مواطنون؟ أم أقباط؟

في بداية هذه المقالة أعزي أولا كل مسيحي مصري أو غير مصري تألم من موت هؤلاء الفقراء الذين احترقوا وهم يتعبدون إلى ربهم في كنيسة “أبو سيفين”، تلك الكنيسة المصرية الفقيرة، في يوم الأحد الموافق للرابع عشر من أغسطس من هذا العام 2022م.

وأعزي ثانيا كل إنسان تألم لهذا الحدث الأليم أيا كان دينه أو معتقده..

وأؤكد على أنني أعزي من منطق إنساني بحت، يحترم كل إنسان، ويحترم حق اختيار الإنسان لدينه، وحقه في التعبد لإلهه الذي اختار..

لقد استدعى الحادث وتفاصيله شجنا عميقا، خصوصا حين تلا الحريق حرائق أخرى في عدة كنائس، مع بعض تصرفات من النظام الحاكم تتعلق بطمس الأدلة في موقع الحادث الأول تدعو إلى بعض الشك في المسألة من أصلها، وهل هي حادث طبيعي؟ أم حادث مدبر؟ كما اعتدنا قبل ذلك في عشرات الأحداث خلال سنوات حكم العسكر السوداء، التي دأب خلالها على استخدام الأعمال الإرهابية ولا سيما ضد الأقباط في إلهاء الرأي العام، أو في تفريق الشعب لكي لا يتحد الناس ضد الظلم.

سأستدعي هنا هواجس المصري المسيحي، وسأرد عليها بصراحة وإنصاف قدر المستطاع، ويشهد الله أن لا غرض لي سوى إحقاق الحق، ومصلحة الوطن..

سأستدعي الخطاب القبطي، من خلال تدوينة على الفيس بوك لمواطن مصري مسيحي اسمه (إيمانويل عاطف فهمي)..

يقول: (المسيحيون في مصر يقومون ببناء الكنائس خلسة، وفي المناطق الفقيرة بالذات يكون البناء عبارة عن مجموعة بيوت متجاورة يتم تحويلها لدور عبادة.. دون مراعاة أي مواصفات هندسية أو اشتراطات بنائية أو وسائل أمان .

القوانين والإجراءات المنظمة لبناء الكنائس في مصر شديدة البؤس وغير عادلة.

بناء الكنائس في مصر يكون عبارة عن منحة يتفضل بها الحاكم علي المسيحيين، حسب هواه الشخصي.. و ليس حقا ينظمه القانون و الدستور .

لا يوجد قانون حقيقي يطبق على الجميع، حتى توفيق أوضاع عدد كبير من الكنائس منذ ٢٠١٨ حتى ٢٠٢١ كان عبارة عن ترضية ومجاملات وغير خاضع للقانون، وحسب مشاركة المسيحيين في عملية التصويت لصالح الحاكم.

إلى متى يتم التعامل مع المسيحيين باعتبارهم كتلة تصويتية؟ ويحصلون على حقوقهم الإنسانية بناءاً علي حجم مساندتهم للنظم السياسية؟

بحسب بيان النيابة العامة.. وما تفضل به النائب العام، فإن الكارثة التي وقعت بالأمس كانت بسبب عشوائية البناء الذي يفتقد لوسائل الأمان، والمواصفات الهندسية الطبيعية.. وهذا يعني أن هناك كوارث أخرى سوف تقع، لأن عدد الكنائس العشوائية في مصر كثير جدا..

هذة مظلمة حزينة، وهمٌّ كبير يخص كل صاحب ضمير في هذا البلد.. وهذا الملف يخص المسلمين قبل المسيحيين.. و ينبغي أن يتحمل عقلاء البلد مسؤوليتهم التاريخية في هذا الوقت بالذات، و يقدمون معالجة نهائية وحاسمة لهذا الأمر.. ونحن في عام ٢٠٢٢ لا يتصور أحد أن فكرة بناء كنيسة وفق المعايير الهندسية السليمة تحتاج إلى كل هذه المعاناة، وكل هذه الدماء ..

