الشعر والموهبة والدراسة ..!

( منشور بجريدة الشرق القطرية عدد الأربعاء 28/7/2010 م ) 

يعتقد البعض أن الشعر موهبة من الله، يهبها من يشاء، وبعد ذلك ينطلق صاحب هذه الموهبة يحلق كما يشاء!

وهذا- للأسف- غير صحيح !

ليس معنى ذلك أن الشعر ليس موهبة، ولكنه ليس موهبة فقط، بل هو مجموعة من العوامل المركبة التي تتجمع في شخص ما لتصنع منه شاعرا.


إذن.. من هو الشاعر؟

هذا يجرنا إلى سؤال آخر: ما هو الشعر؟

لو أجبنا عن السؤال الأول بأن الشعر كلام موزون مقفى يدل على معنى، سيصبح تعريف الشاعر بأنه ذلك الذي يكتب كلاما سليما من الناحية اللغوية، ملتزما ببحور الخليل، بغض النظر عن اقتراب ما يكتبه من التعبير عن ما في داخل الإنسان، وبغض النظر عن كم المشاعر الذي تحمله القصيدة، وهذا- في رأيي- تعريف سطحي ساذج للشعر، لا ينبغي أن نستسلم له.


وبرغم تحيزي للشعر الكلاسيكي الأصيل، إلا أنني لا أستطيع أن أوافق بعض القدماء على هذا المعنى (الشكلي) للشعر، فالشعر أعمق من أن يكون وزنا وقافية، والقصيدة أكبر من أن تكون نظما في غرض يؤدي إلى معنى ما، فالمعاني- كما قال الجاحظ- مطروحة في الطريق، وإنما الشعر صياغة وضرب من التصوير!


وبالتالي.. إذا عرفنا الشعر بتعريف أعمق قليلا، بحيث يصبح الشعر ذلك النيزك الذي يرتطم ببعض البشر بشكل دوري، مما يؤدي إلى تفتت قلوبهم في شكل شظايا من الكلمات التي تلتزم بضابط الإيقاع والإحساس، حينها يصبح تعريف الشاعر تعريفا آخر.


مثلا: الشاعر هو ذلك الإنسان الذي يقيم في قصر الشعر، ويفرش للشعر البسط الحمراء صباح مساء، ويعد له الوجبات الثلاث، ويظل منتظرا للقصيدة التي تأتي أحيانا، ولا تأتي غالبا!

وهو من أجل ذلك يحب ما لا يحبه غالبية الناس، كالوحدة والتأمل والخلوة.. الخ
ويكره ما لا يكرهه غالبية الناس مثل الضجيج والمناسبات الاجتماعية.. الخ
ويزهد في كثير مما يتكالب عليه الناس، ويقبل على كثير مما يزهد فيه الناس.. الخ

فهو يعيش من أجل الشعر، ويسخر كل ثقافته وانفعالاته للقصيدة، بحيث يكون جاهزا للحظة الارتطام الشعري الذي ذكرناه في تعريف الشعر.

إذن.. الموهبة قارب، والثقافة والدراسة شراع.


ويظن البعض أن الشعر مرادف للشعور، وهذا أيضا خطأ، ولو كان هذا صحيحا لكان أغلب الناس شعراء، ذلك أن غالبية البشر قد مروا بتجربة كتابة شيء ما في لحظات الضيق، وهذه النصوص تكون محملة بمشاعر صادقة، بل شديدة الصدق، ولكن لا ينطبق عليها الشروط الفنية اللازمة للنص الشعري، وهذا هو الفارق بين الفنان والإنسان، الفنان ينتج أشياء تصلح للتعميم، أما الإنسان فإنه يكتب تجربته الشخصية الخاصة، التي يشعر بها هو، ولا يراعي الشروط الفنية التي تجعل العمل صالحا للتعميم.

للأسف.. يظن غالبية الشباب أن الشعر موهبة، وشعور، وينسون أنهم لا بد أن يسيروا في طريق طويل لكي يصقلوا ثقافاتهم، ولكي يصلوا إلى لغتهم الشعرية الخاصة وذلك بالتدريب والتجريب.
نرى يوميا (في الصحف وفي الإنترنت) نصوصا شعرية من شباب نابه، مليئة بمشاعر إنسانية جميلة، ولكن تنقصها اللغة السليمة، وتنقصها الثقافة الواعية.

ما يحزنني أن غالبية هؤلاء الشباب لا يصدقون ضرورة صقل الموهبة بالدراسة، وبالتالي يستمرون في السير بنفس الأسلوب، مما يسطح تجربتهم، ويحرم الوطن من مواهبهم التي لم تصقل.

المقال السابق

موضوع مهم

المقال التالي

أَوْلى الأشياء بالشك ...!

منشورات ذات صلة
Total
0
Share