مشروعنا الوطني.. مرة أخرى

المقال منشور بموقع عربي 21 بتاريخ 25-8-2019 م

قلت في مقالة الأسبوع الماضي : (إن أساس الرؤية الفكرية للتغيير في مصر تقوم على أنه تغيير سياسي سلمي، يعتمد على جموع الشعب المصري، وخاصة الشباب، ويقدم نخبة جديدة (غالبيتها من الشباب) تقود الأمة، بتقديم بديل سياسي عن نظم الاستبداد، بديل يحشد الداخل، ويستمد شرعيته من شعبنا العظيم، وبهذه الشرعية يتمكن من تمثيل الشعب أمام القوى الدولية، وبتجاربه الممتدة خلال سنوات الثورة يتمكن من التغلب على المؤامرات الإقليمية، والاعتراضات العالمية، دون الدخول في معارك صفرية لا يمكن أن تنتهي إلا بالهزيمة، كل ذلك دون إقحام المعارك الأيديولوجية المزيفة التي تقسم الناس، وتقلل الكثير، وتفرق المُجمع.)
وقلت أيضا : (هذا البديل موجود، ولكنه يحتاج إلى القيادة (الجماعية)، وهذه القيادة تحتاج بعض الموارد، لكي تتمكن من جمع شتات طاقات آلاف الشباب في الداخل والخارج.
هذا البديل موجود، ولكنه مطحون في المعارك بين القيادات المتنازعة على اللاشيء، والمتصارعة على الفراغ، وهو مشغول قبل كل شيء في تحصيل معاشه اليومي، ومشاكله الشخصية الناتجة عن سنوات النضال الماضية.)
فجائتني عشرات الرسائل تتساءل عن المشروع الوطني الذي يجمع ولا يفرق.
وأظن أنه ينبغي أن نجيب على هذه التساؤلات، ولو على عجالة.
                                                                          
لمشروعنا الوطني محاور خمسة، أو خمسة أسئلة كبرى، إذا أجبنا عليها نظريا، وتمكنا من تطبيق الإجابة عمليا، فإننا نكون قد قطعنا المسافة الأكبر نحو تحقيق التحول الديمقراطي، والتغيير السياسي السلمي الذي نادينا به، وأقنعنا به سوادا أعظم من شعبنا العظيم.
محاور المشروع الوطني :
المحور الأول : شكل الدولة المصرية
دولة يناير.. ما هي؟
ستجد غالبية الأفكار المطروحة في (سوق السياسة) متفقا عليها بين التيارات السياسية الرئيسية في مصر، سأستثني المتطرفين من جميع التيارات والجماعات، وأقول بثقة إن الغالبية ترغب في إقامة دولة مدنية، ديمقراطية، يتمتع فيها المواطنون بحقوق متساوية، في ظل نظام منتخب يحقق العدالة الاجتماعية، ويحترم الحريات، كل ذلك تحت راية استقلال وطني شامخة، وتعددية سياسية، وشفافية محاسبية، تمكِّن الشباب، وتنصف المرأة والأقليات، وتساوي بين الناس.
إنه عقد اجتماعي جديد.. بكل معنى الكلمة.


*    *    *


المحور الثاني : برنامج العدالة الانتقالية
من المتفق عليه أيضا أن تحقيق القصاص هو أساس العدالة الانتقالية، وركيزة الاستقرار المجتمعي.
ستجد التيارات السياسية المختلفة قد كتبت كلاما متشابها في هذا المحور كذلك، سواء في مسألة القصاص، أو في موضوع استعادة أموال المصريين التي هربت للخارج، أو في مسألة استعادة سيادة مؤسسات الدولة، ومحاسبة من ارتكبوا جرائم الخيانة العظمى ببيع الوطن وممتلكات الأمة لأعدائها، وغيرها من المواضيع.


