النائب الثائر … زكريا بك …!

من ألطف ما يصادفنا في متاهة الحياة السياسية المصرية ، أنك تجد المسؤولين (جميعا) يشتكون من نفس ما يشتكي منه رجل الشارع البسيط الذي لا يملك حلا أو عقدا .
أذكر أنني جلست في مرة من المرات مع مسؤول كبير  (كبير جدا) ، في لقاء قدرته المقادير رغما عني و عنه ، و بدأ هذا المسؤول يشكو من الفساد ، و التسيب ، و عدم الانضباط ، و الرشاوى ، و عدم إتقان العمل ، و انهيار مستوى الأداء ، حتى بدا المشهد لمن لا يعرف الرجل أشبه بجلسة من جلسات المعارضة الغوغائية للنظام الحاكم …!

كان جميع الحاضرين يؤمِّن على كلامه السخيف ، حتى انتفخ الرجل وتقمص دور المصلح الشجاع الذي يقول الحق و لا يخشى لومة اللائم . و بدأ الحاضرون بأداء دور \”الكومبارس\” ، و يتملقونه تملقا يبعث على الغثيان، حتى قال له أحدهم :

\” لو أنك تكلم القيادة السياسية في بلدنا – بحكم قربك من مواقع اتخاذ القرار – لتبدأ صفحة جديدة مع الناس ، لا بد أن تعفو القيادة السياسية عن الشعب ، و تبدأ صفحة جديدة \” …!

حينها … لم أستطع أن أكمل سكوتي ، فصحت بصوت جهوري : 

\” يا له من اقتراح … و أنا بدوري أقترح أن تكون صيغة العفو كالتالي :

عفونا عن ضحايانا في القطارات و العبارات ، و عفونا عن ضحايانا الذين ماتوا أوسيموتون بسبب الفشل الكلوي أو الكبدي أو السرطان ، كما عفونا عفوا تاما عن كل ضحايانا في السجون و المعتقلات \” . 

و بغض النظر عما حدث بعد ذلك في هذه الجلسة التي لم تستمر سوى عدة دقائق بعد مداخلتي ، فقد أفاق الجميع – بلا استثناء – حين تحدثت ، فتذكَّر الجميع أن الذي كان يتحدث منتقدا النظام ما هو إلا فاسد من أكبر الفاسدين في تاريخ مصر الحديث ، و أن المستمعين ما هم إلا مجموعة من \” المتعايشين \” طوعا أوكرها مع هذا الفساد ، و أن الحوار كله لا يعدو أن يكون مسرحية سخيفة لا داعي لها .


هذه الأجواء هي التي تحضر إلى ذهني حين أقرأ تصريحا عنتريا لـ \”زكريا بك عزمي\” من آنٍ لآخر  ، يتحدث فيها عن فساد المحليات الذي وصل للركب ، و عن بنود الموازنة العامة ، و عن هيبة مجلس الشعب و كيف أنه أصبح أضحوكة الفضائيات … الخ .

يتناسى هذا الـ \” زكريا عزمي \” أنه من أكبر مسؤولي جمهورية مصر العربية منذ عقدين من الزمن ، و أن له يدا طولى في كل ما يشتكي (هو) منه ، و أن مصلحته الشخصية و بقاءه في السلطة و استمرار نفوذه كلها أمور مرتبطة ارتباطا وثيقا ببقاء الوضع على ما هو عليه ، و أن الانحطاط الذي وصلت له الدولة ما هو إلا نتيجة حتمية لوجود أمثاله في سدة الحكم .

للأسف … أصبحت مصر دولة دون رجال دولة …
ليست مشكلة مصر أن رجال الدولة فيها فاسدون … أبدا ، المشكلة أن المتحكمين فيها من غير المؤهلين ، فم لا يصلحون رجال دولة من الأساس ! لذلك يصبح المشهد كوميديا سوداويا حين تجد شخصا نافذا متحكما فاسدا يمارس تطهره الإعلامي بنقد الأوضاع القائمة ، و كأنه المجني عليه لا الجاني .

لو أتيحت فرصة انكشاف المستور في هذا العهد سنقرأ ما لا نتخيل ، و لو أتيحت الفرصة للقصاص من مسؤولي هذا العهد … فأعتقد – جازما  – أن الدم سيصل للركب ، كما كان الفساد للركب ، حسب رواية النائب الثائر المعارض … \” زكريا بك عزمي \” …!

عبدالرحمن يوسف

المقال السابق

مقال ( التبرك ببول الرئيس )

المقال التالي
Article featured image

أرى ... أسمع ... أتكلم ( مقال أسبوعي ) للشاعر عبدالرحمن يوسف ...

منشورات ذات صلة
Total
0
Share