القائمة الأولى للمجرمين

المقال منشور بموقع عربي 21 بتاريخ 8-7-2018 م

يعتبر البعض أن قانون تحصين كبار القادة العسكريين في مصر قد حدث فجأة ودون مقدمات، والحقيقة أن كاتب هذه السطور قد أشار في مقال سابق بعنوان (الإدارة بالبيادة) نشر في موقع عربي 21 في يوم الأحد (24 حزيران/ يونيو 2018) إلى أن هناك أزمة داخل القوات المسلحة المصرية بسبب إقالة وزير الدفاع (المحصّن دستوريا) الفريق صدقي صبحي، وقد جاء في المقالة : (سؤال ثالث : هل تسبب هذا التصرف من السيد “سيسي” في أزمة داخل الجيش؟

الإجابة : نعم … هناك أزمة !

إذا كانت هناك أزمة فذلك يستتبع سؤالا آخر … ما حجم وأبعاد هذه الأزمة؟

الإجابة : لن يحدث شيء جلل، فأمثال هؤلاء الجنرالات لن يفعلوا شيئا لكبيرهم مندوب إسرائيل، غاية ما في الأمر مجموعة من الترضيات، والمواءمات … لا أكثر !)

هذا القانون هو محاولة أو أجراء لحل الأزمة داخل القوات المسلحة في إطار الترضيات والمواءمات التي ذكرتها في مقالي السابق، وهي أزمة – كما قلت سابقا – ستمرّ، كما مرّت الأزمات التي قبلها.

*       *       *

ما هي النصوص المقترحة أو المفترضة في هذا القانون؟ ما فكرته الرئيسية؟

يقول الخبر : إن ما يسمى مجلس النواب المصري وافق بشكل مبدئي، على مشروع يمنح كبار قادة الجيش المصري الذين يحددهم رئيس الجمهورية جملة من الامتيازات الخاصة.

كان ذلك يوم الثلاثاء في ذكرى انقلاب الثالث من يوليو الخامسة، أي في 3 يوليو 2018.

يمنح هذا القانون القادة الكبار حصانة من المساءلة القانونية عن أي فعل ارتكبوه في أثناء تأديتهم مهام مناصبهم أو بسببها، وذلك خلال فترة تعطيل العمل بالدستور (في الثالث من يوليو 2013) وحتى تاريخ بداية ممارسة مجلس النواب مهامه، في يناير 2016، إلا بإذن من المجلس الأعلى للقوات المسلحة.
بموجب هذا القانون، يستدعي رئيس الجمهورية من شاء من الضباط من كبار قادة القوات المسلحة، ويصدر بأسمائهم قرارا لخدمة القوات المسلحة مدى حياتهم (هكذا بلا معيار لاختيار الضباط … إنها إرادة السيد الرئيس) !

سيتمتع هؤلاء القادة بجميع المزايا والحقوق المقررة للوزراء في الحكومة، بالإضافة إلى تمتعهم بالحصانة الدبلوماسية طوال مدة خدمتهم واستدعائهم، في أثناء سفرهم خارج البلاد، بالإضافة إلى مميزات أخرى يحددها رئيس الجمهورية.

أي أن القانون فكرته الأساسية أن يحصن هؤلاء القادة في الداخل فهم وزراء ولا يجوز مجرد  التحقيق معهم، وفي الخارج كدبلوماسيين، بحيث يصعب استدعاؤهم للمحاكمة في الداخل، ويصعب مطاردتهم في قضايا دولية في الخارج.

*       *       *

حين نتحدث عن برنامج للعدالة الانتقالية بعد انتهاء هذه الحقبة السوداء قريبا سنجد أن السيد “سيسي” قد منحنا ببساطة القائمة الأولى للمتهمين …!، كل من شمله هذا التحصين متهم، ولو لم يكن متهما لما حصنه أحد، قائمة واضحة، لا لبس فيها.

صحيح أن القائمة الحقيقية قد تطول وتشمل كثيرا من المجرمين، ولكن الاستقرار على أول أو أهم قائمة سوداء من مجرمي الحرب الذين ارتكبوا جرائم ضد الإنسانية في حق شعبهم أمر مهم، والشكر كل الشكر للسيد “سيسي” الذي أراد أن يحصن نفسه وعصابته، فوضع الكلابشات في يديه وأياديهم !

