونيو جرامشي)
في سبيل شرح نموذج لتطور الخطاب الذي أعقب الثلاثين من يونيو نحاول هنا رسم خارطة لتطور الخطاب الفكري عند أحد الرموز المثيرة للجدل وهو عبدالرحمن يوسف نجل الشيخ الأكثر إثارة للجدل يوسف القرضاوي(12). ومن خلال استقصاء ودراسة حالة أحد المتحدثين باسم التيار البديل في المشهد السياسي-الفكري في مصر، فإنني أحاجج بأن مصر ليس مقدرا لها أن تعيش فقط في صيغة أو معادلة (إما – أو) التي تجعل مصيرها إما حكم العسكر أو الإخوان. وأعتمد هنا على تحليل نصين اثنين ليوسف وهما: الجدال أو المناظرة التي جرت بين عبد الرحمن يوسف مع والده الإسلامي يوسف القرضاوي من جهة ومؤيدي الحكم العسكري من جهة أخرى، لتوضيح أن تطور هذا التيار البديل ليس عملية يسيرة. إنها مشوبة بالمشاعر المختلطة والتناقضات والارتباك.  ويظهر هذان النصان قيد البحث مدى صعوبة ان تسلك مسارا مستقلا وسط مجتمع شديد الاستقطاب. أدرك أن كتابات عبد الرحمن يوسف ليست ممثلة للمصريين كافة بقدر ماه ممثلة للتيار البديل المتنامي في حد ذاته. فهناك مثقفون وسياسيون وإعلاميون بارزون آخرون ينتمون إلى هذا التيار البديل غير الإخواني وغير العسكري مثل بلال فضل وباسم يوسف وهاني شكرالله ووائل قنديل وعماد شاهين جميعهم على قدم المساواة إن لم يكن أكثر تأثيرا. (13)

اعتمدت في تصنيفي عبد الرحمن يوسف كمثقف على تبني – وفي نفس الوقت معارضة وتحدي النمط التصوري والمفاهيمي للمثقف عند المفكر الإيطالي أنطونيو جرامشي. إذ يرى جرامشي أن لدى الناس جميعا القدرة على إنتاج الأفكار بشكل عام لكن الذين يجب اعتبارهم مثقفين هم أولئك الذين تتحدد وظيفتهم ودورهم الاجتماعي من خلال الأفكار التي يكتسبونها ويطورونها ويعيدون إنتاجها. ووفقا لجرامشي فإنه لا يمكن وصف الأفراد بالمثقفين إلا عندما تؤثر أفكارهم بشكل فعلي على مسارهم العملي. ويوسع جرامشي مفهومه عن المثقفين ليشمل ليس فقط المفكرين والكتاب، ولكن وظائف أخرى مثل “العلماء والمنظرين … والفلاسفة” طالما أنهم يستوفون عنصر التفكير النقدي المستقل. (14) وبهذا المعنى فإن عبد الرحمن يوسف والآخرين المذكورين يمكن وصفهم بسهولة كمثقفين بالنظر إلى جودة فكرهم وانتشاره. (15)

ومع ذلك ، يشدد جرامشي على أن جميع المثقفين يمثلون مصالح طبقتهم الاجتماعية ويدافعون عنها وينضمون إلى “الطبقة الاجتماعية المسيطرة” أو “الدولة” ليصبحوا “نوابا” للدولة في تطبيقها لعملية الهيمنة Hegemony. وفي حالة عبد الرحمن يوسف، فإنه هو وآخرين من هذا التيار البديل ينطبق عليهم تعريف جرامشي الموسع للمثقفين من خلال تقديمهم الفكر النقدي وتمثيلهم لدور السياسي التابع (مفهوم في نظرية جرامشي السياسية) لكنهم لم ينضموا إلى أي من النظامين في مصر العسكر أو الإخوان المسلمين. وعلى هذا النحو فإن يوسف ورفاقه يمثلون معارضة وتحديا لتوصيف المثقفين عند جرامشي باعتبارهم ناطقين باسم النظام المسيطر – إذا إنهم ليسوا كذلك يقصد الباحث. ويبقى أن ننتظر لنرى ما إذا كانت أساليب الدولة سواء بالترغيب والترهيب ستنجح في إسكات ممثلي هذا التيار البديل، وهو ما ييعدها ثانية لتتماشى مع وجهة نظر جرامشي وتعريفه المثقفين.

قمت بترجمة اثنين من مقالات عبد الرحمن يوسف وتحليلهما. (16) الأول كتبه يوسف بعد أربعة أيام فقط من الانقلاب العسكري في الثالث من يوليو عام 2013 وذلك ردا على فتوى والده المؤيدة لمرسي. كما كتب عبد الرحمن يوسف المقال الثاني في 23 نوفمبر 2013 فيما يمثل تحولا في أولوياته. وفي كلا المقالين يجري الحديث عن مصر ودور الإسلام وجماعة الإخوان المسلمين والجيش. سأعرض في البداية سيرة ذاتية مختصرة عن عبد الرحمن يوسف ثم سأعمد إلى تحليل الأفكار الرئيسية في النصين ومقارنة محتواهما، الأمر الذي يبرز جليا وجهة نظره وموقفه وتغير مزاجه. وفي الختام ستحدد الدراسة معالم التيار البديل والتحديات التي يواجهها في ضوء ما نرصده من التطور الفكري عند عبد الرحمن يوسف.

