كيف نقتص لشهداء رابعة وأخواتها؟

المقال منشور بموقع عربي21 بتاريخ  13-08-2017

مع اقتراب الذكرى الأليمة لمجزرة رابعة (وأخواتها) وصلتني رسالة تبدو مؤثرة، قرأتها وتعجبت من طريقة تفكير صاحبها (لن أقول من فبركته وكذبه)!

وحين وصلتني مرات عدة من مصادر عدة ومن شباب (ثوري)، رأيت أنه لا بد من وقفة.

***

في البداية، أنقل لكم الرسالة كما وصلتني تقريبا (بعد مراجعة لغوية منهكة) … تقول الرسالة:
(الله سبحانه وتعالى من أسمائه الحسنى (العدل) … ولابد أن نعلم أن الجزاء من جنس العمل.. وكما تدين تدان.. ولو بعد حين.

المشهد الأول:

يقول أحد الإخوان (لاحظ أنه لم يذكر من هو) حكى لنا الحاج “عباس السيسي” يوما موقفا رآه بعينه عندما اعتقل في السجن الحربي، حيث رأى آنذاك “حمزة البسيوني” مأمور السجن الحربي يجلس على كرسي، ويضع رجله على رقبة الأستاذ “علي الفيومي”! 

وكان “البسيوني” بدينا، ويتكلم ويسقط أعقاب السجائر على رأس هذا المظلوم.
 
ثم رأينا رأسه تتمايل يمنة ويسرة، وجسده ثابت، فعلمنا أن أوتاره قد تقطعت، وفصل رأسه عن جسده (يقصد المرحوم “علي الفيومي”).
 
وفي اليوم التالي، علمنا أن الجرايد قد كتبت أن “علي الفيومي” قد قُتل أثناء محاولته الهرب من السجن الحربي.

***

المشهد الثاني:

سافرتُ إلى دبي (ما زال المتحدث مجهولا) وفي إحدى الجلسات مع المصريين كان يجلس معنا أحد الأطباء المصريين (طبيب مجهول أيضا). 

فحكى لنا أغرب قصة تعرض لها وهو طبيب امتياز، عندما جاءت إليه إحدى الجثث محاطة بحراسات، يقولون عنه إنه شخصية مهمة، وإذا بشظايا الحديد والزجاج في رقبته، ولو تركناها ربما تؤذي من يغسله ويدفنه، فما كان منا إلا أن قمنا بفصل رقبته عن جسده لإخراج الشظايا، ثم قمنا بتخييطها مرة أخرى في الجسد!! 

(لا تستغرب من القصة.. هكذا وصلتني والله)!!

أتعرفون من كان هذا الرجل؟
 
إنه “حمزة البسيوني” مأمور السجن الحربي!

***

المشهد الثالث:

يقول (الشخص المجهول نفسه) ذات يوم وأنا أتابع أحد البرامج التلفزيونية، فإذا بأحد المتصلين وهو ضابط على المعاش يقول (سأحكي لكم موقفا حدث معي وأنا برتبة “ملازم أول”، عندما أخطرنا بحادث على الطريق السريع، فانتقلنا بسرعة، فإذا بسيارة ملاكي قد دخلت من الخلف في سيارة محملة بالحديد، ودخلت أسياخ الحديد والزجاج في وجه ورقبة السائق. 

وحاولنا كثيرا إخراج السائق، ومن المعاينة تبيّن أن سائق التريلا الحديد لا خطأ عليه مطلقا، السيارة الملاكي هي المخطئة، ونزل اثنان من العربة التريلا، وأقسما أنهما غير مخطئين. 

وقمت بإخراج بطاقة الهوية من جيب السائق الملاكي لأتعرف عليه، فصُدمت وقلت : “يانهار أسود … ده اللواء “حمزة البسيوني”، وهنا وجدت أصحاب التريلا يكبرون “الله أكبر ولله الحمد” لقد أخذ الله لنا بالثأر منه (هل تلاحظ؟ الله سبحانه قام بالعمل كله)، إننا أحفاد الشهيد “علي الفيومي” الذي قتله هذا الظالم في السجن الحربي!).

(انتهت قصة الضابط المجهول المتصل بالبرنامج، والتي يرويها الرجل المجهول الآخر)!

***

المشهد الرابع:

(يستمر الراوي المجهول في روايته) ومرت الأيام.. وذهبت يوما لزيارة بعض أبنائي طلبة كلية الطب في سكنهم، فوجدتهم يشربون السجائر ويطفئونها في جمجمة إنسان، وهنا استنكرت عليهم فعلتهم، وقلت لهم (من أين لكم بتلك الجمجمة؟). 

قالوا (ذهبنا لأحد حراس المقابر لأخذ جمجمة ميت للتدريب عليها، فقال لنا عندي جمجمة مفصولة عن الجسد، لكنها غالية الثمن لأنها لرجل مهم، فقلنا له : لمن؟ قال إنها جمجمة “حمزة البسيوني” (سبحان الله.. جمجمة رجل مهم، ولكنها تباع في السوق، وتباع بسعر أغلى لأنها لرجل مهم).. فأخذناها، وأجرينا عليها التجارب، ثم جعلناها طفاية للسجائر)!

يقول الداعية (لا أدري أي داعية هذا الذي يرى أبناءه يفعلون ذلك في جمجمة إنسان ولا يزجرهم.. حتى لو كانت جمجمة سفاح) وهنا تذكرت كلام الحاج “عباس السيسي” وهو يقول وكان يطفئ السيجارة في رأس الأستاذ “علي الفيومي”)!

انتهت القصة كما وصلتني!

