فى المسألة الربوية «1 – 2»

المقال منشور بجريدة اليوم السابع 5-9-2012 م 

من المضحكات المبكيات أن نرى كثيرا من السادة المنتمين للتيار العلمانى يحاولون إثبات حرمة الربا، ويحاولون إثبات أن القرض الذى ستوقعه مصر مع صندوق النقد الدولى ليس إلا ربا صريحاً، بينما يحاول كثير من الإسلاميين أن يخرجوا هذا القرض من الربا المحرم! 

المشهد مضحك، والحقيقة الشرعية مع العلمانيين، فهذا القرض ربا صريح، قولاً واحداً، ولا أظن أحداً من أهل العلم يجادل فى ذلك، اللهم إلا من هم على مذهب الشيخ طنطاوى شيخ الأزهر الراحل، وهو مذهب مرجوح لا دليل عليه عند أغلب الراسخين فى العلم. 


الربا من المسائل التى تغمض على كثيرين فى هذا العصر، وأذكر أننى قد شاهدت مرة فى إحدى القنوات التليفزيونية رجلا كبير المقام محسوباً على إحدى الهيئات الشرعية الكبرى فى مصر، وهو يقول كلاماً لا يمكن وصفه إلا بالجهل، فهو يحدد معنى الربا بأنه استغلال حاجات الفقراء فى الأكل والشرب، من خلال قرض يلتزم الفقير برده مع أضعاف مضاعفة! 

وهذا جهل فادح بالشرع، وجهل بأحوال العرب وعاداتها وتقاليدها، فالعرب فى عصر البعثة كانوا أهل الكرم والجود، وكانوا يضيفون ضيوفهم ثلاثة أيام بلياليها، فكيف فى مجتمع بهذه القيم يحتاج شخص إلى الاقتراض من أجل المطعم والملبس؟ إن ربا الجاهلية كان ربا تجارة، كان ربا (للبيزنيس) بلغة عصرنا، وذلك واضح فى قول الرسول الكريم عليه السلام (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ كُلَّ رِبًا مَوْضُوعٌ)، ثم أردف عليه السلام قائلاً: (وَإِنَّ أَوَّلَ رِبًا يُوضَعُ رِبَا الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ)، وربا العباس عم الرسول عليه السلام كان ربا من أجل التجارة بإجماع كل العلماء، ولم يكن العباس يقرض المحتاجين لكى يأكلوا ويشربوا، بل كان يقرض من يخرج فى رحلات التجارة إلى الشام واليمن، وكان يعطى المقترض (سَفْتَجَةً)، وهى شىء يشبه (الشيك) بلغة عصرنا، فالسَفْتَجَةُ ورقة عليها ختم العباس، فإذا وصل المقترض إلى وكيل العباس رضى الله عنه فى البلد الذى فيه البضاعة أعطاه المقترض السَفْتَجَةَ، وأخذ المال ليشترى بضاعته، وبذلك يكون قد أمن شر الطريق، فيخرج التاجر بدون المال، خشية قطاع الطرق، ويصبح المطلوب منه حماية بضاعته حتى يصل مكة ويبيعها. 

من كل ما سبق يتضح أن القرض المذكور ربا، فقد حددت فيه الفائدة سلفا، ولا مجال لاعتبارها مصاريف إدارية، لأن المصاريف الإدارية تكون مبلغا مقطوعا لا نسبة على أصل المبلغ. ولكن يبقى سؤال.. هل مشكلة هذا القرض أنه ربا؟ أم أن هناك مشكلة أكبر من ذلك؟ نجيب غداً بعون الله…

رابط المقال على موقع اليوم السابع

المقال السابق

تطهير القضاء وقضية العار

المقال التالي

فى المسألة الربوية (2-2)

منشورات ذات صلة
Total
0
Share