( منشور بجريدة الشرق القطرية عدد الأربعاء 27/10/2010 )
يتساءل كثير من الناشطين السياسيين ، وكثير من المهتمين بالشأن العام لماذا تفشل المعارضة العربية في تغيير الأوضاع ؟أحب هنا أن أوضح أن أوضح أن معيار النجاح والفشل هو تحقيق التحول الديمقراطي ، وهذا معيار واضح لا يقبل التأويل ، يمكننا من الحكم بالفشل (النسبي على الأقل) على المعارضة والمعارضين العرب .
ونقصد بالمعارضين العرب كل من رفض أن يدخل منظومة السياسة الرسمية الديكورية التي يقرر لها الحاكم هامشها ، ويحدد لها النظام جدول أعمالها ، ويرتب لها جهاز الأمن أولوياتها ، أي أننا نتحدث عن المعارضة الحقيقية ، لا المعارضة المصنوعة …بعد هذه المقدمة ، يصبح السؤال واضحا :(لماذا فشلت المعارضة الحقيقية المخلصة المستقلة عن الحاكم في الدول العربية في تحقيق التحول الديمقراطي المتمثل في صندوق انتخابي نزيه ؟)إجابتي على هذا السؤال (وأظنها إجابة صحيحة) ، بعد سنوات من العمل والاطلاع في هذا الأمر تتلخص في أن النظام هو المسؤول الأول – وربما الأخير – عن فشل هذه المعارضة !
طبعا … نصف قراء هذا المقال الآن يقولون إنني – كمعارض – بدأت باستخدام شماعة ما لأعلق عليها فشلي ، وأنا أستسمح القارئ الكريم في أن يصبر قليلا حتى أشرح وجهة نظري .ليس معنى مسؤولية النظام عن فشل المعارضة أن هذه المعارضة لا تخطيء ، أو أن هؤلاء المعارضين ملائكة ، أو أن قيادات المعارضة في الدول العربية لم ترتكب عشرات الأخطاء التكتيكية والاستراتيجية ، بل نحن نثبت هذه الأخطاء ، ولا مجال لإنكارها ، ولكني أعتقد اعتقادا جازما أن المعارضين العرب لا يملكون سوى أن يختاروا ضمن ما هو متاح ، وما هو متاح يكون دائما اختيارا بين السيء والأسوأ .
إن التغيير السياسي لا يمكن أن يتم بالعنف ، لأن الحكومات مدربة على استخدام العنف ، والدخول معها في معركة عنف يكون اختيارا سيئا جدا من الناحية الأخلاقية (لأن الأمر ضد القانون والدستور) ، ومن الناحية الاستراتيجية لأننا نختار الملعب الذي يريده الخصم ، ونختار اللعبة التي يتفوق فيها بشكل كاسح ، وهناك الكثير من الأمثلة التي أثبتت أن الأنظمة والحكومات دائما تكون أقوى حين يأتي الأمر إلى العنف !
أرجو أن يتذكر الجميع ما حدث في أيلول الأسود في الأردن ، وما حدث في التسعينات في مصر ، وما حدث في التسعينات في الجزائر .
لقد خاض كل هؤلاء معركة مسلحة مع الأنظمة ، استخدمت فيها كافة الطاقات المادية والبشرية ، وكانت النهاية انتصارا ساحقا للحكومات !إذن … التغيير المنشود لا بد أن يتم سلما ، لأن هذا الأسلوب هو الذي يتفق أخلاقيا مع دعاة التغيير ، ولأن معركة التغيير السلمي تعتبر لعبا في ملعب لا تجيد الحكومات اللعب فيه ، وبالتالي تصبح فرصة التفوق عليها أكبر بكثير جدا .
إذن … لماذا يفشل المعارضون العرب في تحقيق التغيير السلمي ؟
الأسباب مركبة جدا ، والظاهرة أكثر تعقيدا من أن نعزيها لسبب واحد ، فهي مجموع نقص الكوادر ، وانعدام التمويل ، والتضييق الأمني … الخ ولكن السبب الأكبر الذي تعود إليه كل الأسباب ، هو أن التغيير السلمي لا بد أن يتم بشكل منهجي منظم ، ولا بد أن تقوم به مؤسسات تملك أن تدير الكفاءات والموارد في اتجاه التغيير ، والأنظمة العربية – بلا استثناء يكاد يذكر – تحرِّمُ وتجرِّمُ أي عمل مؤسسي سياسي !
إذن … السبب في فشل المعارضين العرب أنهم مضطرون للعمل بشكل غير رسمي ، ولا يستطيعون أن يعملوا بشكل علمي منهجي مؤسسي ، وهم دائما مخيرون بين أن يعملوا ضمن مؤسسات رسمية لا تأثير لها ، وبين أن يعملوا خارج المؤسسات الرسمية ولكن مع تعرضهم للقصف الفوري ما أن يبدؤوا في تحقيق بعض النجاحات في حشد الناس حول فكرة التغيير .
إن الحل في هذه الحالة أن يعمل الجميع بشكل منهجي بدون مؤسسة رسمية ، وهذا أمر شديد الصعوبة ، ولم ينجح فيه سوى بعض الجماعات ذات الأجندة الفكرية الموحدة ، وفي العادة يكون الرابط بين الأعضاء رابطا دينيا .
أو … أن تأتي لحظة تحول أو ضعف للنظام ، يستطيع المعارضون العرب اقتناصها للحصول على المكسب الأعظم المتمثل في تغيير قواعد اللعبة السياسية ، بحيث يحصلون على حق تكوين المؤسسات السياسية التي تستطيع أن توظف الكوادر وتحصل على التمويل في العلن …حينها … يستطيع المعارضون العرب أن يعملوا بشكل منهجي ، يحقق في النهاية نتيجة ناجحة ، أو أن يفشلوا بعد أن أخذوا فرصة حقيقية أما التاريخ .
عبدالرحمن يوسف