الشاعر عبدالرحمن يوسف في حوار خاص لبيت فلسطين للشعر الأحد 24/1/2010 م .

Article featured image

دمشق – بيت فلسطين للشعر
حاوره وسام الباش :

ببسمته المعهودة وبخطوته الواثقة المسير استقبلنا الشاعر المصري عبد الرحمن يوسف في محل إقامته بدمشق. وبكلمات ترن في الأذن معلنة نشيد البوح عن هموم الشاعر المصري ومعالجته لقضايا أمته بدأ الأستاذ يوسف حواره معنا وبدأنا حوارنا معه وكانت هذه الكلمات : أستاذ يوسف قيل إن الكلمة بعد حرب غزة وقفت عاجزة عن وصف هول المجزرة والمشهد الغزي الدامي ما رأيك بهذا القول ؟
هناك كلمة عاجزة وكلمة أخرى غير عاجزة لا يوجد وصف نستطيع تعميمه على كل الكلام وعلى كل النصوص الأدبية هناك بعض النصوص وبعض الكلمات بطبيعتها عاجزة كتبها عجزة ويستمع إليها عاجزون لتؤدي إلى مزيد من العجز وإلى مزيد من بتر الحلم وهناك كلمة بطبيعتها مورقة ومثمرة تؤدي إلى مزيد من الثمر ومزيد من الأمل.
بين ديوانك نزف الحروف وديوان أمام المرآة فترة زمنية قاربت 11 سنة بماذا تفسر هذا الانقطاع الطويل بين الإصدار الشعري الأول والإصدار الشعري الثاني ؟
لقد كان هناك ظروف شخصية اقتضت مني أن أتوقف عن النشر ولكني لم أتوقف عن الكتابة وهذه الفترة كتبت خمس أو ستة دواوين لم ينشر منها سوى ديوان واحد ولكني لم أتوقف عن الكتابة ..تجربتي لم تتوقف هذه الفترة ولكن الذي توقف هو النشر فقط .
تميل في نصوصك إلى الشعر السياسي الساخر وأنت تعلم أن مصر أم الشعر السياسي الساخر فما الفرق بين هذا النوع من الشعر وغيره من أنواع الشعر المعاصر برأيك ؟
الشعر السياسي الساخر جزء من تجربتي وهو يشكل حجما صغيرا من مجمل تجربتي الشعرية وتجربة الهجاء السياسي عموما تجربة أقرب إلى السطح منها إلى العمق وبفضل الألم أستسلم لتصفيق الجماهير للشعر السياسي وحاولت أن أعمق تجربتي بأشكال شتى في مواضيع شتى. الكتابة الساخرة فن وهي سهل ممتنع من الممكن أن يكون بابا للجماهيرية العريضة ومن الممكن أن يكون مقصلة للشاعر أو فخا للشاعر بالطريقتين إما أن يستهلك تجربته في هذا النوع من النكات أو السخرية وإما أن يبالغ في هذا الأمر بحيث يصبح سخيفا على مسمع الناس . فهناك فخان في هذا الموضوع .أعتقد أنني قفزت فوق هذا الفخ ولم أقع فيه لرغبتي في تعميق تجربتي أولا وعدم الوقوع في أسر تصفيق الجماهير التي تحب الشعر السياسي.   أين يقع شعر أبناء مصر مما يحدث على أرض فلسطين ؟
شعر أبناء مصر عموما موقفه موقف جيد من المقاومة نستطيع أن نقول أن عواطف الشعراء والشعب المصري عموما مع القضية الفلسطينية حتى وإن اتخذت مواقف رسمية توحي بغير ذلك حتى وإن دافع عنها بعض جهلاء المصريين ولكن ما حدث أثناء حرب غزة نفسها جعل مئات الآلاف من المصريين يخرجون على الشوارع في مظاهرات ووقفات احتجاجية وإضرابات واعتصامات وهذا الخروج الكبير لم يحدث في أي قضية على المستوى الداخلي . في عز أحداث وسخونة الأحداث الداخلية كالانتخابات أو حدوث بعض الكوارث كغرق العبارات أو احتراق وتصادم القطارات لم يحدث أن تظاهر أحد . في يوم واحد ربما مليون مصري خرجوا إلى الشوارع نصرة لغزة ..ألقيت قصيدة في أحد المرات في قرية صغيرة اسمها حوش عيسى في محافظة البحيرة كان يوجد أكثر من 10 آلاف متظاهر. عموما عواطف الشعب وموقف المواطن الفن المصري والشعر المصري موقف جيد من القضية الفلسطينية وإن كان هناك حالة من الطمس والتسطيح كل ما يحدث الآن هو محاولة لتسطيح قضايا البلد فنجد عدد من الأصدقاء يرون من سوريا على سبيل المثال يجدون في مصر ما لا يتوقعون ..أحد الأصدقاء السوريين في زيارة له لمصر قال لي ( عايز أشوف بلد جمال عبد الناصر) فقلت له ( لقد رأيتها بلد اللنبي أليس كذلك ) قال لي بالضبط.
