عملية \”تَسْقِيع\” مصر!

المقال منشور بموقع عربي 21 بتاريخ 9-1-2016

\”التسقيع\” في عرف المصريين شكل من أشكال الادخار، عملية تأجيل للبيع حتى يرتفع السعر، ويشيع استخدام هذا المصطلح في تجارة الأراضي بالذات، فترى من أكثر أنواع الاستثمار شيوعا في مصر على مدار العصور، أن يشتري المرء قطعة أرض، ثم يبيعها بعد سنوات حين يتضاعف سعرها عدة مرات، وهو بذلك يكون قد \”سقَّعَ\” الأرض.

هذه مقدمة لغير المصريين ممن يقرأون هذه المقالة.
إذا أردنا أن نختصر سياسة الدولة المصرية منذ الانقلاب العسكري في الثالث والعشرين من يوليو 1952 إلى اليوم، فإنه يمكن تلخيصها في أنها (تسقيع مصر)!

مساحة مصر التي تبلغ مليون كليو متر مربع فارغة من البشر، والمصريون يتكدسون في الدلتا على مساحة تقدر بحوالي 6% فقط من أرض الوطن.

يقول النظام العسكري الحاكم إن سبب ذلك، هو أن مصر لا يوجد فيها مناطق صالحة للحياة إلا وادي النيل، والحقيقة أن ذلك كذب.

فالحقيقة أن جميع أراضي مصر ملك للقوات المسلحة، والجيش قرر \”تسقيعها\”!

هل تعلم أن 20% من مساحة مصر عبارة عن أكبر حقل ألغام في العالم؟

هذه معلومة صحيحة، ولكنها معلومة ناقصة، والنظام يتحجج بالألغام لكي \”يسقِّع\” هذه الأرض، ولكي تكتمل المعلومات أقول لك، في مصر حقل ألغام فيه أكثر من 20 مليون لغم، بلا خرائط، زرعتها جيوش الحلفاء والمحور في نهايات الحرب العالمية الثانية، ونحن حتى اليوم محرومون من هذه الأراضي بكل ما فيها من ثروات، إنها منطقة العلمين.

ولكن الحقيقة المرة أن إمكانية تطهير هذه البقعة العزيزة من أرض الوطن من الألغام سهلة للغاية، وليست مكلفة بالمرة، ولكن هناك مشكلة، هل تتوقع ما هي؟

المشكلة أن من يقوم بتطهير هذه الأرض هي القوات المسلحة!

والقوات المسلحة ترغب في \”تسقيع\” هذه الأرض التي تبلغ خمس مساحة مصر!

لذلك تكتفي بتطهير عدة مئات من الفدادين كل عام، ويتم توزيعها على السادة اللواءات والمستشارين وغيرهم من المحاسيب.

هذه الأراضي الشاسعة التي تمتد من غرب الإسكندرية إلى حدود ليبيا كانت طوال التاريخ تزرع بالقمح على مياه المطر، ومنها كانت تأكل الامبراطورية البيزنطية لمئات السنين، ومن الممكن أن تزرع حتى يومنا هذا، وهي أراض تحتوي على ثروات بترولية ومعدنية ضخمة، ولكن السادة العساكر يحرمون الأمة منها، في أكبر عملية \”تسقيع\” في تاريخ البشرية.

بإمكانك أن تتخيل سائر أراضي مصر … أكثر من تسعين في المائة من مساحة البلاد، لا يستطيع أي أحد أن يقترب منها، لأنها ملك للقوات المسلحة!

يقول الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام \”من أحيا أرضا ميتة فهي له\”، أما في مصر فمن أحيا أرضا ميتة فسوف يحاكم عسكريا، وسوف تأخذها منه القوات المسلحة!

لا بد أن تشتري أي شبر أرض من الجيش، ومن الممكن أن تشتري الأرض، ثم تجد الجيش بعد ذلك يطالبك بثمنها مرة أخرى، بل حدث أن طولب البعض بتسديد ثمن الأرض ثلاث مرات، للجهة نفسها … للقوات المسلحةَ.
يتحدث المصريون عن منجم السكري، وهو أكبر منجم ذهب مكشوف على كوكب الأرض، ولا يحتاج الوصول للذهب فيه سوى إلى طحن الصخور الموجودة على سطح الأرض مباشرة، واستخراج الذهب منها.
المصريون لا يعرفون شيئا عن ذلك المنجم! 

يقال إن في المنجم كتلة من الذهب وزنها مليون طن، ثمنها يقدر بحوالي 55 تريليون دولار (كل ذلك لا يعلم أحد حجم الحقيقة فيه من الخيال بسبب النظام العسكري، الذي يضع سياجا من التعتيم عليه وعلى كل شيء)! 

لا يسمح للعاملين المصريين (والذين يعملون بمرتبات تافهة) بدخول أماكن كثيرة في هذا المنجم، بينما يسمح للأجانب دخول كل الأماكن (ومرتباتهم بآلاف الدولارات شهريا).