أين مفوضية مكافحة التمييز التي نص عليها الدستور منذ ٨ سنوات؟!

أين مؤسسات الدولة؟ والجهات السيادية؟ وإلى متى تغض الطرف عن قانون موحد لدور العبادة يسري على كل المواطنين دون تمييز؟

بمنتهى الصراحة والوضوح، مسؤلية إصدار تشريع على هذا النحو ليس أمراً يخص البرلمان أو حتى بعض الوزراء.. إنما مسؤلية الجهات السيادية وحدها، نعم وحدها.

وليس خفياً على أحد أن مجلس النواب الآن في مصر لا حول له ولا قوة، ولا يملك سوى الموافقة والتمرير والتصفيق.. والحقيقة المخجلة والمحزنة أن مصر بلا حياة نيابية أصلاً .

وبالتالي.. لا يمكن أن تعبر هذه المحنة بدون معالجة أصل المشكلة وسبب الأزمة الحقيقي.. لماذا يلجأ المسيحيون لبناء كنائسهم خلسة وفي منتصف الليل وبدون وسائل أمان؟)

*  * *

السيد (إيمانويل) يتحدث عن الديمقراطية، والبرلمان، ويتساءل أسئلة في صميم المشكلة، ولكنه يسأل السؤال ويجيب، وبعد أن يجيب يعود ليسأل مرة أخرى السؤال الذي قد أجاب عنه !

يتحدث السيد (إيمانويل) باسم المواطن المصري المسيحي الذي يتساءل عن سبب عدم وجود قانون يضبط بناء الكنائس، ويرى أن الكنائس التي أعيد بناؤها كانت منة من الحاكم، ولم يكن ذلك بقوة القانون.. من الواضح أنه لا يعجبه هذا الأمر (وهو أمر لا يعجب أي إنسان عاقل يحب هذا الوطن)، ويتمنى – وكلنا نتمنى – أن يكون هناك قانون واضح ملزم للدولة، وللمواطنين.

وأنا أحب هنا أن أذكر المتحدث وكل مصري مسيحي بأن مصر كانت قد بدأت طريقها للديمقراطية ودولة القانون، وانتخبت أول برلمان حقيقي في عام 2011م، صحيح أنه كان برلمانا فيه عيوب، وفيه أشخاص غير جديرين بتمثيل الأمة، ولكن كان ذلك طبيعيا مع التجربة الأولى..

أحب أن أذكر كل مصري مسيحي بأن هناك انتخابات رئاسية أجريت، وقد شهد العالم كله بنزاهتها، وأسفرت عن رئيس يمكن انتقاده، رئيس يضطر لاتخاذ إجراءات لإرضاء “الكتل التصويتية”..

ومن العجيب أن يرى الكاتب أن الحاكم يتعامل مع المسيحيين ككتلة تصويتية، ثم يعود يناقض نفسه بعد ذلك ويقول: (وليس خفياً على أحد أن مجلس النواب الآن في مصر لا حول له ولا قوة، ولا يملك سوى الموافقة والتمرير والتصفيق.. والحقيقة المخجلة والمحزنة أن مصر بلا حياة نيابية أصلاً)..

كيف إذن يكون المسيحيون كتلة تصويتية في بلد بلا حياة نيابية؟ الحاكم يتعامل مع المسيحيين ككتلة بشرية “أنفار”، وليس ككتلة تصويتية، وهي كتلة بشرية يمكن شحنها، وحشدها، بمكالمة تلفونية، أو بعدة اجتماعات، وبقليل من التفاهمات.. تفاهمات مثل (ترميم بعض الكنائس) !

