أسماء بلا مسميات

المقال منشور بموقع عربي 21 بتاريخ 7 مارس 2021

المواطن العربي في نظر حكامه دائما متهم، فإذا كان شيعيا اتهموه بالولاء لإيران، حتى لو كان شيعيا غير متدين أو علماني أو ملحد.. وإذا كان سنيا اتهموه بالولاء لتركيا أو لداعش أو القاعدة الخ الخ.. حتى لو كان مسلما لا علاقة له بالإسلام الأيديولوجي.. وإذا كان علمانيا اتهموه بالولاء للغرب، وإذا كان ملحدا اتهموه بالولاء للشرق.. وهكذا.. ستجد لكل مواطن عربي تهمة مناسبة، وقالبا يضعه في محل المساءلة والتمييز والاضطهاد.

المواطن العربي إذا كان مزدوج الجنسية اتهموه بازدواج الولاء، وإذا كان ذا جنسية واحدة فهو معرض لفقدها إذا رأى السلطان أن بوستاته على الفيس بوك قد تتسبب في خلل في النسيج الاجتماعي الفريد.. حتى لو كان هذا الخلل سيحدث بعد ثلاثة أجيال.. وإذا كان بلا جنسية (بدون) فهو “الحيطة المايلة” التي يستعرض عليها رجال السلطة عضلات القوانين، وهيبة الدولة، ونفوذ المؤسسات.

المواطن العربي مسكين.. تسأله جميع الأجهزة الأمنية عن ولاءه، وتتشكك كلها في إجاباته، وتطالبه بإثبات وطنيته بالعمل مخبرا للأمن، وبالتبرع الدائم للدولة لكي تنفق على مزيد من القصور والمنتجعات لعلية القوم، وبالصمت أمام الخيانات التي تهدده في يومه وغده، وتهدد أبناءه في أساس وجودهم ومستقبلهم.. وإذا اشتكى قابلته جحافل قوات مكافحة الشغب المدججة بكل الأسلحة المستوردة التي لم يسأل أحد من استوردها عن ولاءه، أو عن ثروته، أو عن جنسيته وجنسية أمه !

المواطن العربي – في غالبية الدول العربية – مسؤول في كل حين عن ولاءه، ولا يَسأل أحد من الذي جعل بعض المواطنين العرب يفضلون أن تحكمهم دول أجنبية؟ من الذي جعل بعض الشعوب العربية تستقبل الجيوش الغازية بأكاليل الغار؟ من الذي تسبب في نفي ملايين المواطنين فاكتسبوا جنسيات أخرى لكي يتمكنوا من البقاء على قيد الحياة؟

لا أحد يسأل هذه الأسئلة.. لأن من يسألها سيُسأل عن الجهة المخابراتية التي موّلته، وغسلت دماغه، وحرّضته لكي يسأل هذه الأسئلة التي تزعزع استقرار الوطن !

لا أحد يسأل هذه الأسئلة.. خشية أن تسأله الضرائب (من أين لك هذا؟) حتى لو كان لا يملك إلا الستر والديون، أو سيسأله الإعلام عن سلوكه الجنسي المشبوه رغم أنه لم يفعل أي شيء مما يقوله عنه إعلام السادة الذين يَسألون ولا يُسألون.

*       *       *

في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك كانت هناك لافتة مفروضة على الأمة المصرية كلها، مكتوب عليها (الحزب الوطني الديمقراطي).. والحقيقة أنها مجرد اسم تافه بلا مضمون، فلا هو حزب، ولا هو وطني، ولا هو ديمقراطي.

لو كان (حزبا).. لانضممنا إليه، ولكنه مجرد تشكيل عصابي لإشباع مصالح أسفل خلق الله، محمي بمؤسسات الدولة وقوة السلاح.

لو كان (وطنيا).. كما تزعم اللافتة.. لوجدنا مشتركات نتمكن فيها من العمل معا، من أجل مصلحة الوطن، ولتعاونا معا في الحد الأدنى من المشتركات الوطنية.

ولو كان (ديمقراطيا).. لتمكنا من الفوز عليه في الانتخابات (انتخابات داخل الحزب، أو خارجه)، أو على الأقل مواجهته مواجهة لها أي معنى، ولكننا كنا نواجه جحافل الأمن المركزي، بينما السادة نواب الحزب الوطني الديمقراطي يشرفون على تزوير الانتخابات صحبة ضباط أمن الدولة داخل اللجان التي مُنع الناخبون والمترشحون من الوصول إليها أصلا !

وإذا فضح المواطن هذه المسرحية صار متهما بالخيانة، وبتشويه صورة بلاده، وبالرغبة في الشهرة ولفت الأنظار.. وفي النهاية يتم تلفيق ما يتيسر له من التهم التي تودي به إلى السجن سنوات طوال.

*       *       *

المواطن العربي مخدوع في الوطن، مجرد أسماء بلا مسميات، فالوطن مجرد لافتة، ولكنها تؤشر إلى اللاشيء.. اللامعنى.. اللاوجود !

(الجيش العربي السوري) مجرد اسم.. بلا مسمى.. فلا هو جيش (لأن غالبيته مجرد ميليشيات وشبيحة لا يعرفون أي معنى للشرف العسكري)، ولا هو عربي (ثلاثة أرباع أفراده من الطائفة العلوية، وتسعين في المئة من قياداته من الطائفة العلوية، وتسعة وتسعين في المائة من مخابراته العسكرية من الطائفة العلوية)، ولا هو سوري (فقد سلّم البلاد لأكثر من عشرة جيوش أجنبية دخيلة، وأصبح مجرد فرّاش يعد لها الشاي والقهوة، ويقبل بمهماتها القذرة، بدءا من القتل بالبراميل.. وصولا إلى تنظيف الحمامات).

*       *       *

المواطن العربي يتجرع كل صباح محاضرات عن الوطنية، وعن واجباته تجاه الوطن، وعن آلاف المحظورات التي ترسله وراء الشمس.

يعيش هذا المواطن العربي في مدن ممتلئة بمؤسسات تحمل لافتات ضخمة، وهي مجرد أسماء بلا أي معنى.. المجلس الأعلى للقضاء، الشرطة، المجلس القومي لحقوق الإنسان، المجلس الأعلى للصحافة والإعلام، مجلس نواب الشعب، مجلس الأمن القومي.. كلها لافتات بلا معنى، ومسميات بلا مدلول.. ولا يكاد المواطن العربي يجد لافتة صادقة تعبر عما بداخلها سوى لافتة السجن، ولكن.. حتى حين يدخل السجن.. يجد لافتة كاذبة حقيرة كُتِبَ عليها زورا وبهتانا (السجن إصلاح وتهذيب) !

لا أمل في تغيير المواطن إلا بمنحه وطنا.. والوطن ليس لافتة.. الوطن معاني كثيرة.. من أهمها المنح بلا منة.. والعطاء بلا مقابل.. أي أن الوطن هو الذي يعطي ويمنح المواطنين.

لن نسمح لسارقي الوطن بتغيير معنى الوطن بلافتات هي معكوس كل معانيه..

رابط المقال 

المقال السابق

سنعود

المقال التالي
الشاعر عبد الرحمن يوسف

لا فلول ولا إخوان: فكر عبدالرحمن يوسف وبروز تيار بديل في مصر ما بعد حكم مرسي - بدر موسى السيف -  جامعة جورج تاون

منشورات ذات صلة
Total
0
Share