تحيا مصر؟ أم يحيا \”سيسي\”؟

المقال منشور بموقع مصر العربية بتاريخ 11-2-2015 م

في الأنظمة العسكرية الاستبدادية المتخلفة يمكنك أن تعرف نوايا النظام ومشاكله وأزماته من شعاراته، فإذا رأيت النظام يرفع شعار \”الأخلاق الحميدة\”، فاعلم أن الأخلاق قد أصبحت في الحضيض، وإذا رأيته يرفع شعار \”طهارة اليد\” فاعلم أن السرقة قد بلغت عنان السماء، وإذا رأيته يرفع شعار \”الاستقلال الوطني\” فاعلم أن البلد تعيش عهد التبعية للخارج، وإذا رأيته يرفع شعار \”التصنيع المحلي\” فاعلم أنه نظام يعيش على الاستيراد … وهكذا، ستجد أنظمة العسكر تحل مشاكلها، وتداري عوراتها برفع شعارات جوفاء هي أبعد ما تكون عنها !

لذلك لم أستبشر خيرا حين رفع السيد عبدالفتاح \”سيسي\” شعاره الفارغ من المضمون (تحيا مصر) !

أحاول منذ ذلك الوقت أن أفهم ما معنى (تحيا مصر)؟

هل يعني أن مصر على قيد الحياة؟

إنها على قيد الحياة منذ ستين عاما، كلما نظرنا لها رأيناها وكأنها تلفظ أنفاسها الأخيرة، ولكنها ما زالت على قيد الحياة !

هل سيحرمها السيد \”سيسي\” من هذه الحياة؟

حياة مصر بدأت منذ آلاف السنين، وسوف تستمر بحول الله إلى ما بعد \”سيسي\” وزمرته وأتباعه وقواديه ومريديه.

هل يعني بكلمة (تحيا مصر) أن المصريين سيظلون على قيد الحياة؟

هل يقصد أن أسباب الحياة ستصبح أكثر؟ أسهل؟ أجمل؟

مع مرور الوقت … تأكد لي بما لا يدع مجالا للشك أن نظريتي التي افتتحت بها هذه المقالة تنطبق على \”سيسي\” بشكل كامل مكتمل، لقد رفع شعار (تحيا مصر) لأن مشروعه هو القتل.

وكما يتحدث العاجز جنسيا عن غزواته في الفراش، أو الكحيان عن طرق إنفاق الثروات، أو \”الكفتجي\” عن جهاز علاج الإيدز، أو الفاجر عن التقوى، أو العسكري عن الديمقراطية وحرية الرأي … نرى \”سيسي\” يرفع شعار (تحيا مصر) … القاتل يتحدث عن الحياة !

لم يسقط في مصر قتلى بهذا العدد، وبهذه السهولة، وبذلك الاحتقار … مثلما حدث في عهد \”سيسي\”.

ستقول لي \”ماذنبه\”؟

وما ذنب من كان قبله ممن عزلوا وخلعوا؟؟؟

ذنبهم أنهم كانوا في موقع المسؤولية … تماما مثل \”سيسي\” !

يموت الملك الفلاني … فيَحْتَدُّ النظام الانقلابي المصري عِدَّةَ امرأة توفي عنها زوجها، وهي في قرارة نفسها لا هم لها سوى النفقة والميراث، فلا تلبث تلك اللعوب أن تتزين للخطاب القادمين من روسيا، وأثناء الزيارة الروسية يقتل النظام المنحط أبنائنا مع سبق الإصرار والترصد، مجزرة مصنوعة خصيصا للإلهاء عن الزيارة، وعن التسريبات، وعن وعن … وله فيها مآرب آخرى !

والسيد \”سيسي\” يستمتع بعرض \”الباليه\” مع الرجل الذي \”يرافق\” النظام على سنة الانقلاب وشياطينه، وعلى مذهب الإمام ميكافيللي.

الدموع والحسرة في عيون وقلوب ملايين المصريين، ولكن \”سيسي\” يشاهد عرض \”الباليه\”، وشر \”البلية\” ما يُضحك ويُبكي ويُغضب، والله \”بالينا\” بمن ينشغل بعرض \”باليه\” بما بلانا به هو وهامانه وجنودهما، والبلا حل علينا، و\”الباليه\” حل على \”سيسي\” وضيف النظام \”الدكر\”، ويظهر \”سيسي\” سعيدا مبتسما مع \”الرفيق\”، ولا شريطة سوداء تزين الشاشة، ولا ربطة عنق سوداء تلتف حول رقبته، بل هو اللون الأحمر، وللون الأحمر في حفلات \”الباليه\” وسهرات الليل مدلول، وللون الأحمر الملتف حول الرقبة مدلولات ومدلولات عند الثوار.

