حوار جريدة ( الجريدة الكويتية ) مع الشاعر الثلاثاء 22 مارس 2011 م

حوار جريدة ( الجريدة الكويتية ) الثلاثاء 22 مارس 2011 م الشاعر المصري عبد الرحمن يوسف: القصيدة الجيّدة وسط بين رذيلتين

يرى الشاعر المصري عبد الرحمن يوسف أن غالبية الجوائز العربية إحدى طرق التسوّل والتكسّب بالأدب، ويشير إلى أن معظمها يتحدّد الفائز به قبل أن يبدأ. أصدر يوسف دواوين شعرية عدة، وهو عضو «الجمعية الوطنية للتغيير»، وأحد أبرز وجوه الثورة التي شهدتها مصر أخيراً، وقد كتب قصيدته «الطريدة» تحية لها. وكان معه الحوار التالي. منذ سنوات عدة يعرفك الناس شاعراً ثورياً، فإلى أي مدى شكّل الواقع السياسي بتجليّاته المختلفة أحد روافد تجربتك الشعرية؟ الشعر تفاعل الإنسان مع الزمان والمكان، وثمة من ينظر إلى ظروفهما بتعال وتكبر، فيحب أن يقال عنه إنه سابق لعصره، بما يوحي بأنه كثير على أهل عصره، وأنهم أقل من أن يفهموا تجلياته. بالنسبة إلي، أحب أن يكون شعري مرآة لزمني، لكن من دون التقيّد بتفاصيل الحدث، ومن دون الغرق في وحل اللحظة الراهنة. فالقصيدة ينبغي أن تعبّر عن الإنسان وزمانه ومكانه، وأن تتكبّر على سجن اللحظة الآنية الفانية. أعتقد أن القصيدة الجيدة وسط بين رذيلتين: رذيلة الإغراق في الغموض، ورذيلة الإغراق في المباشرة. كيف يمكن الجمع بين هذين المتناقضين؟ بأن تتجاوز القصيدة حدود الزمان والمكان، فلا يقص الشاعر أجنحتها بمقص الواقع. لكن ثمة قصائد ارتبطت بحدث تاريخي معيّن، وعلى رغم ذلك عاشت إلى الأبد، مثل قصيدة «فتح عمورية» لأبي تمام. صحيح، لكن ذلك لا ينفي أن القصيدة من الأفضل لها أن تتجاوز الأشخاص والأحداث، وثمة آلاف القصائد الجيّدة عبر التاريخ أثقلها الواقع، فلم تتمكّن من التحليق عبر الزمان والمكان، ودُفنت في كتب التاريخ، ولم تلمس قلوب من جاؤوا بعد الحدث. بماذا ترد على من ينادون بتحييد الأدب والشعر وعدم توظيفه لأي منطق أو خطاب سياسي مؤيد أو معارض؟ لهؤلاء غرض في خدمة السلطة، وستجد تاريخهم مليئاً بمواقف متلاحقة في السجود لسلطة الأمر الواقع، وسترى معظمهم حريصاً على تحييد الشعر حين يعارض الاستبداد، لكنه حين يوالي وينافق ويوالس ستجد رد فعله بارداً جداً، وربما لن تجد رد فعل على الإطلاق. لكن، هل معنى ذلك أن يتحوّل الشعر إلى هجاء في شخص حسني مبارك؟ لم أهج حسني مبارك باسمه، وليس ذلك لشيء، إلا لأنني أراه حدثاً تافهاً في تاريخ مصر، ولم أحب أن أكرر خطأ المتنبي مع كافور، بأن أدخله التاريخ من بوابة شعري. على رغم غزارة إنتاجك الشعري (سبعة دواوين حتى الآن)، إلا أنك لم تتقدم بأي منها لأي جائزة مصرياً أو عربياً… أفهم من ذلك أنك تطعن في نزاهة تلك الجوائز أو أهميتها؟ الجوائز المعروضة في سوق الأدب لا ترقى إلى نزاهة شعري، وحين أنظر في لجان التحكيم التي تتناوب على الجوائز الأدبية، أشعر بأنه من الإهانة أن أعرض شعري على هؤلاء. كذلك، ثمة أمر آخر ينفّرني من الجوائز ويمنعني من التقدّم لها، وهو أنها تعلّم الأدباء الشباب فن التسوّل والتكسّب بالأدب، فيتحوّل الأديب من مبدع إلى صياد جوائز، وهذا موجود في البيئة الثقافية بكثرة. وللأسف، فالبعض يكتب بغير لهجته كي يحصل على جائزة كبيرة، وبعض شعراء العامية كتب الفصحى لأجل الجوائز، والعكس بالعكس. حتى أنني أعرف شعراء كتبوا قصائد خصيصاً للحصول على جائزة. بالنسبة إلي، لا أتخيل نفسي في مثل هذا الموقف أبداً. إنه أمر مهين من وجهة نظري، علماً أن غالبية الجوائز تُعرض على الشعراء، ويتحدّد الفائز بها قبل أن تبدأ. كنت ضمن شباب ثورة 25 يناير منذ اليوم الأول، وأطلقت أول إذاعة للثورة في الميدان، فما الذي أثمرته تلك التجربة في داخلك الأدبي؟ أعتقد أن هذه الثورة الرائعة ستثمر الكثير، وأن ما حدث سيشكّل مصدر إلهام كبيراً ولفترة طويلة لي ولغيري من الأدباء والفنانين، بل لكل المصريين. كيف تنظر إلى الثورات الشعبية العربية التي اندلعت في أكثر من بلد عربي؟ أراها وردة يانعة على عود صبار، مهما منعوا عنها الماء تعيش، وإن هاجمها أحد ترد بالشوك، وتحمل الزهور والثمار إلى أرضها. وهذا ما حدث في ميدان التحرير، فقد منعوا عنا الماء والغذاء والدواء، وبقينا صامدين، وحين هاجمونا ذاقوا أشواكنا، وما زلنا نحمل الخير للأمة، لهذا سمّيتها «ثورة الصبار». اعتبر بعض النقاد أن قصيدتك «الطريدة» التي هجوت فيها الرئيس المخلوع حسني مبارك «ليست أفضل ما كتب عبد الرحمن يوسف»، فهل تعتبرها كذلك أم أنك لا تخضع أعمالك لتقييم بعد كتابتها؟ هذه أمور نسبية، تختلف من متذوّق إلى آخر، وأنا أحترم جميع الآراء، إضافة إلى أن القصيدة لا تعتبر هجاء في الرئيس المخلوع مبارك، بقدر ما هي وصف استباقي لما سيحدث في كثير من الدول العربية. مع نجاح الثورة وتراجع القهر والقمع والفساد والإحباط، هل ينتظر جمهور عبد الرحمن يوسف منتجاً شعرياً يتجه نحو المدرسة العاطفيّة؟ في جميع الأحوال القلب يخفق. حدّثنا عن مفهومك للشعر الجيد؟ الشعر الجيد نتاج العقل والقلب، وتوليفة من الصنعة والارتجال، وخلطة من الثقافة والتأمل، وتزاوج بين التقليد والابتكار. إنه محاولة الإنسان أن يكتب نفسه، وأن يترك جزءاً من ذاته لمن بعده ليمنحهم قليلاً أو كثيراً من المتعة والألم والأمل. كيف تنظر إلى دور المثقّف المنوط به في الفترة المقبلة؟ الدور الأول للمثقف في المرحلة المقبلة أن يتعلّم من البسطاء الذين تكبّر عليهم طوال عمره، وأن يحاول أن يشك في مسلماته، وأن يعرف أن الشعوب مدرسة عظمى، وأن الثورة حدثت على رغم تخلي كثر من المثقفين عنها، وأن عجلة التاريخ ليست بانتظار جلالة المثقف لتدور.

المقال السابق
Video featured image

الشاعر عبدالرحمن يوسف ببرنامج 90 دقيقة

المقال التالي

لقاء مع عبدالرحمن يوسف في جريدة الأهرام السبت 26/3/2011 م

منشورات ذات صلة
Total
0
Share