*       *       *

هل حصنت القوانين أحدا قبل ذلك؟

كان بإمكاني أن أستعرض تاريخ كثير من الطغاة في هذا المحور من الحديث، بإمكاني أن أتحدث عن السيد (خورخي فيديلا) … “سيسي” الأرجنتين، وقد كان واثقا من نفسه لدرجة أنه لم يُصدر أي قوانين لتحصين نفسه، ولكن حين جاء موعد العدالة الحساب قام صغار الضباط بإثارة الفوضى في البلاد ليحصنوا أنفسهم، فصدرت قوانين حصنتهم واستفاد (فيديلا) من تلك القوانين … ولكنه في النهاية حوكم، ومات ذليلا.

كان بإمكاني أن أتحدث عن (كنعان إيفيرين) … “سيسي” تركيا، وقد عرفت تركيا أكثر من “سيسي، وهو أيضا حصّن نفسه بكل القوانين الممكنة، ولكن في النهاية حوكم، ومات ذليلا، بعد أن صوّت الشعب في تعديلات دستورية عام 2010م ألغت المواد الدستورية التي حصن بها نفسه وعصابته.

كان بإمكاني كذلك أن أذكر (بينوشيت) … “سيسي” تشيلي، وقد حصّن نفسه بعضوية مجلس الشيوخ إلى الأبد، وفي النهاية حوكم، ومات بعد أن جلبته يد العدالة من لندن، ليقضي آخر سنوات عمره في أروقة المحاكم، ثم أنقذه الموت قبل أن يسجن.

بإمكاني أن أذكر كثيرا من الطغاة والعسكريين … ولكن المفارقة المضحكة أن ذكر هؤلاء في هذا الموقف عبث … فكيف أذكر السادة الذين يحصنون أنفسهم بالغريب بينما “القريب” حاضر !

إن رأس الذئب الطائر حاضرة، لو كان ينفع التحصين لما خلع السيد الفريق “صدقي صبحي” من موقعه كما يخلع الحذاء القديم !

*       *       *

بقيت عدة أسئلة :

ما دلالة إصدار هذا القانون؟

الدلالة الأولى كما ذكرت هي احتواء الأزمة داخل المؤسسة العسكرية.

وذلك يستتبع سؤالا آخر : هل يمكن احتواء الأزمة بهذا القانون؟

سيحتويها مؤقتا، وستظهر أزمات أخرى في أماكن أخرى … فهذا القانون سيحصن كبار القادة، وسيحصن أعضاء في الجيش فقط، وبالتالي ستظل الرتب الصغيرة والمتوسطة خارج إطار التحصين، كما أن جميع أجهزة الأمن التي ساهمت في القتل أكثر من الجيش ستظل عرضة لأي انتقام أو قصاص.

هل هناك بوادر لتنازل العسكريين عن السلطة؟

يروّج البعض ذلك … والحقيقة أن عسكر مصر – حتى الآن – لم يصلوا إلى أي درجة من درجات الاقتناع أو الاضطرار للتنازل عن السلطة.

هل هناك مساع دولية لذلك؟

هناك بعض المحاولات لفهم ما يحدث في مصر، وللتخطيط لجميع السيناريوهات، بما في ذلك سيناريوهات الانفجار المفاجئ، أو الفراغ المباغت في رأس السلطة.

*       *       *

إن النظام المصري قد يبدو قويا، ولكن الحقيقة أنه هش إلى درجة يصعب على الكثيرين تصورها، وهو يعاني من معضلات سياسية، واقتصادية، ستظهر إن عاجلا أو آجلا، والحبل السُّرِّي الذي يمدّ النظام بالمساعدات سينقطع، والظهير الشعبي الذي سانده يوما ما تلاشى بل يكاد يكون غير موجود.

إن هذا القانون كان مخططا له أن يصدر في اليوم نفسه، ولم يصدر لأسباب إجرائية تتعلق بالعدد اللازم من نواب البرلمان، ذلك أن نواب ما يسمى بالبرلمان المصري لا يحضرون الجلسات، فعضويتهم لهذا الشيء ليست أكثر من حصانة، وباب ارتزاق، ولولا ذلك لصدر القانون في الثالث أو الرابع من يوليو، أي أن مناقشة القانون لم تستغرق سوى يوما واحدا فقط.

إن هذا النظام يعلم جيدا أنه سيسقط، وأنه سيحاسب، وللأسف الشديد نرى من يقاوم هذا النظام يظنه غير قابل للإسقاط، وغير قابل للهزيمة.

شكرا للسيد “سيسي” على القائمة الأولى للمتهمين، وليتأكد الجميع أن بقية القوائم موجودة، وسوف يأتي يوم الحساب، وسيكون ذلك بالعدل لا بالانتقام، وبالقانون لا بالثأر.

رابط المقال على موقع عربي 21

المقال السابق

في انتظار المستحيل!

المقال التالي

كُلُّنَا أُمُّ خالد سعيد !

منشورات ذات صلة
Total
0
Share