بعد ثورة يناير قامت ضجة بخصوص هذا المنجم، وتم وقف العمل فيه لفترة قصيرة بسبب إضراب العاملين المصريين، وكانت رائحة الفساد تزكم الأنوف، فالذهب يسافر بكميات هائلة يوميا بحجة أخذ الدمغة العالمية في كندا ولا يعود إلى مصر مرة أخرى، وبالبحث تبين أن الذهب يتم اقتسامه بين مافيا الذهب في العالم، وبين كبار القادة!

مثلث حلايب … ويقع في النطاق الجنوبي للأراضي المصرية، على الطرف الإفريقي للبحر الأحمر، وهو المنفذ الرئيسي لجمهورية مصر العربية والمدخل الأول على قارة إفريقيا.

المثلث عبارة عن أكثر من 20 كلم مربع من الثروات التي لا يعلم عنها أحد شيئا!!!

فهو منطقة عسكرية، لا مجال للاستثمار أو العمل فيها، وأهل المثلث من قبيلة البشارية، وأبناء عمومتهم العبابدة، لا حظ لهم ولا نصيب في ثروات أرضهم، وهم دائما مهملون، اللهم إلا في أوقات المزايدات الرخيصة التي تنشب كل فترة بين مصر والسودان. 

يضم المثلث محمية جبل علبة، وهي محمية طبيعية، فيها أنواع من الطيور والحيوانات والنباتات النادرة.
كل ما سبق يقع تحت سيطرة الجيش، بل إن محمية جبل علبة (وغيرها من مناطق المثلث) لا يسمح بدخولها إلا بتصريح من المخابرات الحربية.

المضحك في الأمر أن هذه التصاريح تمنح لعلية القوم من راغبي الصيد، وهم أسفل خلق الله، ويعتدون على محمية جبل علبة بالصيد الجائر السفيه، ويخربون الطبيعة الخلابة التي حباها الله لمصر، ولا أحد يحاسبهم!

قس على ما سبق مشروعات البترول، والغاز، ومشروعات التعدين والمحاجر.

وقس على ذلك أيضا الثروة السمكية في بحيرة ناصر، تلك البحيرة التي يبلغ طول شواطئها حوالي سبعة آلاف كيلو متر، وبإمكان البحيرة أن تشبع المصريين بسمك رخيص نظيف غير ملوث، ولكن سيطرة العساكر عليها تمنع ذلك!

وقس على ذلك شواطئ مصر كلها … مصر كلها منطقة عسكرية، ممنوع الاقتراب أو التصوير، ممنوع التنمية، ممنوع أي شيء، لأنها تحت \”التسقيع\”.

السادة قادة القوات المسلحة يستولون على كل أراضي الوطن بقوة القانون الجائر، ويستولون على سائر ثروات الوطن بقوة السلاح، وبعد انقلاب الثالث من يوليو 2013 سقط برقع الحياء، وأصبحت تجارة الجيش في الأراضي علنية، وأصبح الجيش يبني ويبيع للأشخاص مباشرة، ويزاحم شركات المقاولات في كل أعمالها، في أعمال الطرق، والزراعة، والصناعة، والتعدين، وكل شيء من الممكن أن يدر مالا سهلا، سترى الجيش يدخل فيه علنا وبلا أدنى حياء.

لقد أديرت الدولة المصرية على أنها محمية طبيعية للقوات المسلحة، وكل ما في مصر من ثروات هو في حالة \”تسقيع\” لكي يستفيد منه السادة الضباط حين يأتي الوقت المناسب لبيعه … وحاصلات البيع تذهب لهم هم … هم فقط … هم ولا أحد سواهم.

انسحاب الجيش من السياسة ومن الاقتصاد هو أساس المشكلة المصرية، وإسقاط هذا النظام المسخ الموجود حاليا هو البداية الحقيقية لفتح ملف العلاقات المدنية العسكرية بشفافية تامة، لكي تعلم الأمة مالها، ويعلم العساكر ما عليهم !

متى سيحدث ذلك؟ في الخامس والعشرين من يناير؟ قبل ذلك؟ بعد ذلك؟

لا يهم … المهم أن يوم السقوط قريب، وأننا نعلم الآن أن مشكلتنا هي حكم العسكر، وأنه لا حياة لمصر إلا بإسقاط الحكم العسكري، وبتحرير الإرادة الوطنية من قيود العسكر، وأن المشروع الوطني الذي ينبغي أن يُجمع الناس عليه هو أن يعود الجيش إلى ثكناته، وأن يصبح للمصريين إرادة حرة لا يتحكم فيها أي مرتزق بقوة الدبابة.

عاشت مصر للمصريين وبالمصريين …

رابط المقال على موقع عربي 21 

المقال السابق

ماكينة الخيانة

المقال التالي

برلمان الثورة المضادة

منشورات ذات صلة
Total
0
Share