بيان القاهرة ودعوات الاصطفاف في ذكرى يناير

المقال منشور بموقع مصر العربية بتاريخ 20-12015 م

في الذكرى الرابعة لثورة يناير يقف ملايين المصريين في حيرة بين مسارات متعددة، فنحن أمام نظام جاء بانقلاب عسكري، ارتكب أكبر المجازر في تاريخ مصر الحديث، يكاد يجمع المصريون على فشله، واكتشف غالبية من أيده أنهم قد أكلوا (مقلبا) كبيرا !

الخوف من الشماتة حوَّل ملايين المصريين إلى كائنات لا ترى، ولا تسمع، ولا تتكلم !
 

الخوف من عصا الأمن العائدة لمعاقبة شعب كامل على تطاوله على أسياده حوَّلت كثيرا من الناشطين والسياسيين إلى طبالين في مرقص الدولة !
 

الخوف من كشف المستور حوَّل كثيرا من (الرموز) إلى عبيد لأجهزة التخابر، فسياسات السيطرة المعهودة تذل أعناق الرجال !
 

الشعب المصري يريد مخرجا، والثورة لا بد أن تخلق هذا المخرج، ولا مخرج لمصر إلا باصطفاف ثوري، يجمع طاقات الوطن في صعيد واحد لإسقاط الحكم العسكري، والبدء بمرحلة انتقالية جديدة (على أسس سليمة)، لتصل بعدها مصر إلى تحول ديمقراطي، وانفتاح كامل للحريات، في دولة قانون، لا تفرقة فيها بين الأسياد والعبيد.
 

هذا الاصطفاف الثوري هو ما نادى به بيان القاهرة الذي تشرفت بأن أكون واحدا ممن شاركوا فيه، وكان ذلك في الرابع والعشرين من مايو 2014.
 

إن دعوة بيان القاهرة كانت هي الأعلى صوتا، وما زالت الأقوى أثرا، وما زال الموقعون والمنضمون لبيان القاهرة يعملون من أجل جمع سائر المخلصين للاتفاق على برنامج عملي لتحقيق أهداف ثورة يناير.
 

إن دعوة الاصطفاف التي يدعو لها بيان القاهرة تتميز عن سواها بالآتي :
 

أولا : أنها دعوة من داخل أرض الوطن

ولا بد أن يتأكد الجميع أن الحل سيكون من داخل مصر لا من خارجها.

نحيي سائر الجهود التي يقوم بها معارضو الانقلاب في الخارج، ونثمن جهد كل هؤلاء الشرفاء الذين أجبرتهم آلة القمع على مغادرة الوطن، ولكننا نرى أن دعوة الاصطفاف التي ستجمع الناس ستنطلق لا محالة من الداخل، وسوف يؤيدها بالطبع المخلصون في كل أرجاء الأرض.
 

ثانيا : أنها ليست محسوبة على تيار أو حزب أو جماعة أو فصيل.

نقدر الثوار من سائر الاتجاهات، ولكننا لا نمثل أحدا، ولا نعمل لحساب أحد، ولا نتحيز لأحد، ولا هم لنا سوى تحقيق أهداف ثورة يناير.
 

ثالثا : أنها تعرف حقيقة وجوهر معنى الاصطفاف.

فهي ليست دعوة لمحاصصة في المناصب، وليست دعوة لإلغاء أو فرض رؤية أحد، وليست موجهة لأعداء الثورة، ولا تعترف بشرعية قامت على جثث المصريين.
 

رابعا : أنها تقدر الواقع العملي على الأرض، دون أن تخضع له، وتقدر أحلام الثوار وطموحاتهم، دون أن تغرق فيها.
 

خامسا : أنها دعوة للخلاص من الانقلاب العسكري، ورسم طريق المستقبل عن طريق وضع أسس واضحة للمرحلة الانتقالية، دون إملاء أسماء أو تصورات بعينها على الشعب، لقد تعلمنا أننا يجب أن نولي ثقتنا للأسس والقوانين وليس للأشخاص مهما علا شأنهم، هذه رؤيتنا مع احترامنا الكامل لجميع الأشخاص والرموز.
 

المنضمون لبيان القاهرة أصدروا بيانا هاما في ذكرى ثورة يناير، وأظن أنه من المفيد أن أضعه هنا في مقالتي، فهو موجه لشعب مصر كله، ونسأل الله أن يكتب الخير لهذا الشعب العظيم الذي دفع ثمن الحرية وما زال يدفع، دما، ومالا، وعرقا، وسجنا، وتضييقا في الرزق وحقوق الإنسان …!
 

يقول البيان :
 

(في خضم أحداث جسام تمر بها مصر والمنطقة العربية، وفي ظل تغول للباطل ينبيء باقتراب نهايته، وفي سياق تغييرات جذرية في أفكار الناس ومسلماتهم، تأتي الذكرى الرابعة لثورة يناير لتذكر كل من نسي وتقول له : إن الحقوق لا تضيع ما دام وراءها مطالب، وأن النصر يأتي مع الصبر، وأن جيلا جديدا قد ولد في يوم الخامس والعشرين من يناير 2011، وأن هذا الجيل لن يدخل زنزانة اليأس، ولن يقبل أن يصبح جيل (نكسة) جديد.
 