هل يستطيع الشعر العربي اليوم أن يؤسس لمرحلة أدبية جديدة توقظ الشعوب من غفواتها كما كانت مرحلة السبعينيات والثمانينيات ؟
المشكلة الآن هي أن عدد المبدعين قليل والكتابة باللهجات العامية تزاحم الكتابة بالفصحى , والكتابة بالفصحى هي القادرة على القسمة على جميع العرب. وبرأيي أن الشعر العربي يستطيع أن يقوم بهذا الدور ولكنه يحتاج إلى كثير من الجهد لتبني مواهب حقيقية وصقلها ووضعها على الطريق الصحيح فنيا وفكريا لأن الالتزام في الأدب لا تستطيع أن تفرضه على الكاتب بل هو يولد مع الإنسان أو يولد في الإنسان ويكون موجودا بالسليقة والفطرة داخل الكاتب.
بالنسبة للشعر باللهجة المحكية ألا تظن أن الشعراء الذين كانت معظم نتاجاتهم بهذا اللون أكثر تأثيرا في الجماهير مثل الشاعر أحمد فؤاد نجم ؟
نعم هناك تجارب ناجحة ونتاجات جيدة في الشعر المكتوب باللهجة المحكية ولكن أكثر التجارب نجاحا في القرن العشرين هي تجربة نزار قباني وأحمد مطر ومحمود درويش الذين كتبوا بالفصحى ولم يكتبوا بالعامية أبدا والفصيحة برأيي هي الأكثر انتشارا بين الجماهير .وهذا ليس تقليلا من العامية ولكن تجارب العامية فيها بعض الأخطار على الفصحى ليس عيبا أن يكون هناك شاعر أو مائة شاعر يكتبون بالعامية العيب أن لا يكون لدينا شاعر فصحى . إن الخوف الذي يعترينا هو أن يتم تفريغ الساحة من شعراء الفصحى . في مصر مثلا قد يتم تفريغ الساحة من الشعر الفصيح بسبب انحدار مستوى التعليم باللغة الفصحى وهذا يؤدي إلى الاستسهال هو المنطق وتتحقق الكتابة باللهجة العامية انتشارا واسعا وتحقق النجومية والتعبير عن الأفكار وتحقق الجماهيرية …المسألة تصبح استسهال في استسهال . أدلل على ذلك بأنه يوميا تعرض علي مواهب جديدة 90% منها يعاني أزمة لغة . وبعد ذلك يلجأ هؤلاء إلى الكتابة باللهجة العامية لأنهم لم يستوفوا الشروط في حدها الأدنى من امتلاك اللغة العربية الفصحى .
كيف تقيم الشعر العربي في شمال إفريقيا مصر.. ليبيا …الجزائر ..المغرب وبم تعلل هذا الانقطاع بين الغرب والشرق العربي ؟
للأسف أهل المشرق العربي معزولون عن أهل المغرب العربي …في إحدى زياراتي للجزائر وجدت مواهب حقيقية لم أكن أسمع عنها..وأعتقد أن هناك كثيراً من المواهب في المغرب العربي لا نسمع عنها في المشرق … وبالرغم من أني وجدت الناس تعرفني هناك إلا أني لا أعرف أحدا هناك . وأعلل هذا الانقطاع لأن كل من يعمل في الإطار الثقافي والأدبي في الظل ..نحن في عصر نجوم الكرة والسينما والفيديو كليب … إن نجومية الشاعر هي نجومية نسبية ليست نجومية مطلقة ..وللأسف اليوم لن تكون نجما إلا إذا كنت تافها. يعني النجومية اليوم ليست لتميم البرغوثي بل لأبو تريكة وليست لعبد الرحمن يوسف بل لـ ……..بصراحة لا أريد أن أذكر أسماء ممثلات ومطربات .
أستاذ عبد الرحمن بمن تأثرت من الشعراء قدماء ومعاصرين وما أكثر ما تردد من قصائد؟
أستطيع أن أخبرك لمن قرأت ولمن استمتعت ولكن لا أستطيع أن أخبرك بمن تأثرت فهذا شأن النقاد ووظيفتهم . لقد قرأت للمتنبي وابن الفارض وابن الرومي وأبي تمام وأحمد شوقي وحديثا قرأت لأمل دنقل ومحمود درويش. وقرأت أحمد مطر بكل نتاجاته.
هناك من يقول إنه لا يوجد حركة نقدية حقيقية في الوطن العربي ما رأيك ؟
