عودة إلى القراء الكرام

المقال منشور بجريدة اليوم السابع 27-8-2013 م

يحتاج الكاتب إلى استراحة من آن لآخر، إنها مُسلّمة «بيولوجية» إن لم تكن حقيقة ثقافية، وأنا كاتب لم يعط نفسه فرصة لالتقاط الأنفاس منذ سنوات، لذلك قررت أن أستريح خلال شهر رمضان، وكل عام وأنتم بخير. فى الحقيقة لقد توقفت عن كتابة المقالات فقط، ولكن – بحمد الله – لم أتوقف عن الكتابة الأدبية، لأن هذا النوع من الكتابة يختار الله وحده وقت إشراقه وانهماره، ووقت امتناعه واحتباسه، وقد منَّ الله علىّ بالكتابة خلال الشهر الكريم فى مشاريع أدبية أتمنى أن تكتمل قريبا. كان رمضان شهرا عصيبًا، بداية فترة انتقالية جديدة داخل الفترة الانتقالية القديمة التى بدأت فى فبراير 2011، والشعب المصرى المتعب ما زال يلهث من إعلان دستورى معيب إلى دستور أخرق، ومن برلمان منتخب، إلى محكمة تهدر إرادة الناس، ومن تيارات إسلامية لا تفقه الإسلام، إلى تيارات ليبرالية لا تعرف جوهر الحرية.

هل يفهم القائمون على المرحلة الانتقالية طبيعة المرحلة؟ أم أن غشاوات السلطة تحول بينهم وبين رؤية الواقع؟ هل يدرك أهل الحكم إلى أى درب يأخذون البلد؟ هل سيبقى الرأى العام كما هو راضيا عن المؤسسات القوية فى الدولة المصرية؟ أم يتكرر حدوث ما حدث منذ عامين بعد أن عادت واستعادت تلك المؤسسات نفس ممارساتها؟ رضا الناس لا يدوم، والمصرى الذى حمل ضابط الشرطة على كتفه لن يتردد فى محاصرة الضابط نفسه، هو والمؤسسة الأمنية التى يعمل فيها إذا قبضت على قريب له أو تجاوزت حدودها «وهذا ما حدث فى كرداسة منذ أيام مثلا»، ومن يراهن على نسيان الشعب المصرى مرارة أمن الدولة بعلقم الإخوان مخطئ، فالناس ما زالوا يتطلعون إلى سكر الحرية، ولن يقايضوا علقما بعلقم! هل يمكن أن نخرج من الحفرة التى وقعنا فيها جميعًا؟ المجتمع منقسم على نفسه، والانقسام الآن يهدد البيت الواحد، والأسرة الواحدة، وهو انقسام خطير، يرى فيه المرء نفسه على صواب مطلق، ويرى الطرف الآخر شيطانا رجيما، وهذا النوع من الخلافات يؤدى إلى جرائم فردية، ويؤدى كذلك إلى جرائم جماعية.

مصر يحفظها الله، هكذا نقول لأنفسنا، ولكن الحقيقة أن الله يحفظها بأهلها، وبعقلائها، وبحكمائها، وبإنسانية شعبها العظيم الذى يكره الدم، ويبغض القتلة، ويلفظ القسوة والفظاظة فى كل شىء.الكتابة الآن تشبه المشى على حبل فوق فوهة بركان، ومن الوارد جدا أن تتخطفنا الطير بسبب آرائنا وكتاباتنا، لذلك سأذكر خلال الأيام القادمة بمقالات كنت قد كتبتها فى أوقات سابقة، لكى يدرك القارئ أن ما يحدث الآن ليس فيه مفاجأة، وأن ما هو قادم معروف أيضا. عندى أسئلة كثيرة، وعندى آراء كثيرة فيما يحدث حولنا، وفترة التوقف عن الكتابة كان من ضمن أهدافها محاولة النظر لمجمل المشهد بشكل أوسع، وبرَوِيَّةٍ وصبرٍ، عسى أن يرى المرء شيئا من جوهر الحقيقة بدل الانشغال المفرط بظواهر وقشور مشاكلنا المستعصية. من فوائد التوقف عن الكتابة أن يقرأ الإنسان ما كتبه، وأن يراجع مجمل مواقفه وتحركاته وانحيازاته، وهو أمر مفيد لكل من يعمل بالعمل العام، أعنى المراجعة والمحاسبة. سيسعدنى – قارئى الكريم – أن أبدأ حوارا جديدا معك…
عاشت مصر للمصريين وبالمصريين… 

المقال السابق

القصة نفسها على جدار

المقال التالي

كل يصدق ما يريد

منشورات ذات صلة
Total
0
Share