كيف ترتكب مذبحة في عصرنا وتنجو بفعلتك؟

المقال منشور على موقع مصر العربية بتاريخ 19-2-2014 م غالبية من ارتكبوا مذابح ضد الإنسانية حوسبوا، والتاريخ يضع أمامنا عشرات الأمثلة لعشرات الطغاة الذين قتلوا الناس من أجل السلطة، ثم كانت النهاية أن دفعوا ثمن أفعالهم السوداء، هتلر، تشاوشيسكو، فيرديناند ماركوس، القذافي، شاه إيران،بينوشيه، برويز مشرف…وغيرهم.  بعض المذابح مَرَّتْ، ومات من ارتكبها دون حساب، وبعد أجيال وأجيال، دفع جيل آخر ثمن ما فعله جيل المذبحة.  في بعض المرات القليلة تَمَكَّنَ الضحايا (أو أحفادهم) من الثأر، ولكن قررواالعفو، وهذا نادر جدا في التاريخ، وستجد غالبية ذلك مسجل باسم العرب والمسلمين، وعلى رأس ذلك فتح الرسول عليه الصلاة والسلام لمكة، فقال عليه السلام \”اذهبوا فأنتم  الطلقاء\”، وكذلك في فتح بيت المقدس على يدي صلاح الدين الأيوبي، حيث أخرج أهل المدينة بعد أن أعطاهم الأمان، ولم يثأر لما فعله أجدادهم من مذابح حين سقطت القدس في أيديهم منذ عدة عقود.

 
اليوم … وبعد أن أصبحت الدنيا قرية صغيرة كما يقولون، كيف يمكن لمستبدي العصر الحديث أن يرتكبوا مذبحة دون أن يدفعوا ثمنها؟  هذا المقالة وصفة للمذبحة الآمنة في العصر الحديث.  عزيزي المستبد … ركز معايا !  بادئ ذي بدأ لا بد أن تعلم أن مرور مذبحة فيعصرنا الحديث يعتمد على إخفاء المعلومات، والسيطرة على ردود الأفعال، تأكد أنك حين تبدأ بالقتل لن تأتي أي قوة لتوقفك، ولكن بعد ذلك بشهور أو بسنوات، ستجد من يحاكمك، لذلك … المستبد الشاطر هو من يخفي المعلومات، ويحتوي ردود الأفعال كما قلت لك، لذلك لا بد أثناء تخطيطك وارتكابك للمذبحة أن تراعي عدة أشياء أساسية.


 
أولا : ارتكب مذبحة واحدة فقط، ولا ترتكب عدة مذابح.  حاول أن تقتل في موقعة واحدة، وتأكد أن مذبحة كبيرة ومهما كان حجمها كبيرا، خير من مائة مذبحة مهما بدا حجمها صغيرا. الضحية تتعلم مذبحة بعد مذبحة، وأخطاؤك تزداد مع كل مذبحة، والصحة النفسية لجنودك ستنهار في موقعة بعد أخرى، لذلك احزم أمرك، واقتل أي عدد تشاء، ولكن دفعة واحدة.
 
ثانيا : منع أي شكل من أشكال التصوير والتوثيق لأحداث المذبحة، حاول ذلك، ورتب أمورك في هذا الأمر قدر المستطاع.  إذا لم يتحقق ذلك فاعلم سيادة المستبد أن جلوسك على الخازوق مسألة وقت، ولا أمل لك في اجتنابه إلا بأن يأتيك موت سريع، سريع جدا.


ثالثا : المستبد الشاطر هو من يقتل عددا أقل، فإذا كنت تستطيع أن تفرض حكمك بقتل مائة لا تقتل ألفا، وإذا كنت ستفرض هيبة دولتك بقتل ألف، فلا داعي لقتل ألفين، لا تقتل بغرض الانتقام، أو \”طفاسة\”!  والسبب في ذلك أن عواقب قتل مائة أقل من عواقب قتل ألف، وعواقب قتل ألف أقل من قتل ألفين، وأنت سترتكب المذبحة على أي حال، ولكن المهارة في أن لا تقضي عليك عواقب المذبحة، وكلما زاد عدد المطالبين بالثأر كلما كنت في مأمن من القصاص.
 
