نكوص (1-2)

المقال منشور بجريدة اليوم السابع 14-10-2012 م 


قال الله سبحانه وتعالى فى كتابه الكريم: «ولقد كرمنا بنى آدم»، ومن أهم ما تميز به الخطاب القرآنى أنه يعتبر البشر كلهم أمة واحدة، فناداهم بقوله : «يا أيها الناس». وكلما تحضر الإنسان زادت انتماءاته اتساعا، وزادت ولاءاته رحابة، حتى تصل إلى حد الانتماء والولاء للجنس البشرى كله. 

أما حين يتخلف الإنسان فإنه ينكص على عقبيه، فتراه يرضى بانتماءات وولاءات أضيق، فيترك الأفق الإنسانى الرحب إلى ضيق التحيزات الزمانية والمكانية المختلفة. حين تخوض الشعوب معاركها وتحدياتها الكبرى ترى الرابطة بين أبناء الشعب فى اتساع، فتجد أبناء الوطن كلهم صفا واحدا، لا يفرقون بين شمالى وجنوبى، أو بين أبيض وأسمر، أو بين غنى وفقير.. تتوه هذه الفروقات، وتنتصر رابطة الوطن من أجل أن يكسب الشعب التحدى الذى يقف بوجهه. 


هذا ما حدث فى كثير من التحديات الكبرى فى مصر، وكان آخرها ثورة يناير المجيدة، فقد وقف الشعب المصرى كالبنيان المرصوص، لم يتذكر أحد حينها الفارق بين فلاح وعامل، أو بين نوبى وبدوى، أو بين كبير وصغير، إذ ذابت الفروق، وأصبح الناس فى حالة يستحقون معها أن يوصفوا بكلمة «شعب»! ما حدث يوم الجمعة الماضية الثانى عشر من أكتوبر 2012 كان نكوصا عن كل ما حدث فى ثورة يناير. 


كان نكوصا عن إنسانيتنا أولا، ثم عن وطنيتنا! فى الأزمات يحدث الترابط، كما حدث فى الثورة، أو يحدث النكوص، فترى العرى تنفصم، وترى الروابط تتفكك، لهذا وجدنا خلال الأزمة من يترك رابطة الوطن إلى رابطة الحزب، وقد تتصاغر الولاءات والانتماءات حتى نجد غدا من يرضى بولاءات وانتماءات أضيق، فلا تستغربوا حين تجدوا من يترك الوطن لكى يحمى القبيلة، أو العائلة الكبيرة، أو حتى العائلة الصغيرة. 


ما حدث فى الميدان كان نكوصا عن كل ما ترسخ فى وجدان المصريين عبر بطولات عظيمة سطرت بالدم، وما كان لهذه المعانى العظيمة أن تترسخ إلا بالدم. لقد تهور الطرفان، وهذا ليس إمساكا للعصا من المنتصف، بل هو كلمة حق فى وجه الجميع، ومن يقولها سيخسر الطرفين، وسيحاربه الكل، ولن يجد من يحميه من هؤلاء ولا من هؤلاء، وسأكمل كلمتى غدا بإذن الله.   


موقع الكترونى: www.arahman.net 
بريد الكترونى: [email protected]

المقال السابق
ديوان على راسها بطحة

عبدالرحمن يوسف في مكتبة الشروق الثلاثاء 16 أكتوبر 2012 م

المقال التالي

نكوص (2-2)

منشورات ذات صلة
Total
0
Share