لقد بدأت الحياة النيابية في مصر عام 2011م، وكان من الممكن أن تتطور، ولكن ما الذي حدث؟

لقد حدثت أشياء كثيرة يا أخي (إيمانويل)، ولكن من أهم ما حدث أن الكنيسة المصرية قد تدخلت في الحياة السياسية، وتحالَفَتْ وناضَلَتْ مع كل قوى الاستبداد في الداخل والخارج لكي تعود مصر إلى أحضان الحاكم الظالم، ذلك الحاكم الذي تشكو منه أنت الآن، وتقول عنه إن المسيحيين في عهده (يحصلون على حقوقهم الإنسانية بناءاً علي حجم مساندتهم للنظم السياسية) !

هذا كلامك يا عزيزي !

*  * *

سأحكي لك قصة لطيفة يا عزيزي (إيمانويل).. الحقيقة هي لطيفة وسخيفة.. جزء منها لطيف كالفراشة، وجزء آخر سخيف سخافة خطابات الضبع الحاكم..

تقول القصة: قامت ثورة يناير في عام 2011م، وكنا في الميدان لا فرق بين مسلم ومسيحي، يصلي المسلم ويحرسه القبطي، يتوضأ من ماء يصبه أخوه المواطن الذي يخالفه في الدين..

يصلي المسيحيون في الميدان ومن حولهم عشرات الآلاف من إخوتهم المسلمين يحرسون قداساتهم..

خلال الأيام التي قضيناها في الميادين ثبت بالدليل القاطع أن يدا لم تمتد إلى كنيسة.. اللهم إلا يد الأمن.. تلك اليد التي فجرت كنيسة القديسيْن في الإسكندرية، فقتلت المصريين الذي يصلون داخلها لمجرد مكاسب سياسية..

هذا هو الجزء اللطيف من القصة..

تتساءل عن الجزء السخيف؟

حسنا..

الجزء السخيف يتكون من عدة أجزاء.. الجزء الأول:

بعد نجاح الثورة في خلع مبارك، انضم الشباب المسيحيون الذين كانوا في الميادين إلى إخوتهم المصريين في نضالهم ضد الاستبداد، فبدأوا مبادرات فعالة لبناء مصر في مؤسسات المجتمع المدني، وانضموا أيضا لأحزاب سياسية..

وأنا أقول لك إنني كنت شاهدا على إجبار الكنيسة لكل هؤلاء الشباب على الانضواء تحت لواء الكنيسة (بصفتها الممثل السياسي للأقباط)، أي أن يعملوا في الحياة السياسية طبقا لتوجيهات الكنيسة لا طبقا لآرائهم الحرة، وتوجهاتهم السياسية !

كان ذلك دأب الكنيسة منذ عشرات السنين، وكم هُدد السياسيون الأقباط بالحرمان إذا تجاوزوا الخطوط الكنسية الحمراء (تلك الخطوط التي تضعها أجهزة الأمن).

لقد استقال أمامي شباب مسيحيون من عدة أحزاب سياسية، وذلك بعد أن أجبرت الكنيسة أسرهم على الضغط عليهم، وأصبح المتاح أمام الشاب المسيحي أحزاب محددة، أحزاب كلنا نعرفها..

لقد وصل الأمر إلى حد التهديد بالحرمان.. وأنت تعرف ما الحرمان يا عزيزي (إيمانويل) !

أما الجزء الثاني من الجزء السخيف من القصة..

يُحكى أن انقلابا عسكريا – سماه البعض ثورة – جرى في الثالث من يوليو من عام 2013م، كان من أهم المساندين له في الداخل والخارج هو (الكتلة التصويتية) التي تزعم أنها كتلة تصويتية !

الكتلة التصويتية التي تقول أنت بلسانك أنها تعيش في بلد ليس فيه تجربة برلمانية أصلا.

الكتلة التصويتية التي رفعت صوتها بأن ما حدث في الثلاثين من يونيو هو “ثورة أبناء المسيح”، هكذا بكل صراحة.. ولك أن تتخيل لو أن شخصا يدين بدين آخر وصف عملا بهذا الوصف الديني الطائفي كم سكينا كانت ستقطعه هو وآله وصحبه !