عبد الرحمن يوسف – من شابه أباه فما ظلم

لا يستخدم عبد الرحمن يوسف اسم القرضاوي في لقبه مع العلم ان مجرد سماع هذا اللقب يجذب. ربما لا يريد عبد الرحمن يوسف أن يرتبط بوالده بسهولة في المجال العامة. وفي تناقض تام مع الزي التقليدي لوالده ولحيته، فإن عبد الرحمن يوسف يرتدي ملابس عصرية ولا يترك لحيته. على عكس والده الإسلامي وتوجه جماعة الإخوان المسلمين فإن عبد الرحمن يوسف صحفي حر ليبرالي وشاعر له دواوين بين الأفضل مبيعا. (17)

ولد عبد الرحمن يوسف في 18 سبتمبر عام 1970 وهو الابن الثالث للقرضاوي.(18) يربط عبد الرحمن يوسف نفسه بشباب مصر عندما يقارن بين جيله وجيل والده في المقال الأول قيد الدراسة. اقتفى عبد الرحمن يوسف خطى والده التعليمية بدراسته الشريعة الإسلامية في البكالريوس ثم مقاصد الشرعية في دراسة الماجستير بكلية دار العوم في جامعة القاهرة. (19) إلا أن المسار المهني لعبد الرحمن يوسف اختلف تمام عن مسار والده حيث سلك طريق الصحافة وكتابة الشعر والميل إلى الكتابة السياسية. الخلاف بين الأب والابن لا ينتهي هنا وذلك لأنهما لم يلتقيا أيديولوجيا أيضا سوى في نفورهم المشترك من مبارك ونظامه. فقد كان عبد الرحمن يوسف مؤيدا بارز لمحمد البرادعي وعضوا مؤسسا في حملة تأييد البرادعي التي طالبت بالتغيير قبل انقلاب يناير-فبراير 2011.(20) كما كان عبدالرحمن يوسف أيضا أحد الأعضاء المؤسسين لكفاية وهي  حركة سياسية معارضة تأسست في عهد مبارك. (21) ومن الواضح أنه ليس عضوا في جماعة الإخوان ولا متعاطفا معهم كما هو حال والده. وكان هذا النشاط الواسع والمناهض للنظام سببا في منع عبدالرحمن يوسف من الكتابة وتقديم البرامج التلفزيونية في مصر في بداية الألفينيات.

نشر عبدالرحمن يوسف مقالات في صحف مصرية عدة مثل الشروق واليوم السابع والمصري اليوم وعربي 21. كانت إطلالته الأولى عبر الشاشة على قناة الجزيرة الوثائقية والقناة المصرية الليبرالية سي بي سي. (22) حمل عبدالرحمن يوسف شغف والده بالكتابة بالتأكيد حتى وإن كان بشكل وفي اتجاه مختلفين. وتماما كوالده يدرك عبد الرحمن يوسف أهمية الإعلام وسلك مسارا مهنيا فيه. يعتبر الأب والابن من المشاهير حتى وإن لأسباب مختلفة وبين جمهور مختلف. وبسبب إدراكه لتأثير والده على الرأي العام المصري وبين المتدينين، بسبب ذلك هاجم عبد الرحمن يوسف جماعة الإخوان المسلمين في مقال مشحون بالعاطفة ردا على فتوى والده الخاصة بتأييد مرسي عقب انقلاب يوليو. ففي مقاله المنشور بتاريخ 7 يوليو 2013 ردا على والده، دافع عبدالرحمن عن أفكاره وقناعاته ومعتقداته بشكل يعطي القراء لمحة نادرة عن الأب والابن المعروفين جيدا، عالم دين مقابل شاعر ليبرالي ، في معركة علنية على قلوب المصريين وعقولهم. وبعد ذلك بأقل من أربعة أشهر، أما في المقالة الثانية محل الدراسة والتي سيكتبها بعد اقل من أربعة أشهر فإن يوسف سوف يتخلى عن نقده اللاذع للإخوان المسلمين ليصوب سهام نقده باتجاه الجيش بعوضة عن ذلك.

من مناهضة الإخوان المسلمين إلى مناهضة الجيش: تطور فكر يوسف

يحافظ عبد الرحمن يوسف على نبرة التقدير والود لوالده كما يظهر في المقال الأول قيد الدراسة، على عكس المقال الثاني المشحون ضد مؤيدي الجيش وموجة القومية المتطرفة. تتضمن الرسالة الشخصية من عبدالرحمن إلى القرضاوي الوالد انتقادات لمرسي وجماعة الإخوان المسلمين ، لكن ذلك ليس الغرض الغرض الوحيد من المقال، كما هو حال المقال الثاني الذي يركز أكثر على منتقدي عبد الرحمن يوسف. ومن جهة ثانية فإننا في المقالة الأولى نطلع على جانب من العلاقة الدافئة بين الأب والابن والتي لم تكن لتُعرف بخلاف ذلك. فعلى سبيل المثال ، يشير عبد الرحمن يوسف إلى تربية والده “الليبرالية” لأبنائه والتي ركزت على غرس قيمة الاستقلالية في الحكم علي الأشياء والسعي إلى الحرية والحفاظ عليها. ونجد أيضا ابنا محبا لوالده يلتمس له الأعذار عندما ينتقد إحدى فتواه من خلال إلقاء اللوم على قلة فهم جيل الأب ، وتعقيدات الوضع الحالي وجدول الشيخ المتخم بالأعمال:

(يا أبي الجليل العظيم … أنا تلميذك قبل أن أكون ابنك، ويبدو لي ولكثير من مريديك وتلامذتك أن اللحظة الراهنة بتعقيدها وارتباكاتها جديدة ومختلفة تماما عن تجربة جيلكم كله، ذلك الجيل الذي لم يعرف الثورات الشعبية الحقيقية، ولم يقترب من إرادة الشعوب وأفكار الشباب المتجاوزة، ولعل هذا هو السبب في أن يجري على قلمك ما لم أتعلمه أو أتربى عليه يوما من فضيلتكم .)

