في مديح الاستبداد.!

قابلني شخص يقع في منطقة وسطى بين انعدام الذكاء والغباء الحاد، وسألني سؤالاً يقع في منطقة وسطى بين الاستفزاز والبلاهة، وقال: هل تؤمن بجدوى تطبيق الديمقراطية على الشعوب العربية المتخلفة؟ (هو الذي استخدم لفظ المتخلفة… لا أنا!)


من أسهل الأشياء في الوطن العربي أن تسب الشعب كله جملة واحدة، ولكن من الصعب أن تقترب بكلمة فيها شبهة نقد (لا سب) إذا كانت هذه الكلمة موجهة نحو الحاكم.


المهم… أجبت السائل وأنا ألبس وجهي المبتسم (محاولا أن أتقمص شخصية المحايد): السبب في تخلف الشعوب هو الاستبداد، والعلاج يكون بالديمقراطية!


لم يقتنع… ولم يهتز اقتناعي بصحة ودقة جوابي!

يظن البعض أن الديمقراطية تكون بعد التقدم، وهذا خطأ، لأن الديمقراطية هي بداية التقدم.


إن السؤال السابق يشبه سؤالنا: هل يجدي أن تعلم شخصاً جاهلاً؟
أو: هل يجدي أن تعالج شخصا مريضاً؟


إنها أسئلة مضحكة، فالتعليم لابد أن يكون من أجل رفع الجهل، والعلاج لابد أن يكون مع شخص مريض، وكذلك الديمقراطية.


ولكن الفذلكة الحكومية العربية لا تتورع عن أن تحاول خلط الأمور الواضحة، وأن تعرف الماء – بعد الجهد – بالماء.!


سيسترسل البعض في اعتراضاتهم التي تقع في منطقة وسطى بين (العبط) و(الاستعباط): هذه الشعوب لا يمكن حكمها إلا بالكرباج!


والحقيقة أن الكرباج لم يستطع – حتى الآن على الأقل – حل أزمة، إنه يؤجلها، بل يزيدها تأزماً، لا أكثر، وقضية فلسطين خير مثال على ذلك، فالكرباج الصهيو أمريكي ما زال يسلخ ظهر القضية، وما زالت بقية أعضاء الجسد ترفض الخضوع لحكم الكرباج.


وكرباج القمع والاستبداد ما زال ينهش لحم الشعوب العربية، وفي الوقت نفسه ما زالت هنالك حركات تحرر وطنية تقاوم الاستبداد رغم كل ما تلاقيه من تعنت.

\” من طالت عصاه، قلــت هيبته \” مقولة صادقة، تقع في منطقة وسطى بين الحق الدامغ، والحقيقة المطلقة، لكن البعض ما زال يصر على رؤية الكون كله من ثقب باب الزنزانة، فتصبح الحياة كلها سواداً في سواد، وإذا نطق شخص بالحق وقال: \”إن فتح باب الزنزانة ممكن\”، ترى آلاف المنظريين يتطوعون بردود غارقة في مستنقع من الشكوك، ولكنهم يتحدثون وكأنهم يسبحون في بحر اليقين الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.

إن العنف لا يُولــد إلا العنف، ونهاية العنف لا تكون إلا بوقفة مصارحة ولحظة مصالحة، يعترف فيها الجميع بأن بداية الطريق تكون بإعطاء الفرصة للناس بأن يختاروا ما يريدون، وأن يتحملوا مسؤولية ما اختاروه.


والحكومات العربية (أغلبها) قد لجأت للعنف في التعامل مع مطالبات الشعوب بالديمقراطية، ولا حل إلا بالتراجع عن هذا الأسلوب.

أما الإصرار على أن الحل هو أن تسير شعوب بكاملها خلف رؤية شخص أو مجموعة أشخاص لمدة عشرات السنين دون مراجعة أو مراقبة أو محاسبة أو معاقبة، ودون الحق في إبداء أي اعتراض، فهذا أمر يقع في منطقة وسطى بين الكذب والنفاق، وعاقبة هذا الشيء (أيا كان اسمه) احتقار الناس في الواقع، والخزي في صفحات التاريخ، وتأجيل كل جميل في المستقبل.!

قد يظن البعض أن شعوبنا لا تصلح لتطبيق الديمقراطية، ولكني أزعم أن العكس هو الصحيح، وأن المشكلة في الحكومات التي لا تستطيع تحمل عواقب تطبيق الديمقراطية، وأن شعوبنا الراسخة في الأصالة سوف تستطيع أن تدير أمورها، مهما كانت \”صدمة الحرية\” في البداية، فإن أهل النهى في الشعوب العربية سيؤول لهم الأمر بسبب كفاءاتهم، وهذا ما سيجعل من المستحيل أن نتستر على حماقات المسؤولين أو جرائمهم لعشرات السنين، أو أن نجدد البيعة إلى أبد الآبدين لكل من يتمكن من الوصول إلى كرسي الحكم بضربة حظ… أو بضربة كرباج.!


والله الموفق… 

المقال السابق

مواطن صالح في دولة المخبرين!

المقال التالي

المعتدلون

منشورات ذات صلة
Total
0
Share