*    *    *


المحور الثالث : شكل الفترة الانتقالية بعد إسقاط الانقلاب
كانت غالبية الخلافات في هذا الأمر تتعلق بعودة الرئيس الشهيد الدكتور محمد مرسي رحمه الله، وبدوره في المرحلة الانتقالية، والآن تغير الوضع، فأصبحت الغالبية متفقة على أن إدارة المرحلة الانتقالية لا بد أن تكون بالتوافق، لا بالمغالبة ولا بالاستحواذ، وأن الأمر سيستغرق عدة سنوات، حتى يصل المجتمع إلى مرحلة التنافس الديمقراطي الكامل.


*    *    *


المحور الرابع : العلاقات المدنية العسكرية
الهدف من هذا الملف هو إخراج الجيش من الحياة السياسية بالتدريج، وإخراج الاقتصاد المصري من كرش المؤسسة العسكرية، بما لا يؤثر على معاش الناس، ولا على مؤسسات الدولة.
وهناك تجارب كثيرة يمكن الاستفادة منها، وهناك أوراق وتصورات وطنية مصرية جاهزة للتطبيق (في حالة التوافق على خطوطها الرئيسة)، وأظن التوافق على هذا الأمر بين مكونات المعارضة المصرية ليس صعبا، بل سيكون التحدي في التوافق مع المؤسسة العسكرية نفسها، وجرها إلى الديمقراطية بكل الوسائل السلمية الممكنة.


*    *    *


المحور الخامس : ملفات إعادة هيكلة أجهزة الأمن والأجهزة السيادية
هذا الملف فيه تجارب كثيرة لدول مرَّت بما مررنا به، أو بما يشبهه، وخلاصة هذا الملف هو إخضاع الأجهزة الأمنية للقانون، وذلك بخضوعها الكامل لرجال الدولة المنتخبين، وتغيير ولاءاتها للوطن، بدلا من كونها عصابات ومليشيات مسلحة – كما هو حالها اليوم –، بحيث تصبح مؤسسات تلتزم بالقانون، وتحاسب بالقانون إذا انحرفت، وكل ذلك معناه أن يختفي من الوجود أكذوبة (الأجهزة السيادية) لا يوجد شيء بهذا الاسم في دولة يحكمها القانون.
الجماعة الوطنية المصرية قدمت أوراقا جيدة في هذا الموضوع، بعد ثورة يناير، بعضها قبل الانقلاب، وبعضها بعد الانقلاب، والفروق بين هذه الأوراق ليست بكبيرة.


*    *    *


إن الاتفاق على هذه الخطوط الرئيسية بين قطاع عريض من الرافضين لحال مصر اليوم يضمن أن لا يطول الكابوس الذي نعيشه، ويضمن أن لا يتجدد الكابوس بكابوس جديد !
وأكرر كلامي وأقول إننا مطالبون بتكوين نخبة جديدة، نخبة تملك الطموح والخيال، نخبة تمنح الأمل وطرق العمل، نخبة شبابية لها مستقبل ترغب فيه، وليست مجموعة من العجائز لها تاريخ تخاف عليه !
إن شباب ثورة يناير قادر على صياغة مشروع يجمع الناس على اختلاف مشاربهم، مشروع لا شعارات… مشروع حقيقي عملي قابل للتطبيق بأيدينا أو بأيدي أي مجموعة وطنية مخلصة.
النصر دائما.. في كل المعارك السياسية الشعبية سيكون لأصحاب النفس الطويل، الذين يعملون من أجل تجميع الناس لا تفريقهم، وتوحيد الناس لا تقسيمهم.
كلي ثقة أن التغيير قادم قادم… وأن شباب مصر سيكون عند حسن ظن الأمة

عبدالرحمن يوسف

رابط المقال على موقع عربي 21

المقال السابق

خواطر في العيد

المقال التالي

ماذا سيحدث في وطننا العربي؟

منشورات ذات صلة
Total
0
Share