حديث معصوم

المقال منشور بموقع عربي 21 بتاريخ 2-9-2018 م

الأسبوع الأخير من أغسطس 2018 يمكننا أن نطلق عليه (أسبوع السفير معصوم مرزوق) !

كان الرجل حديث الجميع في مصر، بل كان حديث جميع المهتمين بالشأن المصري بلا مبالغة، النظام مشغول به، والمعارضون أيضا.

مبادرته – بكل ما عليها من تحفظات – ودعوته الجريئة لنزول ميدان التحرير في 31 من أغسطس … نالتا اهتماما كبيرا فاق التوقعات.

كما أن القبض عليه في عطلة عيد الأضحى ركزت الأنظار عليه وعلى مبادرته ودعوته بشكل لافت للنظر.

*       *       *

كيف يتعامل المصريون اليوم مع فكرة الخلاص من حكم “سيسي”؟

مبادرة السيد معصوم مرزوق يمكن أن نصفها بالمبادرة (النموذجية) لتوضيح ذلك، فهي مبادرة من شخص غير معروف نسبيا، فهو لم يكن من قيادات الصف الأول في أي مرحلة من المراحل (منذ عهد المخلوع مبارك إلى اليوم)، كما أنه لم يسجل له مواقف متطرفة خلال السنوات الأخيرة، فلن تجد في تاريخه موقفا صريحا يستهين فيه بإراقة الدماء أو يبررها، بل ستجد العكس (بشكل أو بآخر).

في الوقت نفسه لن تجد في دعوته معارضة صريحة للنظام، فهو ينطلق من أرضية النظام، ومن معسكر الثلاثين من يونيو، أي أنه باختصار لا يمكن احتسابه على أي من الفصيلين الرئيسيين المتنازعين في مصر، فلا هو من الإخوان و”الثورجية”، ولا هو من “الدولجية” أو فلول حزب مبارك !

*       *       *

مناقشة تفاصيل المبادرة أمر غير مجد، وما يهمني هو كيف تعامل معها النظام، والمجتمع بكافة مكوناته.

والحقيقة أن الغالبية العظمى قد تعاملوا مع مبادرة السفير معصوم بسلبية شديدة.

الثوريون بتوجهاتهم المختلفة تعاملوا معها من منطلق استقطابي كامل، وبالتالي غرقوا في تفاصيل المبادرة، وحاكموا صاحبها كل حسب رغبته.

وبعد القبض على السيد معصوم حدث تفاعل حقوقي واستنكار لا بأس به من غالبية التيارات، ولكن الاصطياد في الماء العكر، ومحاكمة الرجل بناء على تفاصيل مبادرته ومواقفه السابقة (الحقيقي والمزيف) ظل مستمرا، بل لا نبالغ إذا قلنا إنه قد حدث ما يشبه (تصفية الحسابات السياسية) مع الرجل بعد القبض عليه (راجع ما ذكره أحد الإعلاميين عن السفير معصوم مرزوق في قناة مكملين بناء على تسريبات لم تثبت من صحف الانقلاب، في موقف يتسم بانعدام المهنية وبقلة المروءة).

حتى في مسألة التضامن مع اعتقال السفير معصوم، كان من المفترض أن يصدر بيان تضامن يوقع عليه طيف واسع من السياسيين، وأن يوقع عليه أسماء (لافتة للنظر)، ولكن في النهاية خضع الجميع لمنطق الاستقطاب السياسي، وظل السياسيون المصريون في مجملهم (صغارا)، محبوسين في تحيزاتهم الضيقة، وظلت الجماعات السياسية المصرية (معدومة البصيرة) كما تعودنا منهم دائما.

*       *       *

الدولة المصرية تعاملت مع الموضوع على مرحلتين، المرحلة الأولى هي المرحلة النظرية (أي التعامل مع المبادرة وبنودها)، وكان القرار هو اعتقال صاحب المبادرة كما نعلم، واعتبرت أنها دعوة لقلب نظام الحكم، وتم توجيه تهم (محترمة) لصاحب المبادرة.

أما المرحلة الثانية (أعني التعامل مع دعوة النزول إلى ميدان التحرير في 31 أغسطس) فقد تعاملت الدولة معها بجدية غريبة، تدعو إلى الضحك والدهشة في آن واحد !

لقد كنا نعلم جميعا أن نزول أحد إلى الميدان أمر مستبعد، ولكن الدولة نشرت رجالاتها ومخبريها في القاهرة كلها، وكأن القيامة ستقوم !

وهو أمر يوحي برعب الجالسين في مواقع اتخاذ القرار، فهم يعلمون جيدا أن الحساب عسير، وهم يعيشون في رعب من لحظة الحساب تلك.

*       *       *

بقي رد الفعل الأخير الذي لم يلاحظه أحد … وهو رد فعل آحاد الناس !

من خلال علاقات متشابكة مع المجتمع المصري، ومن خلال أخبار متواترة من الداخل المصري … أستطيع أن أقول إن كثيرا من المصريين تفاعلوا مع مبادرة السفير معصوم مرزوق، وأن كثيرا منهم كانوا يتمنون أن تكون هذه المبادرة – أو غيرها – بداية لانفراجة، أو طريقا لأي تغيير، أو فرصة مراجعة … تؤدي في النهاية إلى انتهاء هذا العصر الرخيص، أو تؤدي إلى بعض النور في هذه الأيام السوداء.

لقد تمنت قطاعات كبيرة من المصريين أن يتفاعل السياسيون مع هذه المبادرة، أو أن يطلقوا مبادرة أخرى، أو أن يتفق الشركاء المتشاكسون على كلمة سواء تخلص البلاد مما هي فيه.

للأسف الشديد … لم ينتبه لتلك الرغبة الشعبية كثيرون، وغرقت المعارضة المصرية في تفاهاتها وصراعاتها الرخيصة … على جثة الوطن !

عبدالرحمن يوسف

رابط المقال على موقع عربي 21 

المقال السابق

إلى أين يذهب العرب؟

المقال التالي

فرص الاصطفاف التي لا تنتهي

منشورات ذات صلة
Total
0
Share