رابعا : اقتل، ثم اقتل، ثم اقتل، ولكن احترم القتل، لا تمثل بالجثث، لا تغتصب امرأة، ولا تعط ضحاياك دوافع أكثر للانتقام، كن قاتلا محترفا، ولا تكن قاتلا عابثا يقتل لمجرد القتل. 

خامسا : تجنب أي شكل من أشكال التحصين الدستوري، لأن ذلك معناه أنك قد ارتكبت خطيئة، وأنك تحتاج إلى حماية، وإذا كان ولا بد، فإياك ثم إياك أن تحصن نفسك وحدك، بل حصن نفسك وحصن جميع شركائك، لأنك لو حصنت نفسك فقط سيتفق عليك شركاؤك، وسيقضون عليك برغم كل التحصينات، ولك في برويز مشرف عبرة، فقد حصن نفسه بكل الطرق، ولكنه الآن في المستشفى العسكري، وهو مقبل على محاكمة بتهمة الخيانة العظمى، ومن ضمن تهمه مذبحة المسجد الأحمر.  إن تحصين منصب بعينه يجعل جميع المشاركين في المذبحة تواقين لهذا المنصب، ويصبح شاغل هذا المنصب عرضة لكل المؤامرات.
 
سادسا : حافظ على صحتك النفسية، واعلم أن من يرتكب المذبحة يمر بأزمات نفسية صعبة، وحاول أن تدعم ضباطك الذين ارتكبوا هذه المذابح بكل الأشكال الممكنة، لأنهم يصبحون ويمسون في مشاكل نفسية، وبعضهم يتعرض للطلاق، أو للاحتقار، أو للانتقام.  لا بد أن أذكرك هنا عزيزي المستبد بالجنرال البرازيلي جيتوليو فارجاس، فهذا الرجل ارتكب مذابح كثيرة، ولكن كانت نهايته– برغم بعض إنجازاته في الحكم –الانتحار …!  ولا ننسى هنا السيد هتلر وما فعله بنفسه حين حانت لحظة الحساب. (م الآخر كده … خلي بالك على نفسك، وبشويش على صحتك …!)


 سابعا : إياك أن تلعب مع خصومك في أرض مفتوحة، وإياك أن تظهر دون حائل أمام الجماهير، وإياك أن تفرط في إجراءات الأمنية الصارمة، بتغيير حرسك كل شهر، وبالشك في أقرب المقربين إليك، وإياك أن تعتبر أن المذبحة مرت ونسيها الناس، لأن هناك كثيرين يتحينون الفرصة أي فرصة للانتقام منك شخصيا، لذلك لا بد أن تتخذ جميع الاحتياطات الأمنية التي تؤمنك طوال عمرك، حتى لو اعتزلت السياسة، حتى لو تركت البلد الذي ارتكبت فيه المجزرة وسافرت مختارا أو مضطرا، حياتك مرهونة بالإجراءات الأمنية، وحتى بعد كل هذه الاحتياطات … الله أعلم بمصيرك. عزيزي المستبد … أعرف أنك تقول في نفسك (ودي عيشة دي؟)، وأنا بدوري اقول لك : (كان حد قال لك اقتل؟). عزيزي المستبد … أعرف أنك تقول في نفسك (إن شروط ارتكاب مجزرة آمنة مستحيلة في هذا العصر)، وأنا بدوري أقول لك ( والله دي مشكلتك) !

للتعليق على المقال بموقع مصر العربية 

المقال السابق

الذين يصدقون الإعلام المصري

المقال التالي

الرابط الحزين بين الموتى والمساجين

منشورات ذات صلة
Total
0
Share