كل يصدق ما يريد

المقال منشور بجريدة اليوم السابع 28-8-2013 م

غالبية الناس الآن فى هذا الجو المشحون أصبحوا يصدقون ما يريدون تصديقه، لذلك لا تتعب نفسك بإثبات أى شىء لأى أحد مهما كان واضحًا «فى رأيك». على سبيل المثال صورة مدرعة الشرطة التى سقطت من فوق أحد الكبارى نشرتها وسائل الإعلام على أنها مدرعة أسقطها المتظاهرون الذين ينتمون لجماعة الإخوان المسلمين، ثم تبين بعد ذلك من خلال فيديو التقطه أحد الناس أن المدرعة سقطت دون أن يمسها أحد بسبب قلة خبرة سائقها، أو لارتباكه بعد أن اصطدم فى حافلة ما. ظن بعض الطيبين أمثالى أن هذا الفيديو قد حسم الأمر، وأن العملية كانت تلفيقا واضحا، ولكن هيهات، لقد وجدنا مئات المدافعين الذى يقولون كلاما يتعلق بأن السائق كان مرعوبا من المتظاهرين، وبالتالى سقط بسبب إرهابهم! صديقى العزيز يقول لى إن الإخوان تنظيم محكم، جماعة ماسونية، لا يمكن أن نقبل بوجودها، ولا أحد يعرف ما داخل هذه الجماعة، ويفيض ويزيد فى تماسك هذه الجماعة وخطرها، ولكن برغم تماسك أفراد هذه الجماعة، وولائهم لبعضهم يصدق صديقى العزيز أنهم يقتلون بعضهم البعض! المشكلة الأكبر أن هذا الصديق الذى يصدق هذه الأكذوبة لا يصدق أن هناك احتمالا واحدا فى المليون فى أن من يحرق الكنائس هو جهاز يريد توتير العلاقة بين المسلمين والمسيحيين، لكى يحكم سيطرته على البلد كلها، وله فى ذلك مئات السوابق لم يكن آخرها تفجير كنيسة القديسين.

صدق ما تشاء، ولكن حاول أن لا تصدق الشىء وعكسه، وحاول أن لا تصدق ما لم تقبل أن تصدقه منذ عهد قريب، فلا يمكن أن تملأ الدنيا ضجيجا ضد العسكر وتصفهم بكل صفات الشر بمبالغات ممجوجة، ثم تبالغ اليوم فى الاتجاه المعاكس، لا يمكن أن تكون إنسانا عاقلا وتصف شيئا ما بأنه الشيطان ثم تصفه اليوم بأنه ملاك، هذا دليل خلل فى عقلك أنت، ودليل على أن ذمك لهذا الشيء كان لغرض، وأن مدحك لهذا الشىء كان لغرض! لا أستطيع أن أبذل أى جهد لأى صديق عزيز يتساءل عما حدث بين المعتصمين فى مسجد الفتح، «رجالة وستات مع بعض والشيطان شاطر»! هذا الكلام ليس اختراعى، ولا رد عليه عندى! عموما.. أنا لى رأيى، أنا ضد الفاشيات جميعها، عرقية أو عسكرية أو دينية، ولا أريد من أحد أن يقنعنى بقناعاته، ولا أريد أن أقنع أحدا بقناعاتى، بل أقول ما عندى بهدوء وأرضى ضميرى، وأظن أننى أقول ما أعتقد أنه كلمة حق بغض النظر عن العواقب، وأحاول أن أقول ذلك بالدليل، وأظن أن الناس لم تجرب على كذبًا، وكنت طوال عمرى واضحا فى تحيزاتى مع الحق والعدل ضد الباطل والظلم.

فى نهاية الأمر أرجو أن تحترم رأيى، لأننى لم أفعل الشىء وعكسه، ولم أمدح أحدا ثم أذمه بشكل طفولى ساذج. اختلف معى كما تشاء، ولكن احترم رأيى كما أحترم رأيك، واحترم أننى أحترم رأيك برغم ما قد أرى فيه من شطط.

المقال السابق

عودة إلى القراء الكرام

المقال التالي

كوبرى 30 يونيو

منشورات ذات صلة
Total
0
Share