عن هدم الأقصى

( المقال منشور بجريدة الشرق القطرية عدد الأربعاء 7/4/2010 م ) 

الحديث عن هدم المسجد الأقصى مكرر وقديم ، وأكاد أجزم أن غالبية الشعوب العربية تدرك أن هذا الأمر سيحدث عاجلا أم أجلا ، دعك من أن الأمر يبدو اليوم أقرب مما نتصور ، ولكن أنا أتحدث عن أن إسرائيل عودتنا على دقة التخطيط والتنفيذ ، وهو أمر متوقع أن لا يفلت منه المسجد الأقصى .

بداية ..لابد من معرفة أن القداسة ليست للمبنى ، بل للموضع ، فالكعبة –مثلا- موضع مقدس ، أما المبني فقد هدم عدة مرات وأعيد بناؤه .

وخطورة ما تفعله إسرائيل أنها تخطط لهدم المبني ، والاستيلاء على الموضع ببناء مبنى آخر ( الهيكل) ، وهذا الأمر يشبه ما حدث في مطلع تسعينات القرن الماضي في الهند ، حين هدم بعض الهندوس المتعصبين مسجد ( البابري) ، لإقامة معهد الإله (رام) على أنقاضه !


تواطأت الدنيا حين هدم هذا المسجد على الصمت ، وكان أول المتواطئين الدول العربية والإسلامية ، فلم يسحب سفير هندي واحد ، ولم تتسلم وزارة الخارجية الهندية أي اعتراض من أي كيان من الكيانات التي تنتمي إلى العروبة أو الإسلام ، بل لم يعترض أي معترض على هدم هذا المسجد الذي يعتبر أثرا إنسانيا رائعا عمره – على ما أظن – سبعة قرون …!


على هذا المنوال ، و وفق هذه الخبرة سيجري هدم المسجد الأقصى ، ولكن ستكون الموسيقى التصويرية للمشهد أكثر صخبا !


إن هدم المسجد الأقصى وبناء الهيكل (المزعوم) أمر .. كما قلت.. تم التخطيط له بشكل مدروس ومعلن ، ونحن – العرب أو المسلمين – لم نقم بوضع خطة مضادة ، بل أكاد أقول إننا قد تواطأنا مع عدونا على أنفسنا ، ولولا هؤلاء المقدسيين الشرفاء الذين قاموا بأكثر مما يستطيعون منذ ستينات القرن الماضي لكان المسجد الأقصى قد هدم منذ سنوات ولكنّا اليوم أمام أمر واقع هو أن الهيكل مقام في موضع المسجد منذ عشرين سنة !


أساس المشكلة إذن … ليس إسرائيل ، فهي أمر واقع نكرهه ، ولكننا لا نقاومه ، وأنا هنا أتحدث على المستوى العربي الرسمي ، أما على المستوى الشعبي فإن الجماهير مازلت ملتهبة العواطف مستعدة للبذل .


لست أرى في الأفق سوى خطة محكمة ، وإصراراً إسرائيلياً على تنفيذ هذا الأمر، ولست أرى سوى تخاذلاً وتواطؤاً رسمياً ، وعجزاً شعبياً عن ترجمة عدم الرضى إلى خطة مضادة !

أعتقد جازماً أن المسجد سيهدم في القريب ، ربما خلال هذا العام ، أو الذي يليه على أكثر تقدير، وأعتقد أن الجماهير ستثور ، ولكن ذلك لن يغير من الأمر شيئاً ، لأن التغيير في مثل هذا الأمر لابد أن تقوم به دول .


قد تندلع حرب بسبب هدم المسجد الأقصى ، ولكنها حرب لن تغير في خرائط القوة على الأرض .
يسألني البعض الآن عن الحل !

الحل في العواصم العربية الكبرى ، وليس في القدس ، لأن القدس مرآة تنعكس فيها عضلات الأقوى ، لذلك لا يتوقع ذوو النوايا الحسنة أن هنالك طريقاً للحفاظ على المسجد الأقصى ( مبنى وموضعاً) سوى بتقوية الدول العربية من ناحية (العضلات) ، ومن ناحية ( الإرادة ) .


يسألني سائل لئيم : وهل تنقصنا العضلات ؟

وجوابي : تسألني عن العضلات ، وتريدني أن أجيب بالإرادة !

مهما تضخمت عضلات الدول ، فلا طائل من ورائها إذا لم تقترن هذه العضلات بإرادة استخدامها …! 


عبدالرحمن يوسف
[email protected]

المقال السابق
Article featured image

الاستاذ عبدالرحمن يوسف ضيف برنامج 48 ساعة على قناة المحور اليوم 1/4/2010 م .

المقال التالي

الخوف... والشجاعة ...! (1-2)

منشورات ذات صلة
Total
0
Share