كلام فارغ

المقال منشور بموقع عربي 21 بتاريخ 25 / 10 / 2020 م

الكلام الفارغ شعار المرحلة..

جُلُّ ما يدور حولنا في الوطن العربي مجرد كلام.. كلام فارغ من أي معنى !

يتحدث رئيس جمهورية الأمر الواقع في مصر عن مؤمرات تركيا في شرق المتوسط، وهو عاجز عن حماية قطرة الماء التي تأتي لمصر، ولأول مرة في التاريخ تصبح البلاد بما ومن عليها تحت رحمة الآخرين في أساس الحياة الذي جعل الله منه كل شيء حي.

تصريح الرئيس ترامب عن تفجير مصر لسد النهضة الإثيوبي يزيد جرعة الكلام الفارغ في موضوع شديد الحساسية، يتحدث راعي البقر السفيه وكأن تفجير السد ممكن أصلا !

في ظل هذه الأزمة التي تهدد وجود البلاد يتحدث الإعلام المصري عن المعارضين في الخارج، يصل مستوى الانحطاط إلى قعر بئر خسة لا يخطر على بال الشياطين، فنرى بعض المخبرين مجهولي النسب السياسي الأخلاقي، يعملون كرؤساء تحرير.. ووصل بهم الانحطاط حد التشكيك في أنساب أبناء المعارضين.. كلام فارغ.. لا يصدقه أحد.. وهو أمر إن دلّ على شيء فيدل على أن الأجهزة الأمنية قد انتقت مخبرين هم الأقذر في التاريخ، وعرفت كيف تسيطر عليهم، وهو أمر يدل على أن في الأجهزة الأمنية رجالا لا يعرفون معنى الوطن، ولا الرجولة، وليس لديهم أي قيمة من أي نوع.. إنهم حثالة تمكنوا من الانحدار بالبلاد إلى مستنقع من الانحطاط لم يرَ العالم له مثيلا من قبل..

البلاد كلها في حالة عهر.. تسريبات لوزراء، وسياسيين.. تسريبات لبعض المخبرين الذين كانوا مصدرا للتسريبات فيما مضى.. الكل مشغول في هذه التفاهات، في الوقت الذي ينبغي أن تنهض الأمة كلها لمواجهة تحديات وجودية حاسمة !

البلاد في غفلة.. العصابة الحاكمة تصفي حساباتها مع المعارضين ومع المؤيدين.. وأعداء الأمة الحقيقيين في نعيم مقيم !

هذه ليست سياسة، وما يحدث من مسرحيات تسمى انتخابات، وترشيحات، وأحزاب، وبرامج تلفزيونية، وغيرها.. كل ذلك مجرد كلام فارغ..

*       *       *

سيطبع السودان علاقته مع العدو الصهيوني، وهو أمر ليس غريبا، ولا مفاجئا، لقد انتصرت الثورة المضادة في السودان منذ شهور طوال، وكان ذلك واضحا منذ الأسابيع الأولى لهذه الثورة..

وأهم ما نستخلصه من تجربة الثورة السودانية المخطوفة أمران:

الأمر الأول: إذا أردت أن تعرف حقيقة أي حراك في أي دولة عربية.. هل هو ثورة؟ أم انقلاب؟ هل هو ثورة؟ أم ثورة مضادة تركب ثورة حقيقية؟

ما عليك إلا أن تترقب وتنتظر لترى موقف هذا الحراك من إسرائيل.. فإذا رأيت الكيان الذي تمخض عنه هذا الحراك يقترب من إسرائيل.. فاعلم أن جهد الناس قد اختطفه أبناء الحرام من صهاينة العرب.. وإذا رأيته يقف من إسرائيل موقفا وطنيا عاقلا (دون مزايدات أنظمة المقاومة المزعومة التي تتظاهر بأنها ضد إسرائيل وهي تحميها منذ عشرات السنين).. فاعلم أن هذا الحراك ما زال في أيدي الناس..

طبّق ذلك على مصر.. سترى الفارق واضحا بين ثورة يناير، وانقلاب يوليو..

الأمر الثاني:

إذا أردت أن تعرف مصير أي ثورة أو حراك شعبي.. فانظر إلى هموم القائمين عليها.. فإذا رأيت همهم الوطن ومشاكله الكبرى.. فاعلم أن الأمور تسير إلى الخير مهما طال الطريق..

وأما إذا رأيتهم لا هم لهم سوى تصفية الحسابات مع المختلفين معهم فكريا وأيديولوجيا.. فاعلم أن الأمر في النهاية سيكون شرا مستطيرا..

هؤلاء الذين زعموا أنهم يقودون الثورة السودانية سلموا البلد كلها لإسرائيل، ولن يطول بقاؤهم في الحكم، وسيُغدَرُ بهم قريبا، وسنرى فيهم عبرة لمن يعتبر..

كان الرئيس السابق عمر البشير يزعم أن من يحاولون خلعه من الرئاسة مشروعهم تسليم السودان لإسرائيل، والحقيقة أنه قد صدق وهو كذوب.. واللبيب بالإشارة يفهم..

إن كل ما يقوله المسؤولون السودانيون اليوم – ومعهم بعض “الثوريين” الأشاوس – عن أنهم قد قبلوا بالتطبيع مع العدو من أجل المصلحة الوطنية العليا للسودان.. كل هذا ليس أكثر من كلام فارغ.. مصالح السودان أكبر من أن تكون خضوعا للصهاينة.. برعاية إماراتية..

*       *       *

أتأمل في أداء السيد الرئيس التونسي “قيس سعيّد” وهو ينهي عامه الأول في السلطة، أراجع ما قاله في حملته الانتخابية، وما حدث خلال هذه العام من تغييرات في الحكومات المتوالية، ومن مشاهد استعراضية.. تارة استعراض للخط العربي، وأخرى في فنون الخطابة، وثالثة في احتضان الشباب بلقاءات لا ينتج عنها سوى مزيد من الصور والخطب.. الخ

لقد أعطانا هذا الرجل نموذجا فريدا في معنى “الكلام الفارغ” الذي لا يقدم ولا يؤخر.. بل ليته كان مجرد متحدث لبق يقول كلاما بلا معنى.. إنه رئيس دولة، وكلامه يؤثر شئنا أم أبينا.. لقد أعطانا أستاذ القانون الدستوري درسا فريدا في معنى أن تكون شخصا مؤذيا، إنسانا مخربا لتجربة ديمقراطية فريدة !

حبا في تونس.. وحرصا على تجربتها الفريدة.. وحفاظا عليها من المتربصين من صهاينة العرب.. أتمنى أن أفتح التلفاز لأرى خطاب استقالة “بليغ”، يلقيه هذا الرجل الذي يتقن جميع فنون البلاغة.. اللهم إلا أن يطابق كلامه لمقتضى الحال !

*       *       *

أما تكليف السيد “سعد الحريري” بتشكيل الوزارة في لبنان بعد كل هذه الأحداث.. فهو أمر مضحك مبك، وهو بالفعل “كلام فارغ” !

عبدالرحمن يوسف

رابط المقال على موقع عربي 21

المقال السابق

إطلالة على ما يحدث

المقال التالي

الخطأ والخطيئة في الرسوم المسيئة

منشورات ذات صلة
Total
0
Share