خالتي بتسلم عليكو!

المقال منشور بموقع عربي 21 بتاريخ 18-3-2018 م

كثير من الذين يتحدثون عن شرعية “مرسي” في وسائل الإعلام ليسو إلا مرتزقة) !

هكذا قال لي عدد ممن يحسبون من قيادات التيار الإسلامي المؤيد لـ (الشرعية).

حينها بادرت محدثي قائلاً : (إذن كفّوا أذاهم عن الناس، فقد طالت ألسنتهم بتخوين كل الشرفاء، وهم يعملون لصالح “سيسي” عرفوا أو لم يعرفوا، يؤذون كل من يعارض الاستبداد، ويشوهون سمعة المقاومين للانقلاب)، وكانت الإجابة حينها (ليس لنا عليهم من سلطان)، وما زالت الإجابة كذلك حتى وقتنا هذا !

الإجابة ليست مقنعة للكثيرين، فهؤلاء الذين نتحدث عنهم – بعد أن حذرنا منهم مرارا وتكرارا – لهم أسوء الأثر، وهم يخدمون عدونا خدمة لا تقدر بثمن، فهم أساس من أسس تفريق الصف الثوري، ولهم دورهم في تخدير الجماهير بوعود مستحيلة التحقق.

*       *       *

كيف نبدأ قصة الواحد من هؤلاء؟

دائماً نبدأ من نقطتين … الأولى : منصة رابعة، والثانية : قناة الجزيرة أو الجزيرة مباشر مصر.

في تلك الفترة كان المجال مفتوحاً تماماً لأي شخص – مهما كان تافهاً أو دنيئاً – يريد أن يؤيد “الشرعية”، أو يقول إن ما حدث في الثالث من يوليو انقلاب عسكري.

لو أرادت السيدة نادية الجندي نفسها أن تأتي إلى منصة رابعة لتقول (خالتي بتسلم عليكم وبتقول لكم مرسي راجع) لهتفت لها الجماهير كما هتفت لأناس هم حثالة الأرض.

*       *       *

(منصة رابعة) كانت من أسوأ أحداث ثورة يناير !

كان الخطاب غوغائياً بامتياز، ليس له أي ضوابط سياسية، وليس له علاقة بالواقع المعاش، ولا بما هو ممكن وما هو مستحيل، وبذلك رفعت تلك المنصة آمال الناس إلى عنان السماء، في حين أن الحقائق على الأرض أبعد ما تكون عن تلك الأحلام.

لقد قاد عجائز التيار الإسلامي الجماهير إلى مهلكة، كل ذلك من أجل أوهام في أدمغتهم، ومن أجل أن يستمروا في مواقع قيادية لا يستحقونها، في زمن ليس زمنهم، وفي واقع لا يفهمون ولا يدركون أبعاده.

حين حاول بعض شباب التيار الإسلامي أن يغيروا الخطاب الأهوج الذي تطلقه منصة رابعة ليل نهار باءت كل محاولاتهم بالفشل الذريع، وسبب ذلك أيضاً هم القيادات التي ذكرت، وظل الأمر هكذا … حتى منحت تلك المنصة بخطابها المتطرف ذرائع المجزرة للسفاح، فأطلق الرصاص، وسقط الأبرياء.

*       *       *

كثير ممن انضم لرابعة وارتقى منصتها كان يظن أن النصر لهذه الجماهير التي لم تر مصر لها مثيلاً، وبالتالي … كان كثير من هؤلاء كان يعشم نفسه بأنهار السلطة، ظنا منه أنه يراهن على الحصان الرابح، لقد كانت عملية حسابية قائمة على المصالح، ولم يكن هؤلاء الانتهازيون يدركون أن من يقودون هذه الجماهير لا يملكون الرؤية ولا الجرأة لحسم المعركة.

والحقيقة أن الانتصار كان ممكنا، فقد كانت الدولة المصرية منذ يوليو 2013 ولمدة عام كامل بل أكثر كتفاحة ناضجة تنتظر من يقطفها، ولكن المسؤولين عن اتخاذ القرار في تلك اللحظة كان متوسط أعمارهم قد تجاوز