الساعة البيولوجية الرمضانية …!

( منشور بجريدة الشرق القطرية عدد الخميس 12/8/2010 م )

كل عام وأنتم بخير … اليوم أول أيام رمضان ، وسيجد القارئ غالبية المقالات والأعمدة الصحفية تتحدث عن فضل شهر الصوم ، وعن فوائد الصوم ، وعن شوق المسلمين في شتى بقاع الأرض لهذا الشهر الكريم ، وعن مسرحية تحديد موعد بدء شهر رمضان التي نتابعها كل عام في أول الشهر وآخره ، لذلك من الصعب على كاتب أن يكتب في هذا الموضوع شيئا غير ممل ، فضلا عن أن يكون جديدا ، ناهيك عن أن يكون ممتعا …! 


ولكني سأحاول أن أخوض هذه اللجة ، وأن أكتب في هذا الموضوع ، لا لأي شيء سوى استجابة لرغبة داخلية في أن أكتب في هذا الموضوع . 


أشعر دائما أن هناك ساعة بيولوجية داخل العرب والمسلمين تعمل في شهر رمضان فقط ! فهناك الساعة البيولوجية التي خلقها الله في داخلنا ، وهذه تعمل طوال السنة ، ولكن في رمضان ، هناك ساعة أخرى تبدأ بالعمل مع انطلاق أول أيامه ، وتنهي عملها مع أذان المغرب في اليوم الأخير من رمضان . 


أنا لا أتحدث هنا عن الصوم ، بل أتحدث عن تعاملنا مع الوقت في شهر رمضان ، نحن نشعر بالوقت بشكل مختلف في هذا الشهر ، فنرى حركة الشمس من شروق وظهيرة وغروب بشكل مختلف . 


لا أدري ما هو السبب الذي يجعلنا نتعامل مع الظواهر الطبيعية بشكل آخر ، ولكني أعتقد أن تمحور نشاطاتنا حول الإفطار يجعلنا نغير نظرتنا لكل المفردات الزمنية لليوم ، بحيث يتغير استقبالنا لمشهد الشروق والغروب ، ويتغير تعاملنا مع الليل والنهار ، ولعل ذلك يعود إلى سببين : الأول : نفسي والثاني : عضويأما السبب النفسي ، فهو المتعلق بأن نفسياتنا يتم شحنها لتستقبل كل مفردات الحياة بشكل مختلف من خلال الطقوس ، ومن خلال الجو العام الذي يلف رمضان ، ومن خلال جدول الحياة اليومي في الشهر الكريم . 


أما السبب العضوي : فأنا أعتقد – وهذا على مسؤوليتي الشخصية – أن الإنسان تتغير نظرته للحياة إذا صام ! هناك فرق بين الشخص وهو صائم ، وبين نفس الشخص وهو مفطر ! 

ليس معنى ذلك أن الإنسان يتغير جوهره ، ولكن أعني أن الإنسان هو حاصل جمع الروح والجسد ، مع أخذ عنصري الزمان والمكان في الاعتبار ، فالإنسان روح وجسد يتفاعلان مع الزمان والمكان ، ولهذا نرى خصائص لشعوب بعينها تعيش في الجبال ، وأخرى تعيش في الغابات ، وأخرى في الصحاري ، و كذلك هناك فروق بين الأجيال المتعاقبة في نفس الأماكن . 


خلاصة القول إن نظرتنا للأشياء تتغير مع فراغ المعدة وامتلائها ، ومع تغير جدول النوم والاستيقاظ ، ومع تغير نوع الأطعمة وكمياتها ، ومع تغير نوع الرحمات والروحانيات المتوقعة في هذا الشهر . 


لهذا نجد الأشخاص الذين لا يصومون رمضان ، ولا يحترمون طقوسه عاجزين عن فهم هذا الشهر ، وعاجزين عن التفاعل معه . 


وأنا هنا أنبه على مسألة عدم الصوم ، وكذلك مسألة عدم احترام الطقوس الرمضانية ، لأن هناك من إخوتنا المسيحيين في البلدان العربية من لا يصوم ، ولكنه يحترم طقوس رمضان ، فتراه يمسك أغلب فترات النهار احتراما للجو العام ، هؤلاء تراهم يفهمون ويشعرون بجو رمضان ، ويشعرون بفرحة في عيد الفطر ، وهذا أمر أوضح من أن يوضح ، وقد شاهدته بنفسي مع عشرات الأصدقاء من غير المسلمين .


للأسف … هناك من المسلمين من يسافر طوال الشهر الكريم إلى بعض البلدان الأوروبية أو غيرها ، لكي يعفي نفسه من الصوم ، وهذا النوع من الناس لا يمكن أن تشتغل ساعته البيولوجية الرمضانية أبدا ، لأنه قد حرم نفسه من تذوق هذا الشهر من المنظور الذي تحدثت عنه . 

في النهاية أسأل الله أن يتقبل صيامنا ، وأن يجعل هذا الشهر شهر بركة على الأمة العربية كلها ، لكي يتغير حالها من العبودية إلى الحرية …آمين !     


عبدالرحمن يوسف

المقال السابق

أَوْلى الأشياء بالشك ...!

المقال التالي

مسكنات الألم ...!

منشورات ذات صلة
Total
0
Share