ويسرد عبدالرحمن يوسف في مقالته قائمة بالأسباب غير مقنعة. لقد وقف العديد من جيل والده ضد مرسي أيضا على الرغم ازدحام جداول أعمالهم. والعديد منهم لديهم جداول أعمال مزدحمة أيضًا. كما أنهم لم يكونوا “صبورين” كما يصورهم عبد الرحمن يوسف. فقد حاول العديد من أبناء جيل والده التمرد على النظام أكثر من مرة، ولكن سحقهم الرئيس ناصر وكان مصيرهم بين السجن أو الموت أو المنفى. وعلى الرغم من أنه في الخامسة والأربعين من العمر يعتبر يوسف جيله من شباب ثورة 2011 . لقد عاش يوسف وجيله عمرهم كله تحت الحكم العسكري ولم يتمكنوا من إجراء أي تغيير. في المقابل نجد المتظاهرين الأصغر سنا نجحوا بقوة في إحداث التغيير عام 2011 ولكنهم لم يتمكنوا من ذلك إلا عندما قرر – الذي فوجئ هو الآخر بحجم الاحتجاجات الشعبية – عدم الوقوف في وجه الانتفاضة التي أطاحت بمبارك.

وبعد توظيفه لحجة الانقسام بين الأجيال، يحاول عبد الرحمن يوسف ترشيد موقف والده مع التأكيد على أن والده وكذلك جمهوره يقبلان مقاله. يضع يوسف مقالته في إطار هذه النغمة بحيث يتضح جيدا حبه وتقديره لوالده. كما أنه أيضا بهذه الطريقة يخدم هدفه العام من المقال.. إذ إن احترام الآباء كخلق راسخ سواء في الثقافة المصرية أو الإسلامية لن يجعل عموم المصريين يتقبلوا النقد العلني من الولد لوالده لا سيما إذا كان الوالد أحد أهمم الرموز الدينية في الحياة المعاصرة.
ثالثا، يرد عبد الرحمن يوسف على فتوى والده بالدين أيضا.. وبحكم نشأته في بيت دين ودراسته في مجال الشريعة، فإن عبد الرحمن يوسف لديه الكفاءة للدفاع عن موقفه المناهض للإخوان المسلمين بالرد على الحجج الشرعية التي يذكرها والده. هنا مثلا يقتبس يوسف من كتابات والده السابقة ويشير إلى درس خاص تعلمه هو من والده ويجعله يواجه هذا الفتوى:

(لقد قلت لي ولكل جيلنا : “الحرية قبل الشريعة”(23) بهذه الكلمة كنتُ وما زلتُ من الثائرين الذين يطالبون بالحرية للناس جميعا، بهذه الكلمة كنت في الميدان يوم الخامس والعشرين من يناير، ويوم الثلاثين من يونيو أيضا، ولم أشغل نفسي بالمطالبة بإقامة شرع الله، ولم أر أن من حقي فرض الشريعة على أحد، بل شغلت نفسي بتحريض الناس أن يكونوا أحرارا، فالحرية والشريعة عندي سواء، وهل خلق الله الناس إلا ليكونوا أحرارا !

لقد ناشدتَ أبي العظيم في فتواك الفريق السيسي وكل الأحزاب والقوى السياسية وكل طلاب الحرية والكرامة والعدل، أن يقفوا وقفة رجل واحد، لنصرة الحق، وإعادة الرئيس مرسي إلى مكانه، ومداومة نصحه، ووضع الخطط المعالجة، والبرامج العملية ..” فماذا لو أخبرتك يا مولاي أنهم طالما فعلوا ذلك طوال عام كامل ولم يستجب الرجل؟)

رابعا، وبينما ينتقد موقف والده المؤيد لمرسي.. يستعرض يوسف قضيته ضد مرسي وجماعة الإخوان المسلمين فيسرد جميع الوعود التي قطعها مرسي على نفسه ولم يفِ بها. كما يتهم مرسي بارتكاب الكثير من الأخطاء، مثل سجن منتقديه والطاعة العمياء لجماعة الإخوان، ولكن ذلك دون تقديم أي دليل يثبت ارتكاب مرسي تلك الأفعال. وفيما يجسد أيضا الموقف العاطفي المناهض للإخوان المسلمين الذي تبناه العديد من الليبراليين من أبناء الطبقة فوق المتوسطة في أعقاب الثلاثين من يونيو 2013 وفي فترة كتابة هذا المقال، نجد عبد الرحمن يوسف يصور مرسي كسجين لدى المرشد (المرشد العام للإخوان) ولكن بدون أي دليل مرة أخرى.

