انتصاركم أسمي من السياسة

المقال منشور بجريدة الأهرام 8-10-2011 م  في هذا اليوم العظيم‏,‏ يوم السادس من أكتوبر‏,‏ بعد ما يقرب من أربعين عاما علي لحظة من أعظم لحظات التاريخ المصري‏,‏ أحب أن أتوجه بقلب مفتوح إلي كل المصريين‏,‏ وأخص السادة العسكريين الذين ما زالوا يتشرفون بخدمة الوطن من خلال وجودهم في القوات المسلحة المصرية بهذه الرسالة التي لا أهدف من ورائها إلا عزة مصر. 

إخوتي في القوات المسلحة المصرية, هل تقبلون أن يصف أحد نصر أكتوبر بأنه عمل مخابراتي كان الهدف منه تحقيق مصالح الدول الغربية وأمريكا وإسرائيل؟ (أتحدث عن بطولات المصريين, ولا أتحدث عما جري بعد ذلك من مفاوضات أو مقايضات). 

إخوتي في القوات المسلحة المصرية, هل تقبلون أن يقال عن نصر أكتوبر إنه صدفة, أو أنه تم بدعم أجنبي, وأن كل من تدرب من أبناء القوات المسلحة في الاتحاد السوفييتي مثلا قد تم تجنيده للعمل لصالح أي جهة كانت ؟ هل تقبلون أن توصف بطولات الشهداء والجرحي وقدامي المحاربين بأنها (أحداث أكتوبر) التي أدت إلي تعقيد الوضع علي جبهات أخري ؟ هل تقبلون أن يوصف شهداء هذه الحرب من المدنيين والعسكريين بغير صفة الشهيد بكل ما لها من تقدير وتقديس ؟ لا شك أن كل الضباط المحترمين الحاليين والسابقين لا يقبلون ذلك, بل إن الشعب المصري كله لا يقبل ذلك. 

لذلك اسمح لي أخي ضابط الجيش بكل حب واحترام, وبكل تقدير وإجلال وعرفان بدورك ودور القوات المسلحة, أن أتوجه لك بلوم وعتاب! 


إن ما فعله شباب مصر في ثورة الخامس والعشرين من يناير يعتبر في نظر هؤلاء الشباب علي الأقل مثل ما فعلته أنت في حرب أكتوبر, وحين نزلوا إلي الشوارع والميادين لم يكن يخطر في بالهم أي ولاء لأي جهات أجنبية, ولم يكن يمولهم أي أحد غير مصري, ولم يكونوا عالمين إلي أين ستقود هذه المغامرة, بل كانوا يرون أن ما يفعلونه سيؤدي بهم إلي السجن (غالبا), ورغم ذلك فعلوا ما فعلوه. 

إن شباب مصر الذي ملأ الشوارع والميادين قاموا بثورة شعبية كاملة مكتملة, لا يحتقرها إلا بعض أعدائها في الداخل والخارج, فتراه يتحدث عن شباب الثورة وكأنهم همج لا يهمهم مصلحة الوطن, وتراه يتحدث عن بعض الشهداء علي أنهم بلاطجة عتاة, وتراه يتحدث عن مطالب الثورة وأهدافها بالريبة والشك, وكأنها مطالب أمليت من أعداء مصر, وليست مطالب عادلة جاءت من القرية والمصنع والجامع والجامعة والكنيسة والغيط والمدرسة. 

أنا لا أتحدث عن شباب الثورة الذي تراهم في التلفاز فتتفق أو تختلف معهم, بل أتحدث عن ملايين الشباب الذين لا يعرفهم أحد. أخي في القوات المسلحة المصرية, أنا أعلم أن العسكريين وطنيون, وأعلم جيدا أنهم وطنيون علي طريقتهم العسكرية, ولكني أسألكم بكل إله تؤمنون به: ألا يكفي مصر ستين عاما من الحكم العسكري ؟ 

أخي في القوات المسلحة المصرية, في هذا اليوم المجيد, في عيد أكبر انتصاراتنا العسكرية, أتوجه لك بقلب مفتوح وأقول لك لقد آن الأوان للحفاظ علي نصر أكتوبر من أن يستخدم في مناورات السياسة. 

ألسنا ندعو إلي إخراج الدين من السياسة ؟ فلنجعل الجيش كالدين, أمرا ينبغي أن لا يتلوث بالسياسة, لقد استغل السادات نصر أكتوبر من أجل شرعية حكمه, واستغل مبارك هذا النصر (الذي لم يكن له فيه أكثر من غيره) استغلالا مهينا, حتي إنه ظل يردد إلي آخر لحظة قبل خلعه: (أنا بطل أكتوبر, أنا صاحب الضربة الجوية), وهو يعلم أن هذه البطولات إن صحت لا تغني عنه شيئا بعد أن ظلم الناس, وأهلك الحرث والنسل. 

إن نصر أكتوبر ملك لمصر كلها, ليس ملكا للسادات, وليس ملكا لمبارك, وليس ملكا للمجلس الأعلي للقوات المسلحة, ولا ينبغي أن نسمح بعد اليوم لأي كان باستغلال نصر حققه جميع المصريين في تلميع العرش, لأن في ذلك إهانة للجيش, وإهانة للأمة المصرية, وإهانة للعرش الذي من المفترض أن يجلس عليه رئيس منتخب. 

إنني أكتب ما أكتبه وأنا أعلم أنني قد أدفع ثمنه بعد عام أو عامين, وأعلم أن الثمن قد يكون باهظا, ولكني أطمع أن تكون هذه الكلمة لبنة في جسر تعبر عليه مصر إلي بر الأمان. 


إن بطولات الضباط وصف الضباط والعساكر ومن ورائهم الشعب المصري العظيم لا تمنح لأي أحد حق الحكم, ولا تعطي لأي جنرال الحق في أن يستغل ذلك من أجل أن يخلع خوذته ويرتدي التاج! لا تهينوا نصر أكتوبر باستغلاله في السياسة يا قوم… اللهم إني قد بلغت, اللهم فاشهد.

المقال السابق

الاتحاد قوة

المقال التالي

الشاعر عبدالرحمن يوسف بمعرض الإسكندرية للكتاب 7 أكتوبر

منشورات ذات صلة
Total
0
Share