رمضانيات

المقال منشور بموقع عربي 21 بتاريخ 25 ابريل 2021 

هل رأيت قطعان المستوطنين التي هجمت على البلدة القديمة في القدس وهي تفر أمام شبابها الصامد كفئران مذعورة؟

بركات رمضانية مقدسية !

إذا لم تكن قد رأيت المشهد فابحث عنه، ستجده على اليوتيوب..

سترى كيف ينتصر صاحب الحق المؤمن بعدالة قضيته على المعتدي الظالم، سترى كيف يصمد الأضعف تسليحا، أمام الأقوى المدعوم من كل جيوش واستخبارات الدنيا..

هذا النموذج المصغر لما يمكن أن تكون عليه أمتنا يراد له المحو، هذه الطاقة الجبارة التي وقودها الإيمان بالله، وحب الوطن، وكره الاستعمار، لا يريدون لها أن تظهر أمام أعين الناس.

لا يريدون لأعين الناس أن ترى شيئا غير الهزيمة، لا يريدون للشعوب أن تتخيل نفسها منتصرة، أو قادرة على الانتصار، أو قادرة على أي فعل من أفعال المقاومة..

لهذا السبب سترى أن غالبية ما تموله الدول (إياها) من مؤسسات ثقافية وإعلامية ودينية يغذي هذه النظرة الدونية للشعوب، يغرس في الشعب احتقاره لذاته، ويغرس في الأطفال الانبطاح أمام كل ما هو أجنبي مستورد (من الأجهزة والمعدات، ومن الأفكار والمعتقدات).

*        *        *

ما زال مسلسل “الاختيار2” يتحفنا بما يعجز العقل عن تصوره من أكاذيب، يتحدث ضابط أمن الدولة مع المتهمة محاضرا.. يحاضرها في القانون والأخلاق.. يخبرها – حين طالبت بالابتعاد عن أهلها.. فهم لا ذنب لهم – أن الشرطة (يقصد الشرطة المصرية) لا تقترب أبدا إلا من المسيء، وأن لا دخل للشرطة (يتحدث عن الشرطة المصرية) إلا بالمجرم، بل إن الشرطة (نعم.. الشرطة المصرية) سوف تحمي أهلها من أي شر مثلهم مثل جميع المصريين..

والحقيقة أن الشرطة المصرية التي يتحدث عنها المسلسل تتميز بأمرين.. الأمر الأول: أنها الراعي الرسمي والمدير الحقيقي للجريمة في مصر..

لا يكاد يوجد لص في البلد إلا ويقسم ما يسرقه مع ضباط الشرطة قسمة متفقا عليها.. الشرطة في مصر تدير الجريمة.. لا تقاومها، وهذا أمر أوضح من أن يوضح، معلوم من الحياة بالضرورة، يعلمه القاصي والداني.. بل إن بعض الممثلين الذين قاموا بأداء أدوار البطولة في مسلسل الاختيار.. قد قدموا أعمالا فنية مبنية على فساد جهاز الشرطة.. وأظهروا ما أدعيه الآن بصورة لا تقبل الشك في أعمال فنية محترمة، رآها الناس، وصدقوها..

والأمر الثاني: أنها تعتمد سياسية خطف الرهائن بشكل مؤسسي منظم منذ قديم الأزل.. آل البلتاجي، وآل مرسي، وآل سيف الإسلام عبدالفتاح، وآل القرضاوي، وآل الشاطر.. وشخصيات مثل معتز مطر، وعبدالله الشريف، وغادة نجيب وزوجها هشام عبدالله.. ومئات المظلومين من آحاد الناس الذي لا يعرفهم أحد.. كل هؤلاء اختطف بعض ذويهم ممن لا ذنب لهم لمجرد أن شخصا ما ينتمي للأسرة نفسها قرر أن يمارس نشاطا سياسيا في هذا الزمن العجيب..

إنها سياسة المؤسسة منذ عشرات السنين، هذا ليس اختراع “سيسي”، بل هو ممارسة معروفة، إذا ذهب الضابط للقبض على متهم ما فلم يجده، سيأخذ أباه، أو أخاه، أو أمه، أو أخته.. حسبما يقتضيه الحال..

المواطن الذي لا يقبل الاعتراف رغم التعذيب، ما أسهل أن تنتزع الاعترافات منه حين يحضر الضابط (الذي يحاضرنا في المسلسلات) زوجته (أعني زوجة المتهم) أو أمه، أو أخته، ويعريها أمامه، ويعتدى عليها، وتهان.. حينها يعترف المواطن العنيد بكل ما يريده الضابط، حينها يوقع على الأوراق التي أمامه دون أن يقرأها، ويذهب للمحكمة التي يرأسها ضابط يرتدي وشاح قاض، فيقال له القاعدة القانونية المعروفة (الاعتراف سيد الأدلة) !

*        *        *

رمضان في مصر اليوم شهر يتجلى فيه فقر الغالبية العظمى من المصريين، ويتجلى فيه كذلك بذخ الأقلية بشكل صفيق !

متابعة البرامج والمسلسلات مع جرعات الإعلانات تتسبب بحالة من الغثيان، وتنذر بشر مستطير..

هذا المجتمع تقوده دولة شريرة، تتعمد الحطّ من القيم الأساسية للناس، وإقامة قيم جديدة نفعية مادية في غاية الانحطاط.

مشاهدة المسلسلات المنحطة يؤدي إلى ذلك، ومشاهدة الجرعة الإعلانية التي توصي المواطن بالتبرع للفقراء المعدمين، وبعد ذلك تغريه بشراء العقارات المليونية.. كلها تؤكد أننا مجتمع وقع في خطة شريرة، وأن الخلاص منها واجب اللحظة..

*        *        *

ما زال كثير من طيبي النوايا يتحدثون عن الحل العسكري لمسألة “سد النهضة”، وكم أشفق على هؤلاء من عواقب الإفراط في الخيال، ولكني أشفق أكثر على جمهور القراء والمشاهدين الذين يتعلقون بقشة، ملايين المواطنين الذين يرفضون تصديق ما حدث..

لقد بني السد، وكل ما يحدث من نزاعات داخلية في إثيوبيا، أو جولات مكوكية لوزير خارجية مكروفون الجزيرة، أو مباحثات ثنائية أو ثلاثية أو جماعية، أو استغاثات بالقوى العظمى.. الخ

كل ذلك كان يمكن أن يكون نافعا قبل بناء السد.. أما بعد بناء السد فلا يوجد ما يمكن التفاوض عليه سوى الفتات.. قواعد الملء والتشغيل لا تمثل مشكلة كبيرة، ولو أن المفاوض المصري حصل على كل ما يريده في هذا الأمر (قواعد الملء والتشغيل) فهو بالمحصلة قد أحرز هدفا في مباراة أحرز فيها خصمه خمسين هدفا.. لا فرق بين أن تهزم (خمسين / صفر)، وبين أن تهزم بنتيجة (خمسين / واحد) !

نسأل الله أن يكتب الخير للأمة المصرية، وللأمتين العربية والإسلامية..

رابط المقال 

المقال السابق

الاختيار الخاسر

المقال التالي

الموج عالٍ

منشورات ذات صلة
Total
0
Share