مواقف من المشنقة

المقال منشور بموقع عربي 21 بتاريخ 24-2-2019 م

هل يمكن أن نوقف دائرة القتل الإعدام في مصر؟

الكل يسأل هذا السؤال، والإجابات تتفاوت.

البعض يظن أن وقف الإعدامات قد يكون بالاستسلام للديكتاتور !

يقترح بعض الشباب (المخلصين) أن يعلن الجميع استسلامهم، مقابل أن يتركنا في حالنا، وبذلك نوقف الإعدامات ونفرج عن المعتقلين، حتى لو كان الثمن بقاء المنفيين في منفاهم، بل لا مانع من خروج المعتقلين من السجون إلى المنافي لا إلى بيوتهم … المهم أن لا تعض المشانق رقاب مزيد من الأبرياء.

والحقيقة أن الإجابة في رأيي خاطئة، فهذا النظام لن يقبل منا الاستسلام، ولن يقبل منا الهزيمة، مهما فعلنا، ولو أنه قتلنا جميعا سيخترع أشخاصا آخرين لكي يصورهم كأنهم ثوار، ليحاكمهم، ويشنقهم، ولكي يظل في نظر الداخل والخارج بطلا يحارب الإرهاب، ويمنع عن أوروبا مراكب اللاجئين، ويحافظ على أمن إسرائيل من “التطرف”.

إن كل من يدعو “سيسي” للمصالحة يشبه من يدعو شخصا نباتيا إلى وجبة (كوارع) !

أو كمن يحاول إطعام البقرة لحما نيئا طازجا !

هذا الشخص لا يفكر بهذه الطريقة، وهو ماضٍ في طريقه إلى النهاية، لا يملك أن يتراجع عنه، وتراجعه تعني نهايته سياسيا (وأكثر)، فمشروعه الأزمة، وسبب بقائه الصراع، وإذا انتهت الأزمة أو انفض الصراع … سيصبح من الطبيعي أن يرحل.

هو … يفهم ذلك جيدا !

لذلك سيظل يختلق الأزمات، ويعمق الصراع، ويحقق خلال ذلك مصالح أعداء الوطن، لكي يستمر في الحكم إلى ما لا نهاية.

***

هناك من يرى أن الحل هو الضغوط الدولية !

والحقيقة أن الضغوط الدولية قد يكون لها نفعها كمسكن موضعي مؤقت، فحين تزداد يمكن أن يؤجل النظام بعض الإعدامات، وأن يحسن من إجراءاته في التقاضي، ولكن كل ذلك سيكون تكنيكا مؤقتا حتى يحسن موقفه مرة أخرى ثم ينقض بالشراسة نفسها أو أكثر.

الضغوط الدولية لا تجدي مع نظام مستعد أن يقدم تنازلات ضخمة مقابل الاستمرار في الحكم، خصوصا في ظل ضعف المعارضة وتفرقها.

***

الرأي الثالث وهو ما أرجحه … لا حل سوى إسقاط “سيسي” نفسه !

هذا الرجل لن يتغير في عهده أي شيء، وسيستمر في العنف مهما طال بقاؤه، وهو عبء على غالبية القوى في الداخل والخارج، وهو رئيس شديد الضعف، وليس من الصعب أبدا إسقاطه.

إذا كان الأمر كذلك فلماذا يستمر؟ ولماذا لا يسقط؟

السبب معروف، هو مستمر في السلطة لأنه يحقق مصالح خارجية دولية وإقليمية، كما أنه لم يسقط حتى الآن لأن معارضيه متفرقون.

لقد قدمت مصر آلاف الشهداء، وما زالت تقدم، وستستمر في التضحية بأبنائها على مذبح الحرية، ولكن – وللأسف الشديد – برغم حجم التضحيات الكبير لم يتمكن معارضو النظام من منح الحرية لهذا الشعب، بسبب تشوش رؤيتهم، وخلافاتهم السطحية التي تفسد كل عمل.

***

من ضمن المواقف من المشنقة … بعض المواقف التي سجلت تعليقا على قيام النظام بشنق الشباب التسعة (في العشرين من فبراير 2019) الذين لفقت لهم تهمة اغتيال النائب العام السابق عام 2015.

الموقف الأخلاقي والديني والقانوني والسياسي السليم هو استنكار هذا العمل، فهو قتل مع سبق الإصرار والترصد، بلا أي جرم، وهؤلاء الشباب نحسبهم شهداء، ماتوا مظلومين قولا واحدا.

