غسل الأموال وغسل الحكام

المقال منشور بموقع مصر العربية بتاريخ 2-4-2014 م

تبييض الأموال أو غسل الأموال هو باختصار عملية تحويل الأموال المتحصلة من أنشطة غير مشروعة إلى ثروات مشروعة، وإدماجها في النظام الاقتصادي القانوني.

أنشطة مثل زراعة وتصنيع وتجارة المخدرات، أو الدعارة، أو السرقة والاختلاس، أو النصب، أو تهريب الآثار، أو الاستيلاء على المال العام، وغيرها … تدر أرباحا ضخمة، بحيث يصبح حائزها مطالبا بتفسير مصدر هذه الثروة.

يقوم حائز هذا المال (الحرام) بعملية تبييض أو غسل لهذه الأموال، ويقوم المتخصصون بعمليات كثيرة، وتحويلات معقدة، وبعملات متعددة، من خلال حركة تنقلات كبيرة في دول مختلفة، وربما بشراء أصول ثم بيعها، كل ذلك من أجل وضع طبقات وطبقات فوق المصدر الذي جاءت منه هذه الأموال.
وبعد أن تمر هذه الثروات بمرحلة التمويه تصل إلى المرحلة النهائية، وهي الإدماج، فتصبح هذه الثروة جزء من النظام المالي الشرعي القانوني، ويتمكن اللص من التعامل بها والتمتع بمزاياها.

ترى هذا الثري مثلا يقوم بإنشاء مجموعة من الشركات في أنشطة مختلفة، وهو لا علاقة له بهذه الأنشطة، فتراه يفتتح مجموعة محلات ملابس، ويقوم بعمليات استثمار في البورصة، ويشتري أراضي وعقارات، ثم يحاول أن يزور تواريخ الصفقات بحيث يظهر أنه يحوز هذه الثروة منذ زمن قديم، وهو خلال ذلك يدفع أكثر مما ينبغي في كل الصفقات، فإذا كان مشروع الملابس يكلف خمسة ملايين مثلا، تراه يدفع فيه عشرة ملايين، لأن الهدف من المشروع ليس ربحيا، بل الهدف هو تبرير مئات الملايين التي في خزانته من المخدرات أو الدعارة أو تجارة الآثار …الخ !

عملية الغسل أو التبييض هذه تحدث في مجالات أخرى غير الاقتصاد، فكثيرا ما تحدث في عالم السياسة، فترى من يصل للحكم بانقلاب عسكري يبذل كل ما يستطيع لكي يقوم بتبييض جريمته لكي يتمكن من ممارسة السلطة محليا ودوليا، ولكي يستمتع بمميزات السلطة التي خطفها بقوة السلاح.

من يأتي إلى السلطة بانقلاب عسكري يصبح مثل تاجر مخدرات أو مدير شبكة دعارة، أو مهرب آثار، أو مورِّد سلاح من أغنياء الحروب، كل هؤلاء تمكنوا من جمع ثروة ضخمة، ولكنهم لا يستطيعون أن يواجهوا المجتمع بها، فالناس تعرف مصدر هذه الثروة، لذلك ترى الواحد منهم يقوم ببعض التمثيليات، ويعاونه عليها أناس متخصصون، إنها عملية تبييض أو غسل الأموال التي شرحناها.

في عالم السياسة يحتاج من قام بانقلاب إلى عملية تبييض، فنراه يتخذ عشرات الإجراءات، وعشرات التمثيليات الديمقراطية، لكي يصل إلى مرحلة الدمج، بحيث يبدو المنتج النهائي رئيسا منتخبا بشكل ديمقراطي، وبرلمانا جاء بالصندوق، ودستورا مر بعملية استفتاء، والجميع يعرف أن أصل الموضوع (مخدرات، أو دعارة، أو آثار، أو سلاح …الخ).

في عالم السياسة يتم تبييض الانقلاب من خلال صناديق الانتخابات !

