فضيلة الإنصاف ورذيلة أخرى !

المقال منشور على موقع عربي 21 بتاريخ 8-11-2014 م

يا لكلمة الحق التي لم تترك لنا صاحبا !

اللهم أحيني ناطقا بكلمة الحق، وثبتني على الجهر بالحق، وأمتني على الحق.

في يناير من عام 2013 أطلقنا وثيقة الأزهر لنبذ العنف، فهاجمنا خصوم
الإسلاميين – وكان ذلك أثناء حكم محمد مرسي – قائلين (تستنكرون العنف، ولا
تستنكرون عنف الدولة، وثيقتكم عوراء، لا ترى إلا شبابا ثائرا في الشوارع، ولا ترى
الشرطة وأجهزة الأمن وما تفعله) !

هذا ما قالوه لنا، بالرغم من أن الوثيقة استنكرت استخدام العنف كأداة من
أدوات السياسة، وجَرَّمَتْ وحَرَّمَت استخدامه على سائر الأطراف، ولم تستثن الدولة
من ذلك، ولكن ماذا نقول، وبرغم أن عنف الدولة حينها لم يبلغ عشر معشار ما بلغه
اليوم !

اليوم … الأشخاص أنفسهم يرفعون عقيرتهم بدعوى الحرب على الإرهاب، حتى
بلغت المطالبات المجنونة حد المطالبة بالقتل دون محاكمة أو تحقيق، فإذا قلنا لهم
(أين كلامكم عن عنف الدولة وأجهزة الأمن؟)، تراهم قد تساءلوا في براءة خبيثة : ألا
ترى أوضاع البلد؟ أو تراهم قد خرسوا، أو بدؤوا في التطاول والسب، أو غيروا الموضوع
إلى التشكيك في الوطنية.

أناس أعرفهم، طالما أشادوا بــ\”وطنيتي\” لأنني وقفت ضد الإعلان الدستوري
الذي أصدره مرسي، واليوم يلومونني لأنني أعارض السُّعَارَ التشريعي للسيد رئيس
جمهورية الأمر الواقع، والذي يتصرف وكأن السلطة التشريعية التي في يديه لعبة، يعبث
بها كيف يشاء، يُفْسِدُ بها المؤسسات، ويُكَسِّرُ بها الثوابت، ويُدَمِّرُ بها
القيم، فأصبح الأستاذ الجامعي مخبرا، والطالب جاسوسا، والمستشار موظفا عند السلطة
التنفيذية، وأصبحت المحاكمات العسكرية أمرا عاديا يقع للمواطن \”المدني\”
لأتفه الأسباب، والمؤسسة العسكرية (بمشروع قانون مزمع) تكاد قداستها تتجاوز
الأنبياء والرسل والكتب المقدسة وسائر الآلهة التي يعبدها الناس في شرق الأرض
وغربها.

ولكن هؤلاء … أبطال معارضة مرسي، أشاوس مقاومة الإعلان الدستوري، يقفون
اليوم كالدجاج قبل ذبحه !

لقد أقاموا الدنيا ولم يقعدوها من أجل الشهيد الشاب جابر جيكا رحمه الله، ولم
يتحرك فيهم عرق مروءة وهم يشاهدون آلاف الشهداء الشباب من أمثال جيكا يقتلون بدم
بارد مع سبق الإصرار والترصد، ولم يتحركوا وهم يشاهدون عشرات الآلاف من المعتقلين
الشباب يلقون في المعتقلات بلا سبب.

كانوا يقولون (الدم كله حرام)، وتبين بعد ذلك أن بعض الدماء حرام، وبعضها
حلال، بل لا نبالغ إذا قلنا إن بعض الدماء في نظرهم يجب أن تُسْفَك !

وعلى الجانب الآخر … يقف بعض أنصار التيار الإسلامي يُعَيِّرُون كاتب
المقالة وأمثاله بأنهم كانوا يعارضون مرسي، وأنهم كانوا سببا في الإجهاز عليه.