*  * *

عزيزي (إيمانويل).. عزيزي المصري المسيحي..

لقد ظهرت الحقيقة.. أنتم كبقية المصريين، مجرد عبيد عند حاكم يعتبر الوطن “عزبته الخاصة”، لا قيمة لكم إلا لأنكم تدعمون الحاكم الظالم، وقيمتكم “مؤقتة” حتى يتمكن من الحكم والسيطرة، ثم يقلب لكم ظهر المجن، ولا يمكن أن يكون لكم حقوق، لأن الحقوق تعني أن تتغير الدولة وتصبح دولة قانون، ودولة القانون يستحيل أن يحكمها قطيع من الضباع لا يبالي بموت الناس محروقين في دور العبادة، ولا يبالي بالخدمات التي يقدمها قطاع المطافئ المخصص لخدمة “العبيد”..

المطافئ التي تقوم بدورها على أكمل وجه ستجدها هناك.. بعيدا.. خلف الأسوار.. في العاصمة الإدارية الجديدة.. في العلمين.. في المنتجعات مليارية التكلفة التي يعيش فيها بضع عشرات أو بضع مئات من المصريين والأجانب.. هناك.. بجوار يخوتهم، وطائراتهم الخاصة..

لا ترفع صوتك بالشكوى من الظلم، وإذا أردت أن تفعل فارفع صوتك أولا على الكنيسة التي ورطتك أنت والفقراء المحروقين في مغامرات سياسية لا طائل من ورائها، وفي ثأرات لا قبل لكم بها..

إن الخطوة الأولى للتغيير يا عزيزي (إيمانويل) أن تتراجع الكنيسة، وأن تعود مجرد مؤسسة دينية، وأن يصبح البابا أسقفا مهمته دينية.. وأن يرفض أن يكون “مقاول أنفار” عند كل انقلاب عسكري، أو عند كل مجزرة تحتاج لمصفقين، أو عند كل تظاهرة دولية يتباهى بحضورها “ديك البرابر” !

*  * *

أعلم جيدا عزيزي (إيمانويل) أنك قد ترد عليّ بأن بعض الإسلاميين تحالفوا مع العسكر، وكانت مواقفهم من الأقباط ومن مجرزة ماسبيرو وغيرها مخزية، وأن ذلك تسبب في ردة فعل عند الأقباط، وأن ذلك سهّل مهمة الكنيسة في الاستحواذ على الشباب المسيحي مرة أخرى، وهذا الكلام صحيح، وهؤلاء الإسلاميون غالبيتهم من صنع الأجهزة الأمنية أصلا، وقد ثبت ذلك في مراحل لاحقة، وما تقوله ليس مبررا للقضاء على تجربة ديمقراطية ناشئة.. وليس مبررا لاعتبار الكنيسة هي الحزب السياسي للأقباط.. والواجب اليوم أن نتعلم من هذه التجربة، لكي لا تكرر.. (أقول ذلك لأن هناك تجربة أخرى ستبدأ قريبا.. فنحن نعيش نهايات عهد أسود) !

في النهاية لقد جنينا جميعا الشوك والدم بسبب تحالف القوى الإسلامية والليبرالية مع العسكر، جنينا الويل بسبب خضوع الكنيسة والأزهر وكل المؤسسات لمجموعة من الضباط العملاء.. وتبيّن للجميع أنهم قد لعبوا بالجميع، وأسسوا دولة قمعية، أساسها الظلم، وعمدة نظامها أن تظل الغالبية العظمى من الشعب فقراء محتاجين، وأن تُقطع رأس كل من يتشوق لأي حق من حقوقه، لا فرق بين من يطالب بحقه في الرغيف، أو بحقه في كنيسة، أو حتى بحقه في شربة ماء من النيل الذي لا يعلم أحد مصيره !

