وثيقة إصلاح الكون

بعض زملائنا الكتاب والمثقفين، وبعض الشباب الثورى، لا تعجبهم الوثيقة، وهذا حقهم، ولكن المشكلة أنهم يطالبوننا بما لا نستطيع، ويتجاهلون أى بادرة أمل تقدمها هذه الورقة البسيطة.
يريدون من وثيقة الأزهر أن تحل كل مشاكل الكون، وهذا مستحيل، والبعض يريد منها أن تدين طرفا ضد طرف، وهذا تجاوز، لأنها ليست تقريرا حقوقيا، ومن صاغها ومن وقعوها ليست لهم سلطة إصدار الأحكام على أحد. 


أصدقاؤنا المثقفون المحترمون يعترفون بأن الوضع خطير، ويعرفون أن السكوت على الحريق فى بداياته يعنى أننا مسؤولون عن امتداده، لا أحد يريد أن يبدأ خطوة، الجميع خائف من المزايدات التى لا تنتهى. الوثيقة خطوة يمكن البناء عليها، وإذا كان فيها بعض السلبيات – والكمال لله – فليس معنى ذلك إهالة التراب عليها، وترك ما فيها من إيجابيات، والزعم بأنها وثيقة تبرر بطش السلطة تطرف لا داعى له، ولو كان الأمر كذلك.. لرحبت بها أجهزة الأمن، ولكن ما حدث أنها لم ترحب، بل لم تعلق على الأمر من أساسه، رغم توجيه الدعوة لوزارة الداخلية وللقوات المسلحة لإعلان الترحيب بالوثيقة، والالتزام بما فيها من مبادئ.


الذين تصدوا لهذا الأمر يعلمون جيدا أن الحياة السياسية الآن ليست أكثر من مستنقع موبوء، وقد وهبوا أنفسهم لهذا البلد حتى إذا طالهم بعض الأذى. البيانات التى صدرت ضد الوثيقة لها كل الاحترام، ومن وقعوها لهم كل التقدير، ولكنها كلمات مبتورة، حجارة من سجيل دون تقديم بديل.
كنت أتمنى أن تخرج مجموعة شبابية أخرى قبلنا لتقدم حلا عمليا ينقذ البلد، ولكن ذلك للأسف لم يحدث.
كل تصرف تقوم به الآن له تهمة جاهزة، إذا تحركت يمينا فأنت (إكس إخوان)، وإذا تحركت يسارا (فأنت فلول)، إذا جلست فى بيتك فأنت متخاذل… إلخ!


فى النهاية، يعز علىَّ انحدار مستوى بعض المختلفين مع الوثيقة إلى درجة التخوين والسب والقذف، ولكن أعود وأقول، إن كل ذلك كان متوقعا، فكل التهم جاهزة لأى شخص يتحرك فى أى اتجاه.
أما الذين يزعمون أن الوثيقة لم تمنع العنف فى جمعة الخلاص، فأقول إننا نطلب من الجميع أن نعمل سويا على الأرض لتفعيل هذه الوثيقة.


والذين اعتبروا أنها (طوق نجاة) للسلطة، أقول لهم بل هى حبل مشنقة لمن يخالفها، وللأسف كان أول من يخالفها مؤسسة الرئاسة التى رحبت بصدورها ثم سحلت المواطنين أمام القصر.
من أسوأ ما حدث أيضا، أن بعض من وقعوا هذه الوثيقة، صدرت منهم بيانات تضع علامة استفهام كبيرة حول حقيقة موقفهم من العنف، وحول علاقاتهم بالشارع، وهل يخضع هؤلاء لابتزاز بعض الموتورين؟ !هذه الوثيقة حجة على من وقع عليها، وعلى من رحب بها، وعلى أجهزة الأمن التى رفضت الترحيب أو التعليق، وعلى من وقع عليها ثم حاول التراجع بالقول أو الفعل. 
أيها السادة، هذه وثيقة مبادئ وقيم، موضوعها نبذ العنف، وليس مطلوبا منها أن تصلح الكون!
عاشت مصر للمصريين وبالمصريين.

المقال السابق

وثيقة الأزهر لنبذ العنف

المقال التالي
Video featured image

عبد الرحمن يوسف وحوار حول وثيقة نبذ العنف 2-2-2013 م

منشورات ذات صلة
Total
0
Share