***

بغض النظر عن أن القصة لا يصدقها إلا شخص شبه مغفل، وبغض النظر عن عشرات الأسئلة البسيطة المنطقية، وبغض النظر أيضا عن لا معقولية الأحداث -بغض النظر عن كل ذلك- فإن أهم ما في القصة هو أن الله سبحانه وتعالى قد كفى المؤمنين القتال، أو بمعنى أصح كفى المؤمنين القصاص!

أما أصحاب الدم.. فلم يفعلوا شيئا.. لقد مارسوا حياتهم الطبيعية (وجاءهم حقهم إلى “التريلا” التي يقودونها.. والغريب أن الضابط تعاطف معهم، ونقل قصتهم في برامج التلفزيونات المصرية!

***

ليس هدفي التشكيك في كل ما قيل.. فهناك بعض الأحداث يقينية، مثل وفاة السيد “حمزة البسيوني” في حادث سيارة بشع.. هذا معروف.. أما بقية الأحداث، فهي بلا أي دليل، لا دليل على نفيها أو إثباتها.

ومن يحكي القصة يثبت لنا أن الجزاء من جنس العمل حتما، وهذا تدليس غير شريف، فكم من الحقوق قد ضاعت بتهاون وتخاذل أصحابها.

***

هناك ثلاث وجهات نظر في مسألة القصاص لشهداء رابعة، أو في مسألة كيف يتحقق القصاص لشهداء الثورة المصرية.. وجهة النظر الأولى تلخصها القصة السابقة.. وخلاصتها التفريط والتواكل.

وعلى رأس هؤلاء المتواكلين قيادات التيار الذي تحمل أكبر تكلفة للمجزرة، وهم مجموعة من القيادات التي شاخت في مواقعها، وهم مسؤولون عما آل الوضع إليه في مصر، ولا يعفيهم عاقل من الاشتراك في المسؤولية السياسية عن تلك الدماء.

لقد فعلت بهم الأنظمة الأفاعيل، ولم يتحركوا، بل ظلوا في انتظار أن ترتطم العربة الملاكي في التريلا، وفي انتظار أن يحكي ضابط المرور تلك القصة في التلفاز، وأن يتحدث الطبيب عن جثة القتيل التي دخلت فيها أسياخ الحديد، وأن يطفئ طلبة الطب السجائر في جمجمة خصمهم التاريخي الذي داس على رقبة رفيقهم حتى فصل الرأس عن الجسد (كما تزعم القصة).

وجهة النظر الثانية: خلاصتها أن الجيش “المصرائيلي” ينبغي أن يباد عن بكرة أبيه، وأنه لا حل سوى بحمل السلاح، وإعادة الخلافة.. وإلى آخر هذه الأفكار التي لا يفهم من يرددها تكلفة أو طريقة أو وسيلة تحقيق هذه الأحلام!

أما وجهة النظر الثالثة: فهي بين التفريط والإفراط.. وخلاصتها أننا لا بد أن نستمر في نضالنا الوطني، وأن نوحد “الجماعة الوطنية” مرة أخرى، والمشتركات كثيرة، خصوصا أمام نظام عسكري فاشي عميل كنظام الثالث من يوليو.

ومن أهم عناصر أفكار وجهة النظر تلك.. أن القصاص لا بد أن يتحقق، وأن ترك القصاص سيكون إغراء بمزيد من الدماء، وأن القصاص يتحقق ببرنامج عدالة انتقالية واضح، يحقق الإنصاف، بالقانون لا الثأر، وبرد الحقوق لا الانتقام الجماعي العشوائي.

***

أما قراءة مثل هذه القصة التافهة التي لا يمكن أن يصدقها عاقل، فهو مخدر تعودت عليه أجيال سبقتنا، وكانت نتيجة ذلك أننا قد وصلنا إلى هذه الحالة التي وصلنا إليها اليوم.

يا شباب الثورة.. إياكم أن تصدقوا أن معنى (الجزاء من جنس العمل) أن تتواكل على الله، أو أن الله سينتقم لك.. وحتى لو افترضنا أن ذلك قد حدث لشخص أو شخصين أو عشرة أو مائة.. أو حتى لألف شخص..!

فماذا عن عشرات الملايين الذين ظلموا لعشرات السنين؟

لا عدل إلا بإقامة دولة القانون، وهؤلاء الظلمة هزيمتهم، وقتلهم، وإبادتهم تكون بإقامة دولة القانون أولا، وبعد ذلك بمحاسبة من تصل أيادينا له، حتى لو كان في التسعين من عمره، يُقتص منه طبقا للقانون … كما حدث مع “بينوشيه”، و”كنعان ايفرين”، وغيرهم من العساكر المنقلبين المستبدين.

قد يظن بعض القراء أن هذه المقالة ليست ذات أهمية، وليست في وقتها، والحقيقة أنها في غاية الأهمية في رأي كاتبها خصوصا في هذا الوقت. 

فقد آن الأوان لنا أن نفيق من أوهام لن تنفعنا، ومن يشكك في أهمية هذه المقالة عليه أن يقرأ التعليقات عليها في مواقع التواصل، كلي ثقة أن جزء كبيرا من التعليقات سيكون سبّا في كاتبها لأنه تجرأ وشكّك في تلك القصة التي لا يوجد عليها دليل، ولا يصدقها عاقل، وكأن التشكيك فيها تشكيك في عدل الله سبحانه.

عاشت مصر للمصريين وبالمصريين..
 

رابط المقال على موقع عربي21

المقال السابق

ما الذي حدث؟

المقال التالي

من صفحة الرأي إلى صفحة الجريمة

منشورات ذات صلة
Total
0
Share