بلا نوم …!

منشور بجريدة الشرق القطرية عدد الأربعاء 6-10-2010 م

قصتي مع الأرق قديمة ، تبدأ منذ عقدين من الزمن ، أعاني أرقاً غريباً ، يأتي ويروح دون ضوابط .أتوقعه في أحيان فيأتي ، وأتوقعه في أحيان فلا يأتي ، وأتوقع النوم في أحيان فيأتيني الأرق ، وأتوقع الأرق في أحيان أخرى … فيأتي النوم ..!الأرق عندي ثلاثة أنواع :

الأول : أرقٌ بلا سبب …! أو لنقل أرقٌ متعدد الأسباب ، أحياناً أعرف أسبابه وأحياناً لا أعرف ..!

الثاني : أرق الكتابة … ولعله الأرق الوحيد الذي أحبه ، أو لنقل الأرق الذي أتسامح معه ، رغم أنه مجهدٌ جداً .


الثالث : أرق السفر …!
أرق السفر بالنسبة لي ليس بسبب تغيير الفراش ، بل بسبب فكرة السفر ذاتها ، والدليل على ذلك حالة الأرق التي أكتب من خلالها الآن ، أنا الآن مازلت في فراشي في منزلي ، ولكني لا أستطيع النوم لأني مسافر غداً !

النوم سلطانٌ ، ولكن سلطانه ليس مطلقاً ، النوم سلطانٌ \”ديمقراطي\” ، تنازعه قوى أخرى سلطاته ، كم كنت أتمنى أن يكون السلاطين العرب مثل النوم ، يمكن منازعتهم في السلطة !

نوم السفر له طعم خاص ، فهو نوم سطحيٌ ، متقطعٌ ، عابرٌ ، خفيفٌ …!
لا أتعاطى المنومات في السفر … ولا في الإقامة …الأدوية المنومة غش … خداع … مثل المنشطات الجنسية…! لا أتعاطى المنشطات الجنسية ، ولا الأدوية المنومة … أبداً !

أحياناً يستغيث الجسم … فتغيثة الروح بمدد من خالقها ، فيصمد الجسم بشكل غير منطقي ( من الناحية المادية ) ، فيعمل الجسم لأيام وأيام ، وبكفاءةٍ عالية ، رغم عدم نيل القسط الكافي من النوم ، وهذا أمرٌ غريبٌ .أذكر أنني عملت لمدة أسبوع كامل في برنامج وثائقي ، كنت مع فريق التصوير في دولة الإمارات ، ولم أنم لثلاث ليال متواصلة باستثناء غفواتٍ في السيارة …!


كان أدائي أمام الكاميرا متميزا جداً … بشهادة بقية أعضاء الفريق …النوم أنواعٌ … أردؤُها ( بالنسبة لي ) … نوم السفر .. أو أرق السفر …!

حين يتأمل الإنسان في (ميكانيزم) النوم يستغرب ، بل يكاد يجن ، فهناك الكثير من البشر الذين لا يبذلون أي جهد في النوم ، وهناك أشخاص آخرون يفعلون كل ما يخطر على البال لينالوا قسطا من النوم ولا ينالونه !عند المتصوفة … يقولون إن من علامات الولاية النوم !

فالله إذا رضي عن العبد \”سخر له النوم\” ، هكذا يقولون …!

ومما يحكى عن الأستاذ حسن البنا مثلا ، أنه كان كذلك ، فكان لا ينام ، وإذا تعب استأذن ممن هم في صحبته فيسند رأسه إلى الحائط يغفو ربع أو نصف ساعة ، ثم يقوم وهو في قمة النشاط ، هكذا قال لي بعض أصحابه .النوم من صفات النقص ، وعدم النوم من صفات الكمال ، لذلك قال تعالى في صفاته : \”لا تأخذه سنة ولا نوم\” …فالإنسان ناقص ، لذلك ينام .


وكثير من الوظائف الحيوية للجسم تتم في حالة النوم ، والأطباء المتخصصون يرون النوم درجات ، بعضها يصل بالإنسان إلى درجة الإشباع ، وبعضها لا يصل ، وقد اخترعت بعض الأجهزة لقياس درجة عمق النوم ، والفكرة تعتمد على التنفس بشكل صحيح في أغلب الأحيان …في جميع الأحوال … لم أستطع أن أتعرف على مشكلتي الشخصية مع النوم ، ولم أتمكن – حتى الآن – من تحليل مشكلة الأرق الذي ينقض علي و يحاصرني حتى يذكرني بقول الشاعر :فإنك كالليل الذي هو مدركي : وإن خلت أن المنتأى عنك واسعُ !

لذلك … أصبحت أستغل حالات الأرق في العمل ، فإذا عجزت عن النوم ، أقوم (صاغرا) بعد ساعة من فراشي لأكمل عملا كنت قد بدأته ، حتى يأتي النوم ، فأذهب بعد ذلك إلى الفراش ، أو أستمر في العمل ، وأواصل العمل لليوم التالي …أما في حالة السفر ، فالأصل فيها الأرق ، والنوم استثناء ، والبحث عن النوم في حالة السفر كالبحث عن العدل في الوطن العربي ..!

لذلك وطنت نفسي في حالات السفر أن أعمل وأتأمل … بلا نوم …!   


عبدالرحمن يوسف 

المقال السابق

من ...؟

المقال التالي

الدولة والأمة

منشورات ذات صلة
Total
0
Share