(( المقال منشور بجريدة \” صوت الأمة \” عدد السبت 17/10/2009 م ))
من أشد ما يغيظني في الدول العربية (وخصوصا مصرنا الحبيبة) الإجراءات الأمنية التي نراها في كل وقت و في كل مناسبة في شتى الأماكن !
أسوأ ما في هذه الإجراءات \”الأمنية\” أنها لا تنتج أمنا ، بل أحيانا ينتج عنها الفزع ، ناهيك عن إهانة الناس أثناء تفتيشهم …!
أحيانا لا أستطيع تفسير هذه الإجراءات ، إذ قد يصل درجة غباء هذه الإجراءات إلى حدود الغباء المطلق ، فهي إجراءات (و السلام) … و لا أمن من ورائها بأي حال من الأحوال …!
ما زلت أذكر أنني في مرة كنت داخل أحد الفنادق ، فرنّ جهاز كشف المعادن بسبب تليفوني المحمول الموضوع في سترتي ، فقال لي الضابط : \”معاك حاجه معدن\”
أجبته : \”الناس معادن يا باشا\” …!
فضحك و سمح لي بالمرور ، دون أن يرى ما معي هل هو هاتف أم مدفع …؟!
مرة أخرى كنت أحاول دخول أحد الفنادق ، وكانت الإجراءات الأمنية في غاية التشدد ، إذ كان ذلك بعد تفجيرات طابا و شرم الشيخ ، و حينها طلب مني الضابط \”قائمة\” من الطلبات لكي تدخل سيارتي \”جنة\” موقف سيارات الفندق ، يريد رخصتي و رخصة السيارة ، إثبات شخصية … الخ … وحين رفضت بدأ برفع صوته مدافعا عن قداسة الإجراءات ، وقال : \”هذه الإجراءات لسلامتكم\” …!
حينها – لم أتمالك نفسي – فنزلت من سيارتي وقلت له : \”لماذا تأخذ الأمر بهذه الجدية ؟ أي سلامة تتحدث عنها يا \”باشا\”؟ هذه الإجراءات ليست لسلامتنا بالمرة ، لقد تركتم المصريين ينزفون في مكان الحادث وحملتم الإسرائيليين بالإسعاف الطائر … أتصدق نفسك … ؟
لو انفجرت قنبلة هنا ستتركوننا نموت و ستنتشلون الإسرائيليين ثم الأجانب …\”!
فسكت الرجل بشكل استغربت له … وقال لي بصوت خفيض : \”كلامك سليم ، اعذرني يا أستاذ … الإجراءات شديدة هذه الأيام و لا استثناء فيها\” !!!
و لا زلت حتى يومنا هذا أتجنب دخول الفنادق قدر استطاعتي لكي لا أحتك بأي أحد بسبب الإجراءات الأمنية …!
في مرة من المرات حدث حريق في أحد المولات ، ونتج عن ذلك حالة فزع كبيرة داخل هذا المجمع التجاري ، كان مدخل المجمع ضخما جدا ، ولكن الإجراءات الأمنية اقتضت أن تضع الشرطة حواجز حديدية تحدد الدخول و الخروج في مساحة متر واحد ، رغم أن المدخل عرضه حوالي ثلاثين مترا …!
هذه الحواجز كانت مسؤولة عن إصابات مؤسفة ، و يقول البعض إنها كانت مسؤولة عن وفيات بسبب التدافع …!
لست ضد الإجراءات الأمنية أبدا ، ولكن هذه الإجراءات الأمنية لا بد أن تنعكس في شكل أمن حقيقي على المواطن ، وهذا غير متحقق للأسف ، فالمواطن العربي (والمصري خصوصا) لا يأمن على نفسه من هجوم سارق محترف ، أو من سطوة بلطجي معتدٍ ، أو من تحرش شباب مستهتر بعرضه … الخ …
ما معنى كل هذه الإجراءات الأمنية دون أن تنتج أمنا للناس ؟
لقد بلغت درجة عدم كفاءة أجهزة الدولة إلى درجة أن قلنا – في يوم ما – أن الجهاز الوحيد الذي يعمل في الدولة هو وزارة الداخلية ، الآن … يبدو أن الجهاز الوحيد الذي يعمل في وزارة الداخلية هو \”أمن الدولة\” و تابعه \”الأمن المركزي\” …
لقد تعودت أجهزة الأمن على الاسترخاء و الاستسهال و \”الاستعباط\” …!
وبدلا من أن تتعلم العمل بجدية في سبيل توفير الأمن للناس ، أصبحت المهمة الحقيقية لجهاز الأمن هو توفير الأمن للحاكم …!
وفي سبيل ذلك تتخذ كافة \”الإجراءات\” الأمنية … بغض النظر عن مدى قانونيتها …!
نكمل الأسبوع القادم
نسأل الله السلامة …
عبدالرحمن يوسف
20/9/2009