( المقال منشور بجريدة الشرق القطرية عدد الأربعاء 4/8/2010 م )
هذه مقالة ستغضب الكثيرين ، فالبعض سيفهمها كدعوة ضد الإيمان ، وأنا من البداية أقول إنها ليست كذلك أبدا ، بل هي دعوة للإيمان بمفهومه الأعمق !
ما هي أَوْلى ثلاثة أشياء بالشك في حياة كل إنسان ؟
وأنا هنا أعني كل إنسان في أي زمان ومكان أيا كانت ديانته ، وأيا كان عنصره .
الإجابة على هذا السؤال – في رأيي – : أَوْلى الأشياء بالشك هي أَوْلى الأشياء بالإيمان !
لابد من اختبار المسلمات عن طريق الشك .
إذن ، ماهي أَوْلى الأشياء بالإيمان ، وبالتالي … أَوْلى الأشياء بالشك ؟
أشياء كثيرة ، وأنا أجتهد وأقول : إن أَوْلى ثلاثة أشياء بالشك هي :
أولاً : الدين . فالإنسان حيوان متدين ، كما عرّفه البعض ، ودين الإنسان لابد أن يأتي بعد اجتهاد ، وأسوأ أنواع التدين هو التدين بالوراثة ، وقد اجتهد علماء العقيدة المسلمون في مسألة (إيمان المقلـِّد) ، والرأي الراجح في هذا الموضوع أن إيمان المقلـِّد لا يقبل .
والمقلـِّد هو المسلم الذي وجد أبويه مسلمين فصار مسلما مؤديا للشعائر ، ولم يفكر في مدى صدق هذا الدين الذي يعتنقه !
وقد عاب الله سبحانه على الكفار تقليدهم لآبائهم وأجدادهم ، قال تعالى:
\” وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون \”
وقال أيضا : \” ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء صم بكم عمي فهم لا يعقلون \”
ثانياً : النسب . وهو أمر بالغ الصعوبة ، أن يشك الإنسان في نسبه !
ولكن الأمر يحتمل طريقتين للفهم ، بمعنى أن يشك الإنسان في حقيقة انتمائه البيولوجي لأبويه ، أو أن يتمرد على هذا الانتماء ، فيرفض أن يكون نسخة من آبائه وأجداده !
ثالثاً : النفس . وكيف يشك الإنسان في نفسه ؟ بأن يراقبها ، ويحاسبها ويعاقبها … إذا اقتضى الأمر !
للنفس دوافع خفية ، فمن يتحرك في الخير لابد أن يتأكد أنه لم يتحرك إلا من أجل الخير ، لا لشهرة أو رياء ، إن جميع تصرفاتنا يتغير معناها وتقييمها إذا ساءت النوايا ، والنوايا قد تخفي على الإنسان نفسه ، لذلك لابد من قليل من الشك لكي يصارح الإنسان نفسه بما في نفسه !
سألني سائل : على أي أساس اعتبرت هذه الأشياء الثلاثة أهم الأشياء وأوْلاها بالإيمان أو الشك !
إجابتي : أنا مؤمن بأن الحياة الإنسانية مجموعة من العلاقات ، وهذه العلاقات هي التي تحدد معنى حياة الإنسان فرداً أو جماعة .
وأهم علاقات الإنسان : علاقته بربه فهو المصدر والمنشأ والخالق الذي أبدع وسوى جل علاه ، وعلاقة الإنسان بربه هي أهم العلاقات ، ومن يغفل هذه العلاقة لا شك تعس في الدنيا والآخرة .
بعد ذلك علاقة الإنسان بآله ، وهذه العلاقة تحدد علاقة الإنسان بكل ما حوله ، بل تحدد علاقته بربه إيضاً ، قال ( صلى الله عليه وسلم ) : \” كل مولود يولد على الفطرة ، فأبواه يهودانه ، أو ينصرانه أو يمجسانه \” وأخيراً … علاقة الإنسان بنفسه . وهذه علاقة خفية ، يغفل عنها كثير من الناس ، ونسيانها يؤدي إلى تدهور خلق الفرد، وأن يستسيغ الخطأ ، فالإنسان الذي لا يراجع نفسه ولا يحاسبها لا شك ذاهب إلى شر !
إن الشك في هذه الأمور صعب ، ولكن نتيجته ( إذا كان الشك شكاً علمياً صادقاً عميقاً ) تكون خيراً ، فبهذا الشك تنصلح علاقة الفرد بخالقة ، ويتوافق مع تاريخه ومستقبله ، فيصبح نفسه بدلاً من أن يكون نسخة مشوهة من الآخرين ، ويحترم نفسه ويحميها من الغرور المهلك أو من الإحباط المميت.