خامسا، في أجرأ نقد يوجهه لوالده، يستهجن عبد الرحمن يوسف ما يعتبره شكل التدخل من جانب الشيخ القرضاوي. فالقرضاوي لم يصدر رأيا وإنما أطلق فتوى. وهنا يتجلى غضب يوسف لأقص حد في دعوته إلى فصل الدين عن السياسة. سادسا، يتلقى الجيش إشارة خفيفة في النص الأول. وبخلاف طمأنة والده بأن “الثورة” لن تختطف على أيدي الفلول والجيش، فإن يوسف يصب جام غضبه على الإخوان المسلمين. وبدعمه تنحية مرسي من منصبه، يعبر يوسف بشكل غير مباشر عن دعمه للجيش، حتى وإن كان ذلك لا يظهر جليا في النص. 
وقد استغرق يوسف شهورا قليلة ليدرك أن التطمينات التي قالها لوالده فيما يتعلق بالجيش كانت ساذجة وسابقة لأوانها. فبعد تكريس النظام العسكري وظهور طائفة السيسي، غير يوسف مساره ليركز اهتمامه على تخليص “الثورة” من القوى المثبطة.  ففي المقال الثاني، يتطرق يوسف لمصطلح عامي تم صكه لوصف المجموعة التي كان جزءا منها ذات مرة وهو مصطلح “اليونيجية”. (24) وهنا، لا يهاجم يوسف الجيش صراحة، رغم أنه ينتقد بشكل غير مباشر أنصار الجيش ودوائرهم. ويصور يوسف “اليونيجية” على أنهم مؤيدون للجيش ومناهضون للإخوان المسلمين ولكنهم ليسوا بالضرورة جزءا من النظام القديم، الفلول، لكنهم انتقلوا طواعية من موقعهم المناهض للإخوان إلى موقع مؤيدي الجيش:

(من هم اليونْيَجِيَّة؟ إنهم ـ باختصار ـ مجموعة من المصريين الذين نزلوا يوم الثلاثين من يونيو 2013، ثم أيدوا ما حدث فى 3 يوليو وما بعده من سفك للدماء، ولهؤلاء سمات مميزة، منها أنهم يظنون أن الله قد أعطاهم حق الحديث باسم من نزلوا إلى الشوارع ذلك اليوم، أى أكثر من أربعين مليونا من البشر – حسب زعمهم.) (25)

يشبه عبد الرحمن يوسف البرادعي، فهو يكره كل أولئك الذين يتبنون خططا إقصائية مثل الإخوان المسلمين ويأسف لخسارة مصر سواء لصالح الإخوان أو العسكر. ففي إشارة إلى ما وقع من تقييد للحريات عقب انقلاب يوليو، يعلق يوسف بشكل غير مباشر على إغلاق القنوات التلفزيونية في نهاية مقالته. ويتراجع عن خطابه السابق ويقول إن أفعاله تستند إلى حبه لمصر وليس “كراهية الإخوان”. لقد انتهت الهجمات الشرسة ضد الإخوان المسلمين وأصبح الهجوم الآن على “اليونيجية” وأفعالهم”: 

(من سمات اليونْيَجِيَّة أنهم يكرهون الإسلاميين والإخوان أكثر من كرههم للطغيان، فلا مانع عندهم أن يعينوا الطغاة على الشعب المصرى، شريطة أن تتولى دبابات الطاغية إقصاء الإسلاميين، وفى سبيل ذلك يرتكبون نفس الخطايا التى ارتكبها الإخوان حين كانوا فى الحكم، ولكن يرتكبونها أضعافا مضاعفة. (مقارنة بأخطاء الإخوان المسلمين)

من المميزات الأخرى التي يمكن ملاحظتها هنا حضور المواضيع الاشتراكية التي غابت عن النص السابق. فيوسف يتبرأ من أي ارتباط باليونيجية وحياتهم المترفة المرفهة بإعلانه أنه متظاهر حقيقي: إنه ممن لا يأكلون “السيمون فيميه.. أو الكباب” أثناء التظاهر. إنه يضع إطارا للثورة كثورة الفقراء الناقمين على “اليونيجية.. الأغنياء”. 

وبينما يتحدث بتهكم ونقد حاد فإنه ينهي  مقاله بنبوءة سلبية إلى حد ما: إن اليونيجية سيتيقظون في النهاية ويتصرفون لصالح الدولة. ويبلغ يوسف غاية الوضوح والعلانية في هجومه على الحكم العسكري في مقال آخر نشره في 30 نوفمبر 2013 تحت عنوان  “انت ثوري ولا سوسن؟”. وهو المقال الذي منع من النشر في جريدة الشروق بسبب انتقاداته اللاذعة للجيش فنشره عبد الرحمن يوسف على موقعه الإلكتروني. (26)

معالم التيار البديل وتحدياته 

بنظرة سريعة على بعض مقالاته الصحفية، تجد أن عبد الرحمن يوسف يقدم لقراءه ومتابعيه عينات من القضايا والمنهجية ونقاط الضعف الهيكلية والفرص التي يواجهها التيار السياسي-الثقافي البديل المتنامي في مصر. إن التيار غير العسكري وغير الإخواني، كما يمكننا رؤيته فقط عبر عدسة عبد الرحمن يوسف، هي عدم الارتكاز على أساس أيديولوجي، عدم تقديمه للأجندة واضحة، وأن طبيعة مواقفه تأتي في إطار رد الفعل وليس الفعل، وأنه ببساطة يفتقر إلى الوحدة والقيادة التي يمكن أن تمنحه القدرة على منافسة القوى المهيمنة في المجتمع المصري: الجيش وجماعة الإخوان المسلمين.

