متى تعود مصر للمصريين؟

المقال منشور بموقع مصر العربية بتاريخ 8-10-2014 م

سؤال يطرحه غالبية كاسحة من المصريين، يطرحه السواد الأعظم، حتى من يعتبر نفسه مناصرًا للوضع الحالي (أعني الانقلاب العسكري) يتساءل بينه وبين نفسه (متى تعود مصر ملكًا لكل المصريين؟).

لست محتاجا لإثبات أننا نعيش في دولة الأسياد والعبيد، هكذا أراد الحكم العسكري لمصر، هم السادة، هم ورثة الباشاوات، هم ملوك ما بعد الملكية، وبقية المصريين خدم، أو (شماشرجية) على أقصى تقدير.

الشماشرجي : خادم أيضا .. ولكنه خادم مقرب للملك، خادم يلبس الملابس الفاخرة، ويركب العربات الفارهة … ولكنه خادم … حتى لو أصبح وزيرا، أو رئيسا للوزراء !

حين أفكر في إجابة السؤال أفكر فيه بصيغة الفاعل، (كيف نعيد مصر للمصريين؟)، وهنا أجد أننا مطالبون باتخاذ العديد من الإجراءات، أولها : رفع المظالم التاريخية
أعني بذلك رفع المظالم عن المكونات الأصيلة في الشعب المصري التي ظلمت ظلما تاريخيا متعمدا من قبل دولة العسكر.

مثل أهلنا في النوبة، وأهلنا في سيناء، وأهلنا في سيوه، كل هؤلاء ظلموا ظلما فاحشا منذ عشرات السنين، بالرغم من ولائهم المطلق للوطن، وبالرغم من بذلهم العظيم من أجل مصر.

لم ير النظام العسكري على مدار ستة عقود فيهم سوى مجموعة من البربر أو البدو المتآمرين على استقرار الوطن، لم ير فيهم سوى أصحاب ولاء مزدوج، أو تجار مخدرات، لم ير فيهم أي وطنية أو ولاء.

إن مصر تبدو وكأنها مصابة بلعنة بسبب هؤلاء المظاليم الذين لا يهتم لأمرهم أحد، وكان جزاؤهم منا جزاء سنمّار.


ثاني هذه الإجراءات : رفع المظالم الاجتماعية
وذلك بإنصاف الطبقات الدنيا من المجتمع المصري، تلك الطبقات الكادحة التي لا يهتم بها أحد.
والطريقة الحقيقية التي ينصف بها هؤلاء ليس بتطبيق الحد الأدنى والأعلى للأجور، فالأمر أعمق من ذلك.
إنصاف هؤلاء يكون بإعادة هيكلة ميزانية الدولة المصرية بشكل مغاير للشكل الحالي تمامًا، بحيث تصبح ميزانية لا تعرف التحيز للأسياد على حساب العبيد.


ثالث الإجراءات: عقد اجتماعي جديد
لا بد لهذا المجتمع من عقد اجتماعي حقيقي يعبر عن مصر في هذا العصر الذي تجاوز كثيرا من مسلمات الماضي !
أنا لا أتحد عن مواد دستورية، ولا أتحدث حتى عن دستور جديد، بل أتحدث عن تعاقد جديد بين جميع مكونات الأمة المصرية، بحيث يعترف الجميع أن هناك عصرا متخلفا قد انتهى، وأن الحقبة العسكرية في مصر قد ذهبت، ولن يسمح لها أحد بالعودة، وإننا نحتاج إلى أن نتفق على أننا في بداية عهد يعيش في كل المصريين في دولة (تتساوى فيها الرؤوس) !
لا بد من القضاء على فكرة دولة الأسياد والعبيد بعقد اجتماعي جديد لا مجال فيه لأي غموض أو تأويل.


رابع الإجراءات : بناء المؤسسات
لا بد من إعادة بناء مؤسسات الدولة، من أين نبدأ؟
سنختلف في ذلك، في رأيي لا بد أن نبدأ بالمؤسسات الأمنية، وفي رأيي أيضًا أن عملية إعادة البناء لا بد أن تتم بسرعة شديدة، وبكفاءة عالية، وباستئصال سائر العناصر الفاسدة أو قليلة الكفاءة التي تسببت في كل هذه الدماء، وفي صناعة هذا التاريخ الممتد من التخلف.
إذا قمنا بهذه الإجراءات ستعود مصر للمصريين، لسائر المصريين، للفقراء قبل الأغنياء، للمضطهدين قبل ذوي النفوذ، للأقليات قبل الأغلبيات.

لماذا أكتب ذلك الآن؟
لأن ثورة يناير ستكون مطالبة بالإجابة عن هذه الأسئلة قريبا، ولأن المصريين ستأتيهم فرصة أخرى قريبة لكي يختاروا، ولا بد من تجهيز هذه الإجابات قبل أن تطرح الأسئلة.
عاشت مصر للمصريين وبالمصريين …

للتعليق على المقال بموقع مصر العربية 

المقال السابق

في هذا العيد

المقال التالي

نيويورك تايمز وتسويق الانقلاب

منشورات ذات صلة
Total
0
Share