لذلك تعتبر المشاركة في مثل هذه الثمثيليات مساعدة للباطل، أي كأننا نعاون تاجر مخدرات أو عصابة دعارة أو مهرب آثار، أو تاجر سلاح في أعماله الحقيرة.
لا يجد مغتصب السلطة السياسية حلا لكي يصل إلى مرحلة \”الشرعية\” إلا بإجراء استفتاء وهمي، أو انتخابات مطبوخة، ومن يشارك في هذه المسرحيات يتآمر على نفسه، وعلى مستقبله ومستقبل أولاده، خصوصا إذا كانت هناك حلول أخرى.

سيقول قائل : ولكن هناك ملايين من البشر تتعامل مع هذا النظام على أنه نظام شرعي، وهذا صحيح، ولكن ذلك وضع مؤقت، لأن إثبات عملية الغسل والتبييض مسألة وقت، ولا بد أن نلاحظ أن كثيرا من الناس على استعداد للتعامل واحترام أصحاب الثروات الحرام حتى قبل أن يقوموا بعملية الغسل والتبييض، وبالتالي الاحتجاج بأن الناس تتعامل وتتسامح مع السرقة لن يحولها لعمل مشروع.

أصحاب هذه الثروات تراهم يحجون، ويعتمرون، ويتصدقون، ويذبحون الذبائح.

تراهم يتبرعون بملايين، يبنون المساجد، يطبعون المصاحف، يقيمون الموائد الرمضانية، يعالجون مرضى الفشل الكلوي، حتى يقول عنهم الجهلة إنهم من أهل البر والتقوى…!

ومن الممكن في المجال السياسي أن ترى من اغتصب السلطة يتغنى بالوطن، ويعد بأنه سيصبح قدَّ الدنيا، وأن يكتب ألف قصيدة في الثورة، وأن يمنح الشهداء والمصابين وذويهم العطايا، وأن يبكي أمام الجماهير من فرط تأثره، فالناس هم نور عينيه …!

في النهاية … سيبقى الأول لصا، مهما فعل، وسيظل الثاني مجرما قاتلا مغتصبا مهما تظاهر بالزعامة.

في الأوقات الصعبة تصبح مواجهة الناس بهذه الحقائق صعبة، وسيقولون عنك إنك حاقد، خائن، متكبر، عميل، أحمق، جاهل …الخ

ولكن تأتي بعد ذلك بقليل لحظة يتضح فيها للجميع أنك كنت على حق، وأنك قد قلت كلمة الحق، ولا شيء سوى الحق.

سيقول لي ألف قارئ الآن : وما البديل؟

والرد بسيط : البديل هو إسقاط أي نظام فاشي غاصب، البديل هو أن ننفخ في بيت العنكبوت، البديل أن تظل عزلتهم داخليا وخارجيا وسوف يسقطون كجملة اعتراضية تافهة في التاريخ.

نعم … سيسقط هذا الانقلاب … قريبا … وبسهولة سنتعجب منها !

لا بديل سوى ترشيد حراك الشارع، لكي يظل مستمرا، ولكي يظل سلميا، لكي نصل في النهاية إلى دولة مدنية تحترم شعبها الواحد، وأن نتغلب على كل أسباب الفرقة، وعلى كل دعوات العنصرية التي تقسم المصريين إلى شعبين.

قبل أن أختم لا بد أن أنوه بأن نهاية غالبية هذه الثروات الحرام تكون مأساوية، ودائما تنتهي بخراب ودمار حياة من سرقها ونسله من بعده، هو ومن سهل له عملية التبييض، وهذا ما سوف يحدث قريبا بإذن الله، في عالم الاقتصاد، وفي عالم السياسة أيضا.

ملحوظة : الهاشتاج اياه … دليل على أن ملايين المصريين يعرفون أصول الأشياء، ولن تجدي سائر عمليات الغسل والتبييض.

أما من يحدثك عن الأدب والأخلاق فقل له إن جدودك قد سبقوك حين سألوا الحسن البصري عن دم البعوض، وقد سفكوا دم الحسين عليه السلام.
كفاكم ورعا كاذبا!

عاشت مصر للمصريين وبالمصريين …
 

للتعليق على المقال في موقع مصر العربية

المقال السابق

خبر سعيد غير مهم!

المقال التالي

أردوغان التركي وأردوغان المصري

منشورات ذات صلة
Total
0
Share