يا للعجب … لقد عارضناه في أمور أخطأ فيها خطأ بَيِّنًا، وكانت سببا في
الإجهاز على المسار الديمقراطي كله، ونحن فخورون بذلك، فخورون بأننا لم نقف إلى
جواره حين ظن أن وزارة الداخلية كانت في القلب من ثورة يناير، وحين ظن أن أجهزة
الدولة العميقة سوف تكون درعا يقيه من غضب الجماهير، وحين ظن أن القوانين
الاستثنائية سوف تخلق ديمقراطية حقيقية، وحين ظن أن عسكرة الدستور سوف تحمي ملكه،
نحن فخورون كل الفخر بأننا وقفنا ضد ذلك كله، وكل ما يحدث اليوم يدل على أننا كنا
على صواب، ولو أننا لم نعارض لكنا وزراء، ولترزقنا بتأييدنا، ولكنا من أصحاب
الحظوة.

يعيروننا بمعارضتنا للتيار الإسلامي حين كان في الحكم، بئس الرأي، وبئس
تزييف الحقائق، وبئس الوعي بمعنى الديمقراطية، وبجوهر التعددية.

أتظنوننا نعارض أو نوافق وفق أهوائنا؟ أم تظنوننا نعارض الانقلاب اليوم
لأننا من أنصاركم؟

والله ما وافقنا مرسي إلا حين كان على الحق، وما عارضناه إلا حين رأينا أنه
قد حاد عن الحق، وكل ما قمنا به في سائر العصور هو ما اعتقدناه حقا، وقد أفلح من استمع
لنصائحنا، وقد خاب من ركن إلى عساكره، وإلى (رجال كالذهب) هنا أو هناك، وترك
نصائحنا المخلصة التي لم نكن نبغي بها أي منفعة دنيوية.

أيدنا المجلس العسكري بشرف حين أعلن التزامه بمطالب الثورة، وعارضنا المجلس
العسكري بشرف حين حاد عن المسار، وأيدنا التيار الإسلامي بشرف حين وقف أمام
الفلول، وحين أعلن انحيازه لمطالب ثورة يناير، وعارضناه بشرف حين نكص على عقبيه. 

ومواقفنا اليوم ليست أكثر من وقوف مع المظلوم أيا كان، ضد الظالم أيا كان،
ووقفتنا اليوم هي قمة حق مطلق، لا يحمل الحقد الجديد، ولا يرث الحقد القديم.

يا أنصار سائر التيارات السياسية ليتكم تصارحون أنفسكم، قولوها صريحة (ليت
كل معارضينا كانوا مثل فلان وفلان، لا يباعون ويشترون، ولا يمكن إسكاتهم أو
تحريكهم بمكاسب دنيوية من أي نوع) !

والله لو عاد بي الزمن ألف مرة سأنتخب مرسي ضد شفيق، ولو عاد بي الزمن ألف
ألف مرة سأنزل في الثلاثين من يونيو، ولو عاد بي الزمن مليار مرة فسأعارض كل زنيم
يصل لمنصب الرئاسة زاعما أنه إله من دون الله.

غالبية المؤثرين في الحياة السياسية تنكروا لفضيلة اسمها
\”الإنصاف\”، وللأسف … تحلوا برذيلة أخرى … اسمها يتعذر ذكره، ولكننا
جميعا نعرفه !

سنبقى متمسكين بالإنصاف، ولن نتحول إلى تلك الرذيلة الأخرى لحساب أي أحد،
مهما حدث.

عاشت مصر للمصريين وبالمصريين …

للتعليق على المقال بموقع عربي 21

المقال السابق

سينما المخابرات... الجزيرة نموذجًا

المقال التالي

بصقة على سجاد قصر الرئاسة

منشورات ذات صلة
Total
0
Share