القصة نفسها على جدار

المقال منشور بجريدة الشروق 24-8-2013 م

فى شارع ما من شوارع القاهرة، وقف شاب من شباب ثورة يناير أمام جدار ما بعد أحداث محمد محمود، وكتب على الجدار جملة تقول (مبارك هو طنطاوى). الجملة مكتوبة بخط كبير، وكل كلمة على سطر، أى أنها على ثلاثة أسطر، مما يعطى للعين فرصة لالتقاط المعنى بشكل واضح. أمُرُّ بشكل شبه يومى على هذا الجدار، وكنت ــ أيام مجلس طنطاوى العسكرى ــ أقول فى نفسى «صدقت»، لا فرق بين الرئيس المخلوع مبارك، وبين المشير المكرم بقلادة النيل محمد حسين طنطاوى، وإثبات ذلك لا يحتاج إلى مزيد عناء. بعد الانتخابات الرئاسية جاءنا رئيس مدنى منتخب هو الدكتور محمد مرسى، ودارت الأيام ومرت الأيام (كما تقول الست)، وصدر إعلان دستورى أخرق، ولم يحاول ذلك الرئيس أن يرمم آثاره، بل تابع السير بخطى حثيثة إلى التهلكة، وإلى الفتنة بين أبناء الوطن الواحد. بعد عدة أسابيع وأنا أمر بجوار الجدار إياه وجدت شخصا ما قد تطوع وأكمل الجملة السابقة (مبارك هو طنطاوى) وأضاف (هو مرسى)، كل كلمة على سطر، واضحة جلية أمام العين.

ومع مرور الوقت أصبحت أردد كلمة «صدقت» وأنا أمرُّ جوار الجدار ! إنها القصة نفسها، بنفس الأخطاء والخطايا. لقد حصل المجلس العسكرى برئاسة طنطاوى على تفويض محدد بتحقيق أهداف ثورة الخامس والعشرين من يناير، فما كان منه إلا أن فرط فى الثقة، وحاول استرداد السلطة وإعادة الدولة القديمة مرة أخرى، وأوغل فى الدم، أى أن جوهر الخطيئة كانت تجاوز حدود التوكيل الممنوح من الأمة، وإراقة الدماء، فكانت النتيجة أن اشتعلت أحداث محمد محمود ومجلس الوزراء، وأجبر المجلس العسكرى على تحديد موعد الانتخابات الرئاسية، وبالتالى فشلت الخطة. حين جاء الرئيس المعزول لم يتعلم، فارتكب نفس الأخطاء والخطايا، فتجاوز حدود التوكيل الذى منحته له الأمة بالصندوق، كما أنه قد تورط فى إراقة دماء مصريين عزل. ما الذى يحدث اليوم؟

الأحداث نفسها، سلطة حاكمة وصلت للسلطة بناء على طلب الناس، وكان طلبهم انتخابات رئاسية مبكرة، كان طلبهم شرعية جديدة بصندوق جديد، ولكن هذه السلطة تحاول إعادة مصر إلى عهد مبارك المخلوع، وبالتالى ارتكبت نفس الخطيئتين، فتجاوزت حدود التوكيل الممنوح لها، وأوغلت فى سفك الدماء بشكل لا مثيل له كلما مررت أمام الجدار الذى ذكرته، أقرأ الجملة (مبارك هو طنطاوى هو مرسى)، قد يظن القارئ الكريم أننى حين أقرأ هذه الجملة أتساءل متى سيضاف اسم جديد بعد اسم مرسى، والحقيقة أننى أسأل نفسى (هل خطى مميز لدرجة أنهم قد يعرفون أننى من كتب الاسم الجديد؟) !خلاصة الأمر… المستبد لا يتعظ بغيره، والثورة مستمرة بإذن الله، بعز عزيز أو بذل ذليل، ومن يظن أن الربيع انتهى واهم، أنا أعترف أننا نمر بموجة باردة، ولكن ما يحدث الآن جملة اعتراضية فى مسيرة تحرر عظيمة، والأيام بيننا.

عاشت مصر للمصريين وبالمصريين…

المقال السابق

الأربعاء الأسود

المقال التالي

عودة إلى القراء الكرام

منشورات ذات صلة
Total
0
Share