كابتشينو بالكراميل

المقال منشور بجريدة اليوم السابع 10-12-2012 م 


منذ عدة سنوات جلست مع مجموعة من الأصدقاء فى جو ربيعى معتدل فى أحد المقاهى الهادئة على نيل القاهرة. تحدثنا عن أخلاق نظام حسنى مبارك، واتفقنا جميعا أنه نظام لا يملك أى مرجعية أخلاقية، ولا يملك أى شرعية يحكم مصر بها. جاء الجرسون إلينا بعد أن بدأنا الحديث، وطلبنا جميعا أفضل ما يقدمه هذا المقهى (كابتشينو بالكراميل)، واستمتعنا به ساخنا فى هذا الجو الربيعى الجميل. ونحن نحتسى الـ(كابتشينو بالكراميل) تحدثنا عن المبادئ، وتفنن الحاضرون فى مدح المبادئ الإنسانية، ومدح الملتزمين بها، وهجونا كل من لا يلتزم بتلك المبادئ أشد الهجاء. 


بعد الثورة بشهور، بدأت هذه (الشلة) بالدخول فى دوامة الاستقطاب، ومع الوقت أصبح مجرد تجميع هؤلاء الأشخاص فى مكان واحد أشبه بتجميع النار والبارود فى حجرة واحدة! كم كان الحديث عن الأخلاق والمبادئ سهلا أيام مبارك! كثير من هؤلاء أصبح فى الحكم، وبعضهم تولى لوقت قصير بعض الحقائب الوزارية، وبعضهم أصبح عضوا فى الجمعية التأسيسية لكتابة الدستور، وبعضهم يعمل فى رئاسة الجمهورية، وبعضهم عضو فى إحدى غرفتى البرلمان، وبعضهم أصبح من كبار الإعلاميين ومن المؤثرين فى الرأى العام. 


الجميع يمر بنفس المأزق مع ذاته أولا، كلنا يسأل نفسه نفس السؤال: «ما هى المسافة بين ما أفعله اليوم وبين ما كنت أتحدث عنه وأُنَظِّرُ له وأنا أحتسى الـ(كابتشينو بالكراميل)؟» ما أصعب الحديث عن المبادئ والأخلاق الآن بدون أن تتبع ذلك بكلمة (ولكن الواقع يقتضى.. !). 


ما أصعب أن تقارن بين نفسك (سواء كنت شخصا أو شخصية اعتبارية) وأنت تقف معارضا مبارك فى ميدان التحرير، وبين نفسك وأنت جزء من النظام أو من معارضة النظام فى عهود ما بعد مبارك! أحيانا أقرأ تصريحات بعض أصدقائى الذين احتسيت معهم الـ(كابتشينو بالكراميل) ثم أقول لنفسى أين كان يختبئ هذا المخلوق الذى أراه على صفحات الجريدة داخل هذا الصديق؟ هل هذا الشخص هو الشخص نفسه الذى كان يجلس معى ويتحدث عن الأخلاق والمبادئ؟ أسأل نفسى هذا السؤال.. ثم أكمل الكوب، وأحمد الله على نعمة الـ(كابتشينو بالكراميل)، وأنصرف!

المقال السابق

شروط الفتنة

المقال التالي

نحن بالصندوق أقوى

منشورات ذات صلة
Total
0
Share