أربعة أعوام مضت على انطلاق الصرخة الأولى :
 

يا أهالينا انضموا لينا : قبل بلدنا ما تغرق بينا
 

أربعة أعوام مضت، وما زالت حناجر الشباب تهتف (عيش حرية عدالة اجتماعية كرامة إنسانية)
 

أربعة أعوام مضت … سقط فيها آلاف الشهداء من سائر التيارات، وسجن فيها عشرات الآلاف من كل الطبقات، وجرح فيها عشرات الآلاف من جميع محافظات مصر … يجمع هؤلاء جميعا رغبتهم الصادقة في عيش كريم، في دولة لا سيد فيها ولا عبد.
 

تمر بنا هذه الأيام ذكرى الشرارة الأولى في ميدان التحرير في 25 يناير 2011.
 

وتمر بنا ذكرى انضمام الشعب للشباب في جمعة الغضب.
 

وتمر بنا ذكرى صمود الميدان في موقعة الجمل.
 

نتذكر صلواتنا وقداساتنا، وأولادنا يحمون بناتنا، وكبارنا مع صغارنا.
 

نتذكر أرغفتنا التي كفتنا رغم قلتها، وخلافاتنا التي تراجعت رغم حدتها.
 

نتذكر شهداءنا الذين ما زالت دماؤهم في أعناقنا بعد أن برأت قاتليهم يد الظلام، ونتذكر جرحانا بعد أن تنكر لهم اللئام.
 

وبعد ذلك … نتذكر انصرافنا جميعا من الميدان في الحادي عشر من فبراير، وهو الخطأ الأول والأكبر الذي وقعت فيه هذه الثورة العظيمة.


وستمر بنا بعد ذلك ذكريات أعوام أربعة، مرت بحلوها ومرها، وستجد هذه الذكريات بيننا ألسنة لا هم لها إلا إيقاظ الفتنة بين الثوار، وتأجيج الأحقاد بين المواطنين، وإشعال الحروب بين أهل البيت الواحد.
 

إن جميع المنضمين لبيان القاهرة يؤكدون أنهم ما زالوا واقفين في منتصف ميدان التحرير، رافعين راية الاصطفاف الوطني، لصالح الوطن لا لصالح حزب أو جماعة أو تيار.
 

يقفون في منتصف ميدان التحرير أمام جمال الحزب الوطني بعد أن احتلت الميدان، وقتلت الثوار، واعتدت على النساء والأطفال.
 

يقفون في منتصف ميدان التحرير بعد أن برأت المحاكم كل القتلة، وألقت بمن كانوا هنا في الميدان في غياهب السجون.
 

نتوجه لكل عاقل مخلص لهذا الوطن بنداء من القلب : توحدوا ضد الانقلاب العسكري الذي اضطهد الجميع، وقتل الجميع، وشرد الجميع، وصادر أموال الجميع، ولم يحافظ على كرامة أحد في مصر إلا كرامة من قامت ضدهم ثورة يناير.

نقف في منتصف ميدان التحرير لنقول لكل ثوار يناير ولكل أعداء ثورة يناير (الثورة مستمرة) !
 

حمل الراية جيل جديد، تعلم كيف يحمل الجثث قبل أن يحصل على حق التصويت في الانتخابات، وتعلم كيف يعيش في ظلمات السجون دون أن يتعلم كيف يعقد الصفقات، وتعلم كيف يهزم خوفه أمام الدبابة قبل أن يتعلم كيف تشكل الوزارات.

إن المنضمين لبيان القاهرة يقولون بأعلى الصوت إننا لم نكن في يوم من الأيام أقرب لأهدافنا الوطنية منا اليوم، ولكن أجهزة الدولة العميقة تتربص بنا آناء الليل وأطراف النهار.
 

نحيي صمود شعبنا … ونحيي جيلا جديدا يحمل الراية كما يحمل النيل الخير لغيطان مصر …!
 

نرنو إلى الأمام لنرى نور الفجر … ولا ننظر إلى الخلف إلا للاعتبار …!
 

نشد على أيادي سائر الذين سينزلون في هذا اليوم إلى الشوارع، ونقول لهم لا شيء في الدنيا يستطيع أن ينتزع حقكم في قول كلمة لا …!
 

نشد على أيادي سائر الذين يدعون إلى الاصطفاف ونقول لهم وحدوا الجهود، وألفوا القلوب.
 

نتفهم مخاوف الذين يطمحون للاصطفاف نصرةً للثورة ولكنهم يخشون تكرار الأخطاء، ونقول لهم لقد تعلمنا جميعا من كل ما مضى، ولن نسير إلا في طريق واضح يتفق عليه كل مؤمن بالثورة، لا غالب فيه ولا مغلوب من الثوار، ولا منتصر فيه إلا الوطن، ولا مهزوم فيه إلا الثورة المضادة.
 

نبشر الشعب المصري بأن نهاية حقبة الحكم العسكري التي امتدت لستة عقود مظلمة قد أوشكت على الانتهاء إلى الأبد.

عاشت ثورة يناير
 

بيان القاهرة

ستنتصر ثورة يناير بعز عزيز أو بذل ذليل، وكل من يظن أن دبابته أقوى من إرادة الناس، أو أن بندقيته تستطيع أن تهزم جيلا شابا يتطلع للحرية … سيعرف أنه واهم، وسيحاسب على جرائمه كلها، مهما تحصن بالقصور والحراس.

عاشت مصر للمصريين وبالمصريين …

المقال السابق

صفحة من ديوان السَّفَر

المقال التالي

ثورة وثوار وبينهما نظام ساقط !

منشورات ذات صلة
Total
0
Share