كما أننا لا نكتفي بالقول إن محاكمتهم باطلة، وأنه لا يوجد دليل على قيامهم بهذه الجريمة، بل نقول العكس، إن هناك أدلة حقيقية تدل على أنهم جميعا لم يشتركوا في هذه الجريمة، وكلهم أثبت ذلك، بطرق شتى !

من المؤسف أن بعضا ممن يحسبون على الثورة كانت مواقفهم شديدة الميوعة في استنكار هذه الجريمة، فالبعض استنكرها في إطار رفضه لحكم الإعدام عموما، فهو يرفض أن يعدم أي شخص، مهما فعل من إجرام، وهذه وجهة نظر نحترمها، ولكني لا أحترم من يتخفى خلف هذا الرأي لكي لا يقول بصراحة … أنا ضد إعدام هؤلاء بالذات، لأنه يستكثر عليهم أن يشهد لهم بالمظلومية، لأنهم من تيار فكري لا يعجبه !

أما أسوأ ما كتب في هذا الأمر … فهو من لم يكتف بمجرد استنكار أحكام الإعدام في المطلق، بل إنه استنكر أن يقال عنهم أبرياء، فصحيح أنهم ليسوا مذنبين، ولكن ذلك لا يعني أنهم أبرياء أيضا (هناك من كتب ذلك للأسف من المحسوبين على الثورة).

وكأنه بذلك يقول إن هؤلاء أو بعضهم كان يمكن أن يعدموا بحق لأنهم مجرمون، ولكنهم – يا لسوء الحظ – أعدموا بالباطل لأن إجراءات المحاكمة لم تكن سليمة.

هذه الفلسفة الفارغة من أي مضمون أخلاقي عار على أصحابها، ونحمد الله أن من جاهر بهذه الآراء ليسوا سوى قلة شاذة لا وزن لها في معسكر الثورة.

لقد حوسب هؤلاء الشباب أحياء، وحوسبوا حتى بعد إعدامهم لأنهم أسلاميون، يعتنقون فكرا لا يعجب بعض أدعياء الحرية الذين لا يعجبهم أن يخرج آباؤهم ليبكوهم بقصائد شعر تمجد الجهاد والاستشهاد، وكأن ذكر الجهاد أو الشهادة في هذا الموضع اعترافا بأنهم قتلوا بالفعل، وهذه نظرة شديدة السطحية، لا تراعي ثقافة الآخر وتجهل رؤيته للكون والحياة، وتسيء الظن بملايين من أبناء الوطن.

***

إن الموقف من الإعدامات موقف أخلاقي ثابت، هذا قتل منظم من دولة فاقدة للشرعية، وكل ما سوى ذلك هذر، وكل محاولة تبرير ليست سوى فعلا حقيرا لا علاقة لمن يؤمن بالحرية به.

ومواجهة الإعدامات – بالمشانق أو بالرصاص الحي – لن تكون إلا بإسقاط النظام.

أما كيف يمكن أن نسقط هذا النظام؟

ففي رأيي أن ذلك لن يتم إلا بتوحيد أكبر كتلة من المعارضين للنظام، ولشخص “سيسي”، لمقاومته بشكل سلمي يؤدي إلى سقوطه، واستئناف التحول الديمقراطي من جديد.

وفي رأيي أن الاشتباك مع الواقع هو الحل، ومعركة التعديلات الدستورية المزعومة هي البداية، وهي السبب المباشر في تنفيذ هذه الإعدامات الآن.

إن الاشتباك مع معركة التعديلات واجب، والأفضل أن يكون الاشتباك بالتصويت بلا، بدلا من المقاطعة، فالمقاطعة أصبحت عملا محدود التأثير، وعدونا أصبح يتقن التعامل معه، ولا جدوى من تكرار هذا الأمر بعد أن جربناه مرات ومرات.

كيف يمكن أن تنجح المشاركة في التصويت في إسقاط النظام؟

سأعود لذلك قريبا …

عبدالرحمن يوسف

رابط المقال على موقع عربي 21

المقال السابق
Video featured image

عبدالرحمن يوسف يدافع عن شباب الإخوان المسلمين: سبقوا قياداتهم للميادين

المقال التالي

المعارضة.. بين الداخل والخارج

منشورات ذات صلة
Total
0
Share