مقالة بلا موضوع

المقال منشور بموقع مصر العربية بتاريح 30-4-2014 م 

يظن بعض القراء أن مهنة الكتابة مهنة سهلة، والحقيقة عكس ذلك تماما.

الكتابة في دول معينة (ليس من ضمنها أي دولة عربية) قد تكون مهنة سهلة لمن يجيدها، بل قد تكون مهنة ممتعة، وفي بعض الأحيان مهنة مربحة ماديا.

أما الكتابة في الوطن العربي فهيمهنة تضعك في ورطة، فإما أن تؤيد السلطان وتربح مالا– قد يكون وفيرا – وتخسر ضميرك، وإما أن تعارضه وفي تلك الحالة ستكسب احتراما لنفسك، ولكن قد تخسر حياتك.

اختيار موضوع الكتابة في وطن يراق فيه الدم ليل نهار، وتنتهك فيه الأعراض بكل بساطة في أقسام الشرطة والمعتقلات، يصبح أشبه بنزهة أعمى بلا قائد في حقل ألغام !

كنت قد قررت الكتابة عن الشاعر عمر حاذق، وكيف أصدرت مكتبة الإسكندية قرارا متعسفا بفصله من عمله.

الشاعر عمر حاذق لمن لا يعرفه محكوم عليهم بالسجن لمدة سنتين مع غرامة 50 ألف جنيه، التهمة خرق قانون التظاهر اللعين، وإتلاف وإصابة مجندين، وتكسير سيارات.

والحقيقة أنه قد وقف مع زملائه أمام محكمة المنشية من أجل قضية خالد سعيد، بعد جلسة من عشرات الجلسات التي تأجل فيها البت بحكم يشفي غليل الثوار،والشرطة هي من بدأت بالاعتداء على النشطاء.

حكم عليهم بهذا الحكم، ولأول مرة منذ سنين يتم رفض الاستئناف، وتم تأييد الحكم في غمضة عين!

عمر حاذق ورفاقه في السجن وبعضهم حكم عليه غيابيا، وذلك بعد أن استغرقت قضيتهم عدة أسابيع في المحكمة.

كان المتوقع من مكتبة الإسكندرية التي يعمل فيها الشاعر عمر حاذق أن تتضامن معه بسبب ما يتعرض له من اضطهاد، ولكن هيهات أن تتضامن مع شاعر حر مؤسسة أرسى بنيانها سوزان مبارك، وما زالت قياداتها مدينة لعهد المخلوع !

لقد قرروا فصله من عمله، بحجة رخيصة، فصلوه لأن \”جرائمه\” من الجنح المخلة بأمن الدولة، مع العلم أن لوائح جميع المؤسسات – بما في ذلك مكتبة الإسكندرية –تنص على فصل الموظفين المتهمين بقضايا تخل بالشرف، ولأن \”جريمة\” عمر حاذق غير مخلة بالشرف فكان لابد من اختراع سبب آخر للفصل.

جريمة عمر حاذق الحقيقية أنه شاعر محترم، ورجل وقف ضد الظلم، وأنه قد شارك في خطيئة ثورة يناير.

ولكن بعد أن قررت الكتابة عن عمر حاذق حدث حادث مهم، فقد اختفى شاب اسمه عبدالله عاصم من وسط البلد، وبعد فترة تبين أن قوات الأمن قد اعتقلته ووجهت له تهمة التظاهر بدون تصريح، ورفع أشارة رابعة.

عبدالله عاصم 17 سنة، وهو من أصغر المخترعين المصريين في مجال الكترونيات الحاسب والشبكات.

اعتقلوه من ميدان التحرير مع زميل له وهما يرفعان شارة \”رابعة\”،هكذا قال المصدر أمني.

عبد الله عاصم عبقري مصري، طالب بالصف الثالث الثانوي بمدرسة دار حراء الإسلامية بأسيوط، نجح العام الماضي فى تصميم نظام إلكتروني يتيح للمعاقين استخدام الكمبيوتر عن طريق حركة العين، وقد رشحته شركة \”إنتل\” العالمية لتمثيل مصر فى مسابقة نادي العلوم والتكنولوجيا، بولاية كاليفورنيا في الولايات المتحدة، فى منافسة تضم أكثر من 60 دولة أخرى، وتحكمها لجنة تضم عددا من الحاصلين على جائزة نوبل فى العلوم، وها هو اليوم ملقى في سجن ما مع المجرمين.