يجسد عبد الرحمن يوسف الغموض الذي يخيم على كثير من أعضاء الجماعة غير الإخوانية غير العسكرية. فالتوجه الأيديولوجي ليوسف غير واضح في حين نجده يقدم نفسه في أحد مقالاته على أنه ديني التوجه فإنه في مقال آخر يميل إلى التوجه الاشتراكي. فربما أنه يعتقد بأفكار من الجانبين. وفي حين أن هذا الأمر مقبول بالنسبة ليوسف وأي مثقف آخر، فإن الدمج الأيديولوجي يخصم من إمكانية بناء قاعدة داعمة أو جذب متابعين أكثر مثل حالة جماعة الإخوان المسلمين. إن الانفتاح على الأفكار من سمات الليبراليين ولكن هذا الانفتاح ذاته والمرونة الفكرية يكون مربكا أكثر من كونه جاذبا للمصريين الباحثين عن نموذج ثابت وواضح ليأخذهم بهدوء بعيدا عن الالتحاق بالإخوان المسلمين أو المؤسسات العسكرية أو اللامبالاة تجاه الشأن العام. فإذا كان التيار البديل يهدف إلى أن يصبح ليبراليا، فما هو معني الليبرالية بالنسبة له؟ ما هي معتقداته الأساسية؟ ما هي الخصائص غير القابلة للتفاوض؟ إن البدء بتقارب أيديولوجي واضح ووضع نموذج متماسك مصحوبا بتعريفات مفصلة جيدا وتحديد الموقف من مفاهيم أساسية كبرى مثل الدين والحرية والعدالة الاجتماعية والمساواة.. إن البدء بذلك يمكن أن يقطع شوطا كبيرا في سبيل تعزيز وتقوية البديل السياسي-الثقافي في مصر ما بعد مبارك وما بعد مرسي.

فإذا تمكن يوسف من توضيح انتمائه الأيديولوجي، فإنه سيكون بحاجة إلى برنامج تفصيلي للإصلاح يشرك فيه آخرين ويشجعهم بأساليب تتجاوز التعميمات الحالية التي تميز مقالاته الصحفية قيد الدراسة. إن هذا البرنامج يكون أكثر إلحاحا في أوقات عدم اليقين، مثل تلك البيئة التي أعقبت انقلاب يوليو 2013 والتي يكتب فيها يوسف. إن خطاب يوسف يتخذ طبيعة رد الفعل، سواء على الإخوان المسلمين في البداية أو على الجيش في المقالتين الثانية والثالثة. إن بناء تيار بديل يكون فقط في موقف رد الفعل على تصريحات الخصوم وأفعالهم لا يحقق إلا هدفا محدودا يتمثل في وضع المعسكر الآخر تحت الهجوم – في حال قدم يوسف حجة مقنعة، ولكنه مع ذلك، لا يحقق أي تقدم للبرنامج الثقافي-السياسي الذي يمثل شخص ما. وبينما يمكن القول إنه لا يوجد داعٍ للامتناع عن انتقاد المنصات الأخرى، إلا أن الانخراط في مثل هذا النشاط وحده لن يساعد في بناء القاعدة الشعبية المطلوبة للتيار البديل دون الحرص في الوقت نفسه وبشكل مسبق على إعداد برنامج متماسك ومستدام والترويج له. 

إن الافتقار الواضح للقيادة في المعسكر غير الإخواني – غير العسكري يمثل عقبة رئيسية أعاقت جهود الشباب في فترة ما بعد الانتفاضة مباشرة، ولا تزال تعيق أي منافس جاد للجيش وجماعة الإخوان المسلمين. وذلك تقريبا هو الدور الذي لعبه في البداية الدكتور محمد البرادعي، مؤسس حزب الدستور. فهو كان قائد المجموعة التي انضم إليها يوسف في ظل عصر مبارك والأشهر القليلة التي أعقبت الإطاحة بمبارك مباشرة. إلا أن البرادعي خرج من المشهد، واستقال من منصب نائب الرئيس بعد إطلاق الجيش النار على أنصار الإخوان في أغسطس 2013. ومنذ ذلك الوقت وأفراد من جهات مختلفة يتحدثون ضد كل من الإخوان المسلمين والجيش ولكن دون وجود تنسيق أو رؤية موحدة بين هؤلاء الأفراد.

