( المقال منشور بجريدة الشرق القطرية عدد الأربعاء 31/3/2010 م )
كتابة عامود أسبوعي بالنسبة للخارجين جهراً عن معظم القوانين التي يلتزم بها معظم البشر جهراً ويكسرونها سراً … أمر جلل …!
ولولا ود قديم يربطني بأخي رئيس التحرير ا. جابر الحرمي لما تجرأت على هذا الالتزام الذي أراه أشبه بالزواج ، فلا هو يمنحك السعادة ، ولا هو يترك لك فرصة البحث عنها !
ليست المشكلة في مقالة أسبوعية أن يجد الكاتب موضوعاً يكتب فيه ، بل المشكلة أن يجد نفسه مجبراً على تسليم المقالة في موعد معين ، وهذه مشكلة تبرز عند الذين يكتبون بنفس طريقتي في الكتابة ، طريقة الهواة المستهترين ، طريقة اكتب وليذهب الناشرون إلى الجحيم ، طريقة اكتب ما تشعر به ولا تعبأ بمن سيقرأ مستحسنا أو مستهجنا …!
تعودت أن أكتبَ ما أشاء ، وقتما أشاء ، مثلما أشاء ، حينما أشاء ، كيفما أشاء … ثم أفكر بعد ذلك كما أشاء هل أنشر ما كتبته أم أرميه في درج مظلم مليء بالأشعار والخواطر والمقالات والسيناريوهات …إلخ
الكتابة – عند البعض – عمل ، وهي – عند آخرين – أسلوب حياة !
حين تكون الكتابة عملاً يصبح لها ضوابط وقوانين ، ويصبح فيها واجبات ومحرمات ، ويصبح لها التزامات ومواعيد ، أي أنها تصبح وظيفة ، لها حضور … وانصراف ، ولها ثواب … وعقاب …!
أما الكتابة كأسلوب حياة فهي أمر يحكمه النزق أكثر مما تحكمه القوانين ، يحكمه الهوى أكثر مما يحكمه المنطق ، الكتابة في هذه الحالة هدف في حد ذاته ، بل تكاد تكون هدف الحياة الأعظم ، ولحظة الكتابة هي اللحظة الفارقة الحاسمة التي تتأجل كل أولويات الحياة من أجل إفساح الطريق لها … الكتابة هنا تشبه الأكل والشرب والجنس والحب واللعب … متعة لا يمكن تقييدها بضابط أو قانون أو موعد !
إذن … لماذا قبلتُ مثل هذا الإطار الذي ربما قد يفسد اللوحة ؟
أقول : لأنني أحب الرسم !
عندي كلام أحب أن أقوله في شتى مواضيع الحياة ، عندي من وجهات النظر ما أرى وجوباً عليَّ أن أعلنه على مسامع البشر ، عندي من الأفكار ما قد يسعد إنساناً أو يقـَلـِّلُ حزن إنسان ، عندي من الكلام ما قد يسعد تعيساً أو يقـَلـِّلُ من تعاسته!
لست من الذين يراجعون أنفسهم كل يوم ، ولكني أزعم أني أراجع نفسي كل فترة ، وكلما راجعت نفسي في موضوع جدوى الكتابة ، أجد قناعاتي حتى الآن لم تتغير ، بل ازدادت رسوخا ، وكأنها نخلة ما زالت جذورها تنغرس في الأرض…
إنني من الذين يؤمنون بجدوى الكتابة ، وأراها عملا يستحق أن يكرس الإنسان لها عمره ، وأن يترك ملذات الحياة من أجل أن يقوم بها ، وأن الذي يخلص للكتابة يحصل على متعة لا نظير لها في الحياة ، ولا يحصل عليها إلا قلة من البشر ، إنني من الذين يؤمنون أن كل تغيير في الدنيا يبدأ بكلمة مكتوبة ، وأن الكتابة تجسيم اللامرئي ، وتجسيد الحلم ، وهي الوسيلة الوحيدة التي نكتب بها تاريخ المستقبل …!
لست أرى ما أكتبه محطة مهمة ينبغي أن يتوقف عندها قطار التاريخ ، ولكني أرى الكتابة عملاً مقدساً ينبغي أن يقوم به من حكم الله عليهم به مثلي ، وأن يتغلبوا على نزقهم الشخصي في عدم التزامهم بإطار من أجل أن تكتمل اللوحة …
عبدالرحمن يوسف