ولكن بعد أن قررت الكتابة في مأساة عبدالله عاصم حصل تطور دولي خطير،  فقد أعلنت المفوضية الأفريقية لحقوق الإنسان وحقوق الشعوب بالعاصمة الأنجولية لواندا عن قبول النظر في قضية ضد مصر بسبب الحكم بإعدام 529 شخصاً.

وأكدت المفوضية موافقتها على اتخاذ إجراء احترازي مؤقت وعاجل يقضي بمخاطبة السلطات المصرية لتعليق تلك الأحكام وتقديم تقرير للمفوضية حول تلك الإجراءات خلال 15 يوما من استلام القرار.

وشددت في رسالة لمؤسسة آي تي ان للمحاماة في لندن والتي تتولى تحريك القضية دولياً على أن الشكوى المقدمة تكشف للوهلة الأولى عن انتهاك للميثاق الأفريقي، داعيا الضحايا لتقديم الدليل والحجج بشأن الدعوى خلال شهرين.

وأشارت في الرسالة إلى أن أمانة المفوضية الأفريقية لحقوق الإنسان وحقوق الشعوب تلقت شكوى من حزب الحرية والعدالة في 8 أبريل الجاري ضد السلطات المصرية نيابة عن 529 شخصا حكموا بالإعدام يمثلهم كل من اللورد المحامي كين مكدونالد والبروفسور جون دوجارد والمحامي مايكل مانسفيلد والمحامي ستيفن كامليش والمحامي رودني ديكسون والمحامي طيب علي.

قرارات المفوضية ملزمة لمصر باعتبارها موقعة على الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان وحقوق الشعوب وتخضع لأحكامه.

وفي حال رفض مصر تطبيق هذا القرار، فإن المفوضية ستقوم تلقائيا بإحالة الأمر للمحكمة الأفريقية، ما يعرض القاهرة للعقوبة والمقاطعة بحكم أنها موقعة على الميثاق الأفريقي، علما بأن الدستور الجديد الذي تم إقراره في مصر العام الماضي يعتبر أن المواثيق الدولية التي وقعتها مصر هي جزء من الدستور المصري وبدرجة إلزامه ذاتها.

وأكدت المفوضية أن الضحايا يشتملون على أعضاء ومؤيدين لحزب الحرية والعدالة المصري، وكذلك أعضاء ومؤيدين لمجموعات أخرى علمانية وليبرالية وغير منتمية لجهة بعينها.

وقالت المفوضية: يدعي المتظلمون أنه في يوم 22 مارس 2014 قامت محكمة جنايات المنيا في مصر بعقد جلسة محاكمة استمرت أقل من ساعة واحدة للنظر في تهم بجرائم مختلفة، وجهت لـ 554 متهما، تشمل القتل العمد لشرطي في مارس 2013، والشروع في قتل شخصين اثنين آخرين في نفس الواقعة المزعومة، والإضرار بممتلكات عامة، والتجمع غير المشروع في مكان عام، والعضوية في منظمة محظورة في مصر هي جماعة الإخوان المسلمين، وفي 24 مارس 2014 أصدرت المحكمة حكما بإعدام 529 متهما.

ولكن بعد أن قررت الكتابة في هذه الكارثة حدثت كارثة أخرى، فقد أصدر القاضي نفسه الذي أصدر قرار الإحالة إلى المفتي في حق 529 متهما قرارا آخر بإحالة أكثر من 600 آخرين إلى المفتي !

عزيزي القارئ …

الكاتب اليوم مجهد في البحث عن آخر مصيبة ليكتب فيها، وتوالي المصائب والفضائح المحلية والدولية لمصر في ظل الانقلاب أصبح أمرا أكبر من قدرة غالبية الكتاب على المتابعة، وأرجو أن تعذرني إذا تحدثت في مقالات لاحقة عن مصيبة ليست \”طازجة\”!

ستبقى هذه المقالة شاهدة على الانحطاط الذي وصلنا له، وعلى حالة التردي التي غرقنا في انحطاطها بسبب من يزعمون أنهم وطنيون، هؤلاء الذين لا يسعون للسلطة حتى لو على جثة الوطن.

هذه مقالة بلا موضوع …!

عاشت مصر للمصريين وبالمصريين …

للتعليق على المقال بموقع مصر العربية 

المقال السابق

صناعة الطاغية .. في ذكرى ميلاد صدام

المقال التالي

نزهة خيالية في الدولة المدنية

منشورات ذات صلة
Total
0
Share