الاستنتاج: نحو تأسيس أقوى لتيار بديل في مصر 

المصريون ليسوا رهائن في بلادهم للجيش ولا للإخوان المسلمين. وفي الوقت الذي نجد فيه أصوات كثيرة تدعم الجيش وأخرى تدعم الإخوان المسلمين، فإنني أظهرت في هذا البحث أن هناك أصواتا أخرى تتحدى كلا المسارين سياسيا وفكريا. إن ظهور التيار البديل في مصر المعاصرة وتصاعده حقيقة. ومع العلم أنها لا تمثل جميع المصريين بأية حال فإن كتابات عبد الرحمن يوسف تمثل صورة مهمة موجزة للخطاب العام بشأن التطورات السياسية المصرية المعاصرة. يجمع يوسف بين السمات الموجودة في كلا المعسكرين: التنشئة الدينية والمعرفة بأفكار الإخوان المسلمين وكذلك امتلاك الرؤية الليبرالية التي تفضل فصل الدين عن الدولة. إن معرفة يوسف وخبرته مع كل من الإخوان المسلمين والأنظمة العسكرية تجعله يثور ضد كلا المسارين في كتاباته ممهدا الطريق للبديل المنشود. وبالطبع فهناك كثيرون آخرون من أعضاء المجتمع المدني يدعون لتحقيق تطلعات مصر إلى الحرية والعدالة الاجتماعية والرخاء الاقتصادي في مسار لا يمثله الجيش ولا الإخوان المسلمون. ومن أجل أن ترسيخ هذا المسار البديل فإن على يوسف وهذه المجموعة أن يتجاوزوا مجرد انتقاد الإخوان والجيش ليعبروا عن أيديولوجيتهم وفلسفتهم وبرنامجهم ويصبحوا قادرين على تقديم النموذج الفكري الذي يمكن أن يثير انتفاضة حقيقية على الوضع الراهن.
 ويتطلب ذلك إرادة أمثال عبد الرحمن يوسف لزيادة الوعي الشعبي ووضع الأسس القوية لتوفير الخيارات المرنة التي يمكن أن تصمد أمام كيانين قويين ومنظمين مثل جماعة الإخوان المسلمين والجيش المصري. هناك تيار راسخ وقوي من غير العسكر وغير الإخوان المسلمين في طور التكوين وقد واجه هذا التيار وسيظل يواجه عقبات وتحديات ولكن لا ينبغي التقليل من جاذبيته.



المراجع 
الموقع الإلكتروني لعبد الرحمن يوسف “الصفحة الرئيسية”
https://arahman.net/
الموقع الإلكتروني لعبد الرحمن يوسف “اليونيجية” 
https://arahman.net/menu-types/1601-2013-11-23-07-30-12
أماني الطويل “معركة حكم المصريين بين الجيش والإخوان” 
المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات
http://www.dohainstitute.org/release/0b5d0cf6-8337-4d28-91a6-8aa2035dcb79
أسد، طلال وعايشة كوبكجو “لا أبطال ولا أشرار: حوار مع طلال أسد عن مصر بعد مرسي”
http://www.jadaliyya.com/pages/index/13308/%D9%84%D8%A7-%D8%A3%D8%A8%D8%B7%D8%A7%D9%84-%D9%88%D9%84%D8%A7-%D8%A3%D8%B4%D8%B1%D8%A7%D8%B1_%D8%AD%D9%88%D8%A7%D8%B1-%D9%85%D8%B9-%D8%B7%D9%84%D8%A7%D9%84-%D8%A3%D8%B3%D8%AF-%D8%B9%D9%86-%D9%85%D8%B5%D8%B1-%D8%A8%D8%B9%D8%AF-%D9%85%D8%B1%D8%B3
“استقالة الرئيس المصري حسني مبارك” CBS News
http://www.cbsnews.com/news/egyptian-president-hosni-mubarak-resigns/
الجوهري، كريم. الإخوان المسلمون في مصر.. خيارات محدودة” 
http://en.qantara.de/content/muslim-brotherhood-in-egypt-limited-options

فورغاكس، ديفيد. قارئ لجرامشي. كتابات مختارة، 1916-1935
طبعة جامعة نيويورك، 200 


جمال الدين، السيد. عاجل: الحكم بحظر جماعة الإخوان المسلمين، الأهرام
http://english.ahram.org.eg/News/82304.aspx
غويار، جوناثان. تحت حكم مرسي, خطوط حمراء أصبحت رمادية” 
http://www.jadaliyya.com/pages/index/14293/under-morsi-red-lines-gonegray
“لم أغير مذهبي.. نجل شيخ مصري يؤكد” 
http://www.alarabiya.net/articles/2008/10/15/58297.htm
لينزي، يورسولا. “صوت معارض ينضم للجماعة القومية” مدى مصر 
https://www.madamasr.com/en/2013/10/06/feature/politics/a-voice-of-dissent-joins-the-nationalist-chorus/
محيي الدين، شريف. “إعادة تشكيل النخبة بعد 3 يوليو في مصر” 
http://www.jadaliyya.com/pages/index/14196/%D8%A5%D8%B9%D8%A7%D8%AF%D8%A9-%D8%AA%D8%B4%D9%83%D9%8A%D9%84-%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%AE%D8%A8%D8%A9-%D8%A8%D8%B9%D8%AF-3-%D9%8A%D9%88%D9%84%D9%8A%D9%88-%D9%81%D9%8A-%D9%85%D8%B5%D8%B1
نوارة، وائل. المبادرة التي لم يطرحها الإخوان
https://www.al-monitor.com/pulse/ar/contents/articles/originals/2013/11/muslim-brotherhood-egypt-initiative-constitution.html
“تأسيسي جبهة جديدة ضد الجيش وضد الإخوان” 
http://www.jadaliyya.com/pages/index/14297/new-anti-brotherhood-antimilitary-front-launchedQur’an
سورة يوسف. ترجمة القرآن 
http://quran.com/12
سالم، سارة. “الجيش المصري وثورة 2011”  
http://www.jadaliyya.com/pages/index/14023/the-egyptian-military-and-the2011-revolution

تظاهرات مناهضة للجيش والإخوان 
http://www.ademocracynet.com/Arabic/index.php?page=news&action=Detail&id=10654

ويكام, كاري روسفسكي. “الإخوان المسلمون.. تطور حركة إسلامية”
طبعة جامعة برنستون 

يوسف، عبد الرحمن. “عبد الرحمن يوسف القرضاوي يكتب: عفوا أبى الحبيب … مرسى لا شرعية له”
http://www.youm7.com/News.asp?NewsID=1152641#.Upy9LWthiSP
يوسف، عبد الرحمن. “قصيدة عبد الرحمن يوسف “انقلاب”
http://www.youtube.com/watch?v=O3HP0FftRPo
=-=========