القتل ثم القتل ثم القتل، ولكن ذلك لم يُجْدِ، ولم يُثبِّتْ \”سيسي\” على الكرسي، إذن لا بد من مزيد من القَتَلَةِ لكي يصبح طوفان القتل أكبر من أن يقاومه أحد، فتراه يطالب الشعب بقتل الشعب، فهو لا يستطيع أن يغل يد الناس عن الثأر لشهداء الشرطة والجيش، (احنا شعب \”سيسي\” القاتل … وأنتم شعب مقتول مقتول) !

الشباب يُقْتَلُ في التظاهرات السياسية، (إيه اللي وداهم هناك؟؟؟)، ولكن الشباب يُقْتَلُ في مدرجات الجامعة أيضا، وما (وَدَّاهُمْ) هناك هو طلب العلم !!

و يُقْتَلُ الشباب في المباريات الرياضية، وفي القطارات، والسيارات … الخ

ويُقْتَلُ الشباب أثناء خدمة العلم، ويُقْتَلُ الشباب في المدارس بعملية تعليمية عقيمة، ويُقْتَلُ الشباب بعد تخرجه بالبطالة، ويُقْتَلُ الشباب (الفقراء) باستخدامهم كعبيد عند أسيادهم (الأغنياء) دون أي حقوق أو حد أدنى للراتب أو للكرامة، ويُقْتَلُ الشباب بالسرطان، وبالغرق في زوارق من ورق للهروب إلى أي بلد سوى مصر، وبالحرق في الميادين، وبالرصاص الحي في المليان، وبالاغتيال المعنوي على الشاشات، ويُقْتَلُ المصري إذا قال \”هذا ظلم\”، ويُقْتَلُ أيضا إذا نهق قائلا \”تسلم الأيادي\”، ويُقْتَلُ المصري إذا رفع صوته قائلا \”ارحل يا ****\” بتهمة سب الذات العليا، ويُقْتَلُ كل شاب لم يشتر تذكرة دخول لملعب من ملاعب القوات المسلحة بسلاح الشرطة، حتى إذا كان دخول المباراة مجانا، ويُقْتَلُ أيضا إذا حصل على تذكرة دخول، كما حدث لشباب الألتراس في عام 2012 في بورسعيد !!!

الآن تأكدت، وبعد كل هذا القتل مع سبق الإصرار والترصد، وبعد كل هذه الأنهار من الدم، وبعد كل هذه المجازر المعدة، المرتبة، المجهزة … ما معنى شعار السيد عبدالفتاح \”سيسي\” (تحيا مصر) !

إنه شعار قتل المصريين … ليحيا \”سيسي\” رئيسا …!

إنه شعار الحرب الأهلية … ليبقى \”سيسي\” رئيسا …!

إنه شعار الفناء للأمة … ليظل \”سيسي\” جاثما على العرش !

أقول بكل ثقة … إن الدولة التي يرزقها الله بشباب مثل هؤلاء، وبجيل عظيم مثل جيل يناير، ثم تطلق عليهم الرصاص … لا يمكن أن يكون على رأسها إلا مجموعة من العملاء الخونة !!!

مصر قد حباها الله جيلا عظيما، جيلا يمثل أغلبية عددية سكانية، ويمثل أملا وحيدا في المستقبل بعد ستين عاما من حكم المتردية والنطيحة، وهذا الجيل العظيم في طريقه لتأسيس جمهورية يناير، بعد أن يزيل \”تكيّة\” انقلاب يوليو … يوليو (1952) أو يوليو (2013)، لا فرق … كل هذه الانقلابات العسكرية إلى زوال قريبا بإذن الله.

عاشت مصر للمصريين وبالمصريين …

للتعليق على المقال بموقع مصر العربية 

المقال السابق

معرض القرضاوي (معرض القاهرة للكتاب) سابقا!

المقال التالي

خمس بقرات مقدسات

منشورات ذات صلة
Total
0
Share