أنا أقول إنه يوجد حركة نقدية سلمت نفسها للخطيئة أو باعت نفسها للشيطان. يوجد نقاد كبار وكلنا نعرفهم وبإمكاننا الآن أن نعد ورقة فيها عشرة أسماء لنقاد كبار ولكنهم باعوا نفسهم لمن يدفع أكثر. قوانين الجوائز والمسابقات غير النزيهة …كلها غير نزيهة ولا أجد استثناء ..أسماء كبيرة ونقاد محترمون من الوزن الثقيل وهؤلاء بالمناسبة ليسوا جهلاء بل علماء في النقد وبعضهم قرأت له واستفدت منه ولكن سلوكه هو سلوك يهوذا الأسخريوطي وليس سلوك المسيح .
إن الحديث عن النقد والنقاد يقودنا إلى سؤال هام يدور حول قصيدة النثر على وجه الخصوص وهو لماذا هذا الهجوم على قصيدة النثر حتى أن بعض النقاد يرفض أصلا تسميتها بقصيدة ؟
أيضا هذا موضوع نقدي لا أحب أن أتعرض له ..أنا لم اكتب قصيدة النثر كتبت الشعر الكلاسيكي كتبت الشعر العمودي وكتبت شعر التفعيلة ولكني لم اكتب قصيدة النثر لأني لم أتذوق قراءتها ولم أتأثر بهذا النوع من النصوص .بغض النظر عن جدواها أنا باختصار أكتب ما أحس أنه يمتعني أنا أولا ..إن تجربتي بالدرجة الأولى تجربة ذاتية وأنا لا أكتب ما يكلفني به أحد حتى ولو كان هذا الأحد هو الجماعة .
ما هي الرسالة التي توجهها للإعلام العربي وطريقة تعاطيه مع الشعر والشعر .. وهل تعتبره منصفا أم مقصرا مع الأدب ؟
إن هذا الموضوع موضوع سياسي ولا أعتبر الإعلام مسؤولاً..لا يوجد في ساحتنا العربية إعلام حيادي ولا ينبغي أن يكون الإعلام محايدا ..الإعلام المحايد هو إعلام تافه ..الإعلام يجب أن تكون له وجهة نظر. عن الإعلام الجيد هو الإعلام الذي يملك أيديولوجيا يستطيع أن يعرضها على المجتمع ويقنع بها المشاهد والقارئ بطريقة حيادية دون أن يجبره إجبارا على ذلك . الإعلام المحايد ليس إعلام الجزيرة على سبيل المثال قناة الجزيرة ليست محايدة ولكنها محترفة .. الحياد هو الالتزام بالمهنية وليس أن تكون دون وجهة نظر ..بالعكس دائما الإعلاميون الذين لا يملكون وجهة نظر لهم في الحياة يكونون على قدر كبير من التفاهة ومستخدمين من أشخاص لهم وجهة نظر .
بالعودة إلى غزة هل تعتقد أن الأقلام العربية كتبت ما يكفي عن غزة وعما جرى ويجري في غزة ؟
من ناحية الكم نعم هناك كم كبير ولكن من ناحية الكيف من الممكن أن نختلف في مسألة الكيف ، وهذا ليس في موضوع غزة فقط هذا في كل المواضيع نحن الآن أمام إنتاج ضخم في كل شيء حتى في الأمور التجارية والصناعية أمامنا إنتاج ضخم ولكن من ناحية الكيف أنا أسأل كم في المائة ننتج فكريا وثقافيا وصناعيا وتجاريا نتقن الصنع هذه هي الفكرة ويسري على الشعر ما يسري على بقية منتجات الحياة .
هل تريد أن توجه من خلال منبرنا كلمة أخيرة إلى شعب مصر الذي نعتز به ونكن له كل المحبة والاحترام والذي قدم الشهداء تباعا لفلسطين ؟ 
فقط أريد أن يعرف الجميع أن النظام المصري يدفع الجزية لإسرائيل وأمريكا بالغاز وبالجدر الفولاذية وغير ذلك . ولا يعني ذلك أن مصر باعت دورها أو خانت أمتها أبدا نحن الآن ثمانين مليون نسمة رهائن على متن سفينة مختطفة يقودها بعض القراصنة إلى مصير مجهول وبإذن الله سوف نتحرر من قبضة هؤلاء القراصنة لتعود السفينة إلى مرفأها سالمة بإذن الله .
كلمة أخيرة لبيت فلسطين للشعر …
تحية كبيرة لكم ولجهودكم وجهادكم وتمنياتي لكم بالتوفيق والاستمرارية

المقال السابق
Article featured image

مشاركة الشاعر بالمرافعات الثقافية بالعاصمة السورية الأحد 24/1/2010 .

المقال التالي
Video featured image

قصيدة ( في الأفق نور ) للشاعر عبدالرحمن يوسف

منشورات ذات صلة
Total
0
Share