1-    يشير جوناثان غويار إلى دور الجيش بقوله “إن الإطاحة بحسني مبارك من السلطة تمت من خلال انتفاضة عارمة وانقلاب عسكري”. وبينما يصف غويار أحداث 2011 بأنها خليط من الانتفاضة-الانقلاب فإنه يمكنني أن أضعها في إطار “انقلاب” فقط نظرا لأني الجيش اختطف الانتفاضة العارمة وصادر المطالب الثورية.  
جوناثان غويار “تحت حكم مرسي.. خطوط حمراء أصبحت رمادية” 

2-    للاطلاع على نص الحديث كاملا، انظر أخبار CBS “استقالة الرئيس المصري حسني مبارك” 

3-    للمزيد من التحليل عن دور الجيش في مصر، انظر سارة سالم “الجيش المصري وثورة 2011”  

4-    “الدولة العميقة مفهوم يعني وجود دولة داخل الدولة ويشير إلى وجود مجموعة قوية من الأفراد الذين تساوي قوتهم قوة جهاز الدولة الرسمي، إن لم تكن تتجاوزه. وفي السياق المصري، يشير هذا المصطلح إلى الموظفين المدنيين وجماعات المصالح وأولئك البيروقراطيين الرمتبطين بالمؤسسة العسكرية بفضل المكاسب التي يتحصلون عليها.
5-    يوضح شريف محيي الدين خارطة التشكيلات المختلفة للمجالس المعينة في عهدي مرسي والسيسي في كتابه “إعادة تشكيل النخبة بعد 3 يوليو في مصر. 

6-    ويكام، “الإخوان المسلمون.. تطور حركة إسلامية” 248-9 ، وعاجل الأهرام الإنجليزية 

7-    لكريم الجوهري بحث عن أداء الإخوان المسلمين وهم في السلطة والدروس المستفادة من التجربة. انظر “الإخوان المسلمون في مصر: خيارات محدودة” . وكذلك يوجد بحث هام يتعلق بالتطورات الخاصة بالإخوان المسلمين والمبادرات التي طرحها التحالف الوطني لدعم الشرعية المقرب من الإخوان. انظر وائل نوارة، “المبادرة التي لم يطرحها الإخوان المسلمون.”

8-    للمزيد من التحليل عن السنة التي قضاها مرسي في السلطة، انظر أماني الطويل “معركة حكم المصريين بين الجيش والإخوان”

9-    تحت شعار القومية، تخلت مجموعات من الليبراليين عن مبادئهم وتحالفوا مع الجيش لمنع الإخوان من الحكم. وكان الروائي المصري الشهير صنع الله إبراهيم مثالا من هؤلاء. انظر لينزي يورسولا “صوت معارض ينضم للجماعة القومية” مدى مصر.

10-    يتظاهر الكثير من المصريين الآن ضد كل من الجيش والإخوان المسلمين مثل هذه المظاهرة التي جرت في ذكرى أحداث محمد محمود 19 نوفمبر 2013. انظر تظاهرات مناهضة للجيش والإخوان http://www.ademocracynet.com/Arabic/index.php?page=news&action=Detail&id=10654

11-     “جبهة طريق الثورة” مثال على هذه الجماعات التي أعلنت صراحة مناهضتها للإخوان المسلمين والجيش. وقد شارك بعض الأعضاء المؤسسين لحركة 6 أبريل في تدشين هذه الجبهة. http://www.jadaliyya.com/pages/index/14297/new-anti-brotherhood-anti-military-front-launched-

12-    الشيخ يوسف القرضاوي (مواليد 1926). عالم وفقيه إسلامي غزير الإنتاج، له أكثر من مائة وعشرين كتابا مثل “الحلال والحرام في الإسلام”. وهو أيضًا ناشط أسس العديد من المراكز الإسلامية حول العالم. درس القرضاوي في الأزهر الشريف بمصر، وانتقل إلى قطر وحصل على جنسيتها بعد تعرضه للمضايقات في مصر خلال أربعينيات إلى ستينيات القرن الماضي بسبب ارتباطه بجماعة الإخوان المسلمين. للقرضاوي عدد كبير من الأتباع ويعتبر من علماء الدين المسلمين الرواد في العصر الحديث. 

13-    للمزيد انظر هذه الروابط للحسابات الشخصية على تويتر   https://twitter.com/belalfadl   https://twitter.com/emadshahin   https://twitter.com/hanishukrallah     https://twitter.com/drbassemyoussef       https://twitter.com/waiel65. تتحد هذه المجموعة من المثقفين في رفضها لأي شكل من أشكال الهيمنة سواء كان من جانب الجيش أو الإخوان المسلمين. ومع ذلك، فإن كلا منهم يعبر عن مشاعره بشكل مختلف. وقد يكون الدكتور عماد شاهين هو الأكثر نقدا وهو ما اضطره إلى اللجوء للمنفى الاختياري الاختياري بعدما وجهت له الحكومة العسكرية تهما أثناء وجوده خارج مصر للمشاركة في أحد المؤتمرات، وقد حكم بالإعدام غيابيا في هذه القضية في مايو 2015. وكذلك فإن كلا من بلال فضل وباسم يوسف في منفى اختياري بالولايات المتحدة. فيوسف عرف بانتقاده اللذع لجماعة الإخوان خلال فترة حكمهم وكذلك للجيش بعد استيلائه على السلطة. ومع ذلك ، فقد اضطر لإيقاف برنامجه مرتين، في قناتي CBC و MBC وذلك بضغوط من الحكومة المصرية. وقد ظل يوسف ناقدا ولكن دون توجيه أي انتقادات حادة وعلنية للجيش كما كان من قبل.
14-    القارئ لأنطونيو جرامشي، 302 

