طبعا متدين بطبعه

المقال منشور بجريدة اليوم السابع 14-11-2012 م 


انتشرت فى الأسابيع الماضية نبرة سخرية فى أمر لم يكن يتخيل المصريون أن يسخروا منه، ألا وهو تدين الشعب المصرى.  وصل الأمر إلى أن غالبية الكتاب والمثقفين يسخرون ممن يقول إن الشعب المصرى «متدين بطبعه»، ويستدلون على ذلك بأمور هى –فى رأيى– خطأ.  


نرى بعض الكتاب يبرز أسوأ ما فى مصر فى شكل إحصائيات موثقة، مثل السرقة والقتل والتحرش الجنسى… الخ، ثم يتساءل: بعد كل هذه الجرائم كيف نقول عن الشعب المصرى إنه شعب متدين بطبعه؟ والحقيقة التى قد لا تعجب البعض أن الشعب المصرى هو أكثر الشعوب تدينا على وجه الأرض، كيف ذلك؟ أولا: الشعب هو ذلك الامتداد الذى يبدأ من التاريخ السحيق إلى اليوم، وليس تلك اللقطة المجتزأة التى نعيشها اليوم لمدة عام أو عقد أو حتى قرن من الزمن! إذا نظرنا للموضوع بهذه النظرة فسنجد أن الشعب المصرى كان دائما متدينا، وكان دائما مخلصا للديانة التى يعتنقها، وكانت عواطفه دائما مع الله، حتى إذا لم يلتزم بتفاصيل العبادات والشرائع.  


ثانيا: التدين ليس معناه الانضباط السلوكى الصارم كما قد يظن بعض الناس، بل هو شعور ورغبة فى الوصول إلى الخالق، يراها كل شخص خلاصا له فى الدنيا والآخرة.  التدين بهذا المعنى جزء أصيل من تكوين الشخصية المصرية، كان فى الماضى موجودا، وما زال حتى اليوم.  ثالثا: إذا ظن البعض أن مخالفة شرع الله «بالمعنى الإسلامى أو المسيحى» تعنى عدم التدين فهذا خطأ كبير أيضا، لأن إفساد الشعوب المتدينة لا يكون بإبعادها عن الدين، بل بإفساد تدينها، بمعنى أن يتم إفساد فهم المتدين لدينه، فتراه يرى الحق بمكيالين، «فهذه نقرة، وتلك نقرة»، أو «ساعة لقلبك وساعة لربك»… الخ.  


الشعب المصرى يرتكب الموبقات، ولكن ذلك ليس معناه أنه ليس متدينا بطبعه، بل ستجد تفسيرا دينيا يبرر لكل معتد اعتداءه ولكل متخاذل تخاذله، وبالتالى هم متدينون، ولكن تدينهم منقوص، وهذا من أكبر حيل الشيطان ومكائده.  لقد وجدنا متدينين يقبلون الذل لأن بعض من يزعم العلم أقنعهم أن الخروج على الحاكم حرام، وبعضهم يمد يده متحرشا بأنثى لأن جاهلا آخر أفهمه أن الوزر الأكبر عليها لا على المتحرش، وبعضهم قد يسرق أو يشرب الخمر وهو يظن أن الله «رب قلوب».  كل هؤلاء متدينون، وقد وقعوا فى مصيدة من أكبر مصائد الشيطان، هى مصيدة التدين المغشوش، ومن ينفى عنهم صفة التدين مخطئ، والصواب أن تدينهم فاسد، وطريقة إصلاحهم تكون بتعليمهم صحيح الدين.

المقال السابق
الشاعر عبد الرحمن يوسف

عبدالرحمن يوسف في ضيافة غزة الاثنين 12-11-2012 م

المقال التالي

باب الخروج

منشورات ذات صلة
Total
0
Share