خلف الموكب …!

من أسوأ البدايات التي يبدأ بها المواطن العربي يومه \”العادي\” ، أن يفاجأ بموكب \”غير عادي\” لرئيس أو وزير أو سفير …!
و لسوء حظي في هذا اليوم ، بدأت يومي \” العادي \” بالوقوف مدة لكي يمر هذا الموكب \” غير العادي\” ، برغم اعتيادنا على مرور المواكب ليل نهار ، إلا أن هذا الموكب كان أكبر و أضخم مما تعودنا أن نراه ، فهو موكب يصح وصفه بالصفة المفضلة بعد كلمة الموكب … أعني صفة \” المهيب \” …!
لم أتوقف كثيرا في انتظار الفرج – على غير ما توقعت – ، لقد مر موكب صاحب الفخامة أو المعالي أو السعادة أو السمو أو الجلالة (!) ، بشكل مريح نسبيا ، فلم يستغرق وقوفنا سوى خمس دقائق .


خلال هذه الدقائق الخمس اشتبكت مع الشرطي الذي يسد الطريق في نقاش محسوم وقصير ، فقد بادرته مهاجما :
– أليس هذا موكب واحد من الذين يقتلوننا بكل أشكال السرطانات في الطعام والشراب ؟
فأجاب الشرطي بثقة :
– بلى …!


استفزتني الإجابة ، فانقضضت عليه بضربة قاضية  قائلا :
– أخذه الله هو وقبيله أخذ عزيز مقتدر …!
فأفحمني رد الشرطي :
– آمين …!
حينها قلت له :
– يا أخي … افرج عنا لا حبسك الله خلف موكب نذل …
فقال :
– سأفعل حين أقدر
و قد وفى بوعده ، و أفرج عني قبل غيري ، مما مكنني من السير خلف الموكب مباشرة ، و كنا على طريق صحراوي يعرفه الجميع (أعني من المصريين) ، و منه صعدنا إلى طريق علوي \”محوري\” يعرفه الجميع ، و كانت سرعة الموكب حينئذ 120 كيلومترا في الساعة ، بينما السرعة القانونية على هذا الطريق \”الملغوم\” بالرادارات 90 كيلومترا في الساعة…!


سأتغاضى في مقالي هذا عن حق الموكب في إغلاق الطرق و تأخير الناس ، ولن أسأل عن قانونية هذه الإجراءات السخيفة و المهينة و المؤذية لآحاد الناس ، وسأعتبر أن السيد المسؤول يفعل ذلك بدافع من غريزة البقاء ، فلو أن المسؤولين لم يغلقوا الطرقات ، و لم يحتجبوا عن الناس لأكلهم العوام أكلا ، و لنهشت السوقة والدهماء لحومهم \”الطرية\” نهشا …!


و لكني لا أستطيع أن أفهم معنى أن يتجاوز الموكب السرعة المقررة بهذا الشكل الفج !
ما معنى ذلك ؟ كيف يتم ذلك ؟ هل يطفئون الرادار من أجل مرور الموكب ؟
أم هل يتم تصوير عربات الموكب المصفحة و هي تكسر القانون جهارا نهارا أمام الأجهزة الإلكترونية ، ثم يتم التغاضي عن بقية إجراءات تحصيل المخالفات ؟
هل يتم ذلك مع كافة المسؤولين ؟ أم مع درجات معينة في السلم الإداري للدولة ؟


 كل هذه الأسئلة دارت في ذهني و أنا ألهث خلف الموكب بسيارتي المتهالكة لكي أتأكد أن هذا \”المسؤول\”  بموكبه \”الرسمي\” يتجاوز الرادار دون أن يبطيء سرعته كما يفعل بقية المواطنين .
 بعد أن أفقت … وجدت الحل أمامي ، واضحا ، جليا … لولا تزوير الانتخابات في جميع أنحاء الدولة ، ، لما استطاع هذا المسؤول أن يدوس كل هذه القوانين في وضح النهار ، و لولا تواطؤ كل الأجهزة  في تزوير الانتخابات لما تواطأت في تحصيل مخالفة مرورية …!

عبدالرحمن يوسف
القاهرة 6/6/2009

المقال السابق
Article featured image

بتعليمات من جهاز أمن الدولة إلغاء ندوة الشاعر عبدالرحمن يوسف بمدينة بورسعيد ..

المقال التالي
Article featured image

الشاعر بنقابة الصحفيين في ذكرى رحيل الدكتور عبدالوهاب المسيري الأحد 12/7/2009 م

منشورات ذات صلة
Total
0
Share