15-    بعض المثقفين الذي ذكرتهم لديهم أتباع بمئات الآلاف أو بالملايين. ويتم نشر مقالاتهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي وتنال تعليقات كثيرة. بالنسبة لعبد الرحمن يوسف، فإن موقعه الإلكتروني www.arahman.net يحظي بشعبية مماثلة وقد اجتذب أكثر من 16 مليون زائر اعتبارا من مايو 2014. كان هذا الرقم ظاهرا في أسفل الصفحة الرئيسية للموقع ولكنه لم يعد يظهر. ومع ذلك فإن المعلومة تظل غير مكتملة نظرا لأن عمر الموقع غير معروف وغير معروف أيضا ما إذا كان عدد ستة عشر مليونا يمثل عدد المشاهدات أو الزيارات. المدة التي وصل فيها الموقع إلى هذا العدد غير معروفة. وبالطبع فإنه ليس عدد الزوار فرادى إذ من المؤكد وجود زوار متكررين. ولكن هذا لا يقلل من أهمية هذا العدد الكبير ، لكنه يضع الرقم في سياق أكبر.

16-    التحليل يتوالى في هذا الجزء أما الترجمة الكاملة للمقالين فإنها في ملحقين آخر البحث.

17-    لمزيد من الاطلاع على شعر عبد الرحمن يوسف وأسلوبه يمكن مشاهدة هذا الرابط http://www.youtube.com/watch?v=O3HP0FftRPo

ليوسف إحدى عشرة مجموعة شعرية أعيد طبع بعضها عدة مرات. نُشرت مجموعته الأولى “نزيف الحروف” عام 1992 وآخرها “على راسه بطحه”  نُشرت في 2014. انظر موقع عبد الرحمن يوسف
https://arahman.net
18-    المعلومات الشخصية عن عبد الرحمن يوسف منموقعه الإلكتروني الشخصي 
https://arahman.net
19-    المرجع السابق
20-    محمد البرادعي دبلوماسي مصري شغل منصب المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية بين عامي 1997-2009. حصل على جائزة نوبل للسلام عام 2005 بالاشتراك مع المنظمة لجهوده في الحد من التهديدات الذرية. وبعد تقاعده، عاد البرادعي إلى مصر وتحول إلى السياسة وعمل على الضغط من أجل التغيير قبل أحداث 2011. له متابعون كثر بين المناهضين للإخوان والجيش. ومع ذلك، فقد بعض المصداقية بعد مشا ركته في الحكومة التي أعقبت انقلاب يوليو 2013 كنائب للرئيس لمدة شهر واحد قبل استقالته استقالته على خلفية الاعتداء على أنصار الإخوان في رابعة. يقيم البرادعي الآن فيينا بالنمسا بعيد عن السياسة المصرية باستثناء نشر بعض التعليقات السياسيةمن حين لآخر.

21-    انتشرت شائعان عام 2008 بأن عبد الرحمن يوسف اعتنق المذهب الشيعي وهو ما نفاه عبد الرحمن يوسف علنا.

22-    الموقع الإلكتروني الخاص بعبد الرحمن يوسف  
https://arahman.net
23-    هناك بيان مماثل للداعية والقيادي في جماعة الإخوان بالكويت طارق السويدان. وقد أثار بيان السويدان ردود فعل وانتقادات حادة في دول مجلس التعاون الخليجي. طرح القرضاوي الفكرة قبل أن يعرضها السويدان في مؤتمر عقد بالكويت عام 2012.
24-    أغلب الظن أن عبد ال رحمن يوسف ليس هو من صك المصطح العامي المصري “اليونيجية” ويبدو أنه تطور بشكل طبيعي بعد احتجاجات يونيو. ومع استخدامه في مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة أصبح المصطلح أكثر شيوعا. ويشير المصطلح إلى مؤيدي انقلاب يونيو بشكل عام، وليس بالضرورة من يتصفون بالصفات المذكورة في المقالة.

25-    العلامتان () من عند المؤلف وقد استخدمت العلامتين ]  [ من عندي لتسهيل الترجمة.
26-    الموقع الإلكتروني لعبد الرحمن يوسف “إنت ثوري ولا سوسن؟” ؟ وفي مقالة أخرى نشرت في 7 ديسمبر 2013 بعنوان “العازل والمعزول” يعود يوسف إلى الدفاع عن موقفه المناهض لمرسي ويهاجم في الوقت نفسه تصرفات الجيش. وهذه المقالات إما أنها كانت تعليقا على أحداث أو على تعليقات من الجمهور. وقد ابتعد يوسف عن الإعلام المصري في مقالاته الأخيرة ثم أعلن لاحقا انتقاله للكتابة في موقع عربي 21. فيما يبدو على الأرجح أنه كان رد فعل على حظر الشروق لمقاله “سوسن”.

المقال السابق

أسماء بلا مسميات

المقال التالي

تعارض مصالح

منشورات ذات صلة
Total
0
Share