كُلْ خضاراً …!

كنا نقول – كمعارضين للنظام المصري – إن الحكومة حوّلت حياتنا إلى خراء في خراء …!
و حينها كان يثور علينا بعض الطيبين أو الحمقى ( اختر اللفظ الذي يريحك ) ويقولون : \”أنتم سوداويون\” … \”لا يمكن أن يكون الأمر بهذا السوء\” … الخ .

كنا – نحن – حينئذ نعتصم بالمجاز ، فنقول : إنه خراء (مجازي) …!
و لكن – الآن – وبفضل العصر المبارك الذي نعيشه أصبحنا نعيش خراءاً حقيقياً ، نشمه أو نبتلعه ( اختر اللفظ الذي يريحك ) كل يوم على مدار ثلاثة عقود تقريبا …!
لقد ظهرت الفضيحة …!

و تبيّن أن الشعب المصري يأكل و يشرب مياه الصرف الصحي ، فهو يشربها مخلوطة بمياه الشرب في مئات المواقع في المدن و القرى و النجوع ، ويأكلها من خلال المحاصيل التي روتها مياه الصرف الصحي و الصناعي غير المعالجة على مدار ثلاثة عقود .


و مع كل صباح يتبيّن أن كم المحاصيل و الأراضي المروية بمياه الصرف أكبر مما ظن أكثر المتشائمين ، لقد وصل حتى الآن إلى حوالي 600 ألف فدان …!!!

و سوف يزداد هذا الرقم حتى يصل إلى عدة ملايين من الأفدنة ، و سبب اعتقادي ذلك يرجع إلى ما ذكره لي أحد المتخصصين من أن الري بمياه الصرف الصحي عبر هذه السنوات قد تسبب في مصيبة أخرى ، ألا و هي تلوث المخزون الجوفي من المياه …!

بمعنى أن المياه الجوفية أصبحت ملوثة أيضا بنسبة أو أخرى تختلف من مكان لآخر .

من السهل معالجة مياه الصرف الصحي معالجة مبدئية لري الزراعات ، وهذا العلاج عدة أنواع ، أول أنواع المعالجة (نوع سهل و غير مكلف) ، يكون من خلال وضع المياه في أحواض ضخمة لعدة أيام حتى تترسب الأجسام الصلبة في قاع تلك الأحواض ، ثم يتم إدخال المياه إلى فلاتر مخصوصة تنقيها من شوائب أخرى ، حينها تصبح هذه المياه جاهزة لري  غابات الأشجار الخشبية ، دون أن تفسد التربة ، أو تلوث مخزون المياه الجوفية .


ومن خلال التجارب التي أجريت في مصر (على أشجار خشب الماهوجنا) تبيّن أن معدل نمو هذه الأشجار في مصر يزيد على معدل نموها في بلدانها الأصلية بكثير جدا .


و لكن ضعف الإشراف الحكومي أدى إلى نسيان المشروع ، وذلك إدى إلى كارثتين ، الأولى : عدم معالجة المياه الخارجة من مواسير الصرف الصحي .


الثانية : ري المحاصيل الزراعية بهذه المياه القذرة .

أي أن الحكومة لم تعالج المياه ، و لا الفلاح التزم بزراعة الأخشاب ، و الخسارة الكبرى هنا (بالإضافة لصحة المواطنين) ، هو فساد التربة التي ظلت تروى كل هذه السنين بهذه المياه الملوثة .

هناك مرحلة أخرى من المعالجة لمياه الصرف الصحي ، متطورة و مكلفة جدا ، و ذلك من خلال غاز الأوزون ، و هذه المعالجة تعيد الماء إلى طبيعته الأولى ، أي أنه يصبح صالحا للاستهلاك الآدمي بشكل كامل ، أي يصبح صالحا للشرب …!!!

اليابان تفعل ذلك مع مياه الصرف الصحي ، تعالجها حتى تصبح صالحة للشرب ، وتستخدم هذه المياه (التي أصلها مياه صرف صحي) كمياه  (للسيفون) ، أي أنها تعود للمجاري مرة أخرى …!

يسألني سائل : لماذا يستخدمونها (للسيفون) و هي صالحة للشرب ؟

أجيب : إن الدولة اليابانية و المواطن الياباني لم يقبلوا أن يشربوا من مياه الصرف ، أي أن كرامة اليابان أبت أن تشرب من بولها حتى بعد أن أصبح صالحا للشرب وعولج بأفضل الطرق .

أما نحن … فنشرب و نأكل خراءاً … و إذا نطقنا قالوا لنا : احمدوا ربكم … أنتم السبب في ذلك …!
إلى كل شخص ما زال يرى بعض المميزات في هذا العهد الـ (خروي) أقول : كان بإمكاني أن أقول لك : كل خراءاً …

و لكن  العهد المبارك أعفاني من أن أكون بذيئا … أقول لك : كل خضاراً …! 

عبدالرحمن يوسف
19/9/2009

المقال السابق

( بفنوسي يا كناب ...! )

المقال التالي

الصحافة المصرية و الصرف الصحي ...!

منشورات ذات صلة
Total
0
Share