تعودت قراءة الصحف كل يوم ، بدأت معي هذه العادة من أواخر المرحلة الابتدائية ، لذلك أصبح التخلص منها – في هذه السن – شبه مستحيل . يسألني سائل : ولماذا تريد أن تتخلص من هذه العادة …؟ أرد : لسببين ، الأول : حفاظا على أعصابي . الثاني : حفاظا على تجربتي الشعرية .
السبب الأول (المتعلق بالأعصاب) استطعت ترويضه قليلا ، وذلك بالامتناع عن قراءة الصحف الرسمية ، كصحيفة الأهرام . فالمواظبة على قراءة الأهرام كفيلة بجلطة في الدماغ – و العياذ بالله – خصوصا في السنوات الأخيرة ، فقد كانت الأهرام تخصص من يتابع كل أخبار الرئيس ، و مع الوقت أصبح في الأهرام (وغيرها) من يتابع أخبار الرئيس ، و الرئيسة ، و الوريث !!! لذلك ، و حفاظا على صحتي قاطعت الأهرام ، ساعدني على ذلك القرار انصراف كبار الكتاب الذين كنت أتابعهم عن الكتابة في الأهرام ، مثل ا. فهمي هويدي و ا. سلامة أحمد سلامة ، لذلك أصبحت لا أشتريها و لا أقرؤها إلا عدد يوم الجمعة ، لكي أتابع فاروق جويدة ، و بعض الأبواب الأخرى .
قد يقول قائل : إن جرائد المعارضة و الجرائد المستقلة تنقلان نفس الأخبار …!
أقول : و لكن الصحف المستقلة تنقل الأخبار من زاوية مختلفة كلياً أو جزئياً … أذكر أنني كتبت قصيدة (لم و لن أنشرها) عنوانها \”قراءة في جريدة رسمية عربية\” ، وكان ذلك من شدة غيظي من \”الدعارة الصحفية\” التي أتجرعها يوميا …!
السبب الثاني ( الحفاظ على تجربتي الشعرية) ، لأني – حسب اعتقادي وحسب اعتقاد مجموعة من أهل الرأي المتابعين لتجربتي الشعرية – أحتاج في هذه المرحلة إلى قراءات \”إبداعية\” في الشعر و القصة و غيرهما أكثر مما أحتاج إلى قراءات علمية أو دينية أو صحفية … الخ و الصحافة تستهلك مني يوميا ما لا يقل عن ساعتين !
و هذا وقت كبير يخصم من واجبات أخرى ينبغي أن أنتبه لها .
و لذلك خفضت عدد الصحف التي أتابعها إلى ثلاث صحف يومية ، و صحيفتين أسبوعيتين ، و صحيفتين على الشبكة العنكبوتية .
من كل ما سبق ، ومن خلال تجربة قارئ (لا كاتب) بدأ هواية القراءة منذ عقود ثلاثة ، أستطيع أن أقول إن حال الصحافة في مصر أصبح عارا على هذا البلد العظيم !
للأسف … غالبية الصحف (المستقلة) ليست مستقلة ، أو مستقلة حتى إشعار آخر ، أو مستقلة بشرط أن تكون تابعة ، أو مستقلة و لكن تحت الطلب !
لقد تربت أجيال من الصحفيين الشبان في نظام تعليمي يخرج جهلة ، و تعلموا (بعد تخرجهم و تعيينهم بالواسطة في صحفهم) على أيدي أساتذة لا يعيرون أي اهتمام سوى للواسطة ، و تدرجوا في سلمهم الوظيفي من خلال علاقات مشبوهة بأجهزة الأمن و رجال الأعمال … و أصبح أمرا عاديا أن يفاجأ المرء بصحفيين محترفين يعملون في صحف كبرى ولكنهم من الناحية المهنية أقل بكثير من الحدود الدنيا للعمل الصحفي ، أنا شخصيا قابلت في مسيرتي صحفيين لا يكادون يقيمون جملة عربية صحيحة من أي ناحية ، سواء من ناحية النحو أو الصرف أو حتى الإملاء …!
لقد أصبحت الصحافة المصرية شجرة عظيمة ، مثمرة ، تظلل أغصانها و أوراقها على آلاف الناس ، و يأكل هؤلاء الناس من ثمرها … و لكنها – للأسف – شجرة تروى بمياه الصرف الصحي منذ ثلاثين عاما تقريبا …!
سيكون مكسبا من أكبر المكاسب لوطننا العظيم لو تغيّرت الأمور ، فنرى هذه الشجرة المثمرة و قد رويت بماء الحقيقة العذب ، ليأكل الناس من ثمرها دون أن يصيبهم الأذى ، و هم يحسبون أنهم ينفعون أنفسهم … في النهاية : لا يفوتني أن أنبه الجميع على أن التعميم – في أي موضوع – خطأ ، لذلك أقول : إلا من رحم ربي …!
عبدالرحمن يوسف
19/9/2009