*  * *

لقد قلت في خطابك يا (إيمانويل) أن هذا الملف (يخص المسلمين قبل المسيحيين)، وهذا حقيقي، وأنا كمواطن مصري مسلم.. أقول لك إنك قد كتبت العلاج، فلا تتهرب أنت أيضا من المسؤولية.. الحل أن يكون هناك برلمان حقيقي، وحياة نيابية حقيقية، ومن العار أن نتحسر على الحياة البرلمانية ثم نطالب (الجهات السيادية) بالتدخل.. أنت تطالب تلك الجهات بالتدخل لمظلمتك أنت فقط.. وليحترق الوطن كله !

من المؤسف أن يكون كلامك عن (الدستور) يدعو إلى الرثاء لحالنا.. أكثر مما يدعو إلى الضحك !

أما مسألة أنه (لا يتصور أحد أن فكرة بناء كنيسة وفق المعايير الهندسية السليمة تحتاج إلى كل هذه المعاناة، وكل هذه الدماء)، فاسمح لي أن أقول لك إنك مخطئ..

مصر لن تنصلح إلا بكثير من الدماء، وقد بدأنا نزف الدماء في عام 2011م (وسنستمر)، ومن الأجدى لنا جميعا أن ننزف هذه الدماء لتغيير الحاكم الظالم بدلا من نزفها في الكنائس المحترقة، والعبارات الغارقة، والقطارات المتصادمة.

الكل مظلوم في مصر يا عزيزي.. والظالم معروف.. أنت مظلوم لأنك مصري.. قبل أن تكون مظلوما لأنك تصلي لهذا الإله أو ذاك.. فهناك إله في القصر يُعبد في الأرض دون كل الآلهة، وهو لا يقبل إلا بتقسيم الناس، فاتحادهم زواله..

صحيح أنك كتبت رأيك بجرأة أحييك عليها.. ولكنك كتبته أيضا لأنك مسيحي، كتبته معتقدا أن الكنيسة التي تتحالف مع النظام الحالي.. ستحميك من بطش الأجهزة التي نعلمها..

لست أدري هل سيفهم المصري المسيحي ما أعنيه؟ أم لا؟ هل تفهم ما أعنيه يا (إيمانويل)؟

لقد أصبح الوضع معقدا، فالمسيحي المصري يعيش معتقدا أن السبب الوحيد الذي يؤدي إلى اضطهاده هو أنه مسيحي، وفي الوقت نفسه يرى هذا المواطن نفسه أن السبب الوحيد الذي يحميه من البطش أيضا.. هو أنه مسيحي !، وبالتالي يعيش في حيرة بين أن يكون قبطيا يتمتع بقدر من الحماية لأسباب (طائفية)، وبين أن يكون مواطنا يحميه القانون !

في النهاية.. لا بد أن يحدد الأقباط موقفهم.. هل هم مواطنون؟ أم أقباط؟

ولكل إجابة تبعات كثيرة..

لقد جرب الأقباط أن يكونوا “أقباطا”، تحركهم الأوامر الكنسية لدعم النظام العميل في تظاهراته في الداخل والخارج، أمام الاتحادية وفي ميدان التحرير.. أمام البيت الأبيض وفي 10داوننج ستريت.. وها هم يتحسرون على عدم وجود تجربة برلمانية، وعدم وجود قانون.. والخ الخ
فليفكر الأقباط مرة أن يكونوا مواطنين.. ربما تكون النتيجة – بعد نضج التجربة – مختلفة !

أكرر عزائي لكل مكلوم.. وتأييدي لكل مظلوم..

حفظ الله مصر من حكامها..

للتعليق على المقال

المقال السابق

تبخّرت العلاقات

المقال التالي

رسالة إلى الأمين العام "جوتيريش"

منشورات ذات صلة
Total
0
Share