مُسَلَّمَاتُ العنف

المقال منشور بجريدة الشروق 26-1-2013 م  


مجموعة من المُسَلَّمَات يتداولها الإعلام، وربما خلقها الإعلام من العدم، ويرددها كثير من الشباب بحسن نية فى كثير من الأحيان. هذه المُسَلَّمَات المزعومة قد تؤدى فى النهاية إلى مشهد دموى عنيف، يحرق الأخضر واليابس، فى بلد لم يعرف الحروب الأهلية من قبل. أول هذه المُسَلَّمَات أن مبارك كان رئيسا منتخبا! فهناك من يقول لا يجوز إسقاط رئيس منتخب، فيخرج أشخاص من رحم الفراغ الفكرى ليقولوا لك: «ما المشكلة فى إسقاط رئيس منتخب؟ ألم يكن مبارك منتخبا؟»، والحقيقة أن مبارك لم يكن منتخبا فى أى يوم من أيام حكمه، ولو كان هذا المبارك منتخبا لما ثرنا ضده، ولو كان متاحا أن نرشح أحدا ضده لتصرفنا بشكل مغاير تماما، ولأسسنا أحزابا، ولأسقطناه بصندوق الانتخاب دون أن نفقد مئات الشهداء من خيرة شباب مصر. 


ثانى هذه المُسَلَّمَات أن الانتخابات والاستفتاءات مزورة، وبالتالى الرئيس الموجود والنظام كله غير شرعى، تماما مثل النظام الذى سبقه. ويتناسى البعض أن تزوير انتخابات يصوت فيها عشرون مليونا (أقل أو أكثر) أمر مستحيل، وأن المخالفات التى يتحدث عنها البعض لا تعتبر تزويرا، وأن هناك فارقا كبيرا بين تزوير إرادة الناخبين (بالعبث فى الصناديق)، وبين التأثير فى إرادة الناخبين، فالإسلاميون يؤثرون فى إرادة الناخبين بالدين، والتيار المدنى يؤثر فيها بالإعلام، وكلا الأمرين لا بد أن توضع له ضوابط، ولكن لا يعتبر هذا التأثير تزويرا. 


ثالث المُسَلَّمَات تدور حول جهل الشعب، وأن الشعب المصرى (مغفل)، وقد ضحك عليه الإسلاميون، وغالبية المصريين تسير مسرنمة خلف التيار الإسلامى لكى تدخل الجنة، ولا يمكن تغيير هذا الأمر بأى حال. رابع المُسَلَّمَات أن الطرف الآخر (سواء كان إسلاميا أو مدنيا) له اتفاقات مع الخارج، وجميع تحركاته ليست إلا صفقات مع أمريكا وإسرائيل وقوى الاستبداد والاستعمار الإمبريالية. وبالتالى يصبح أنصار كل فريق يظن أن معه الحقيقة الكاملة المطلقة، فهؤلاء يظنون أن معهم الدين، وهؤلاء يظنون أنهم حازوا الوطنية، فتجد هؤلاء يصفون خصومهم بالكفرة (يخرجونهم من الملة)، وترى الآخرين يصفون الآخرين بالخرفان (يخرجونهم من الإنسانية)! خامس المُسَلَّمَات أن العمل السلمى غير مجد، وأن الثورة قد هزمت بسبب سلميتها، وأن الحل فى العنف. 


يساعد على انتشار مُسَلَّمَات العنف تلك عدة أمور، أولها تأخر القصاص، ولا يمكن لعاقل فى بلد قامت فيه ثورة شعبية عظيمة أن يتخيل أن مئات القتلى قد سقطوا بالرصاص الحى ثم يمر عامان دون أن يدان شخص واحد! لقد حصل الجميع على البراءة، وهذه دعوة لعنف واستفزاز لا مثيل له. ومما يساعد على انتشار مُسَلَّمَات العنف أن التيار الحاكم لا يساعد على طمأنة الناس، بل هو مشغول بملء المساحات الفارغة فى الحكم بأهل الثقة، ولم يشغل نفسه بوضع أهل الكفاءة لكى يخفف عن الناس. ما أسوأ أن تدار الدولة بطريقة التنظيمات السرية، وما أسوأ أن تكون النخبة ممتلئة غرورا، أن يكون البسطاء وحدهم بلا عقل حكيم ينير لهم وبهم الطريق .

المقال السابق

هل ماتت سلمية؟

المقال التالي
Video featured image

عبدالرحمن يوسف يعلق على أحداث الذكرى الثانية للثورة

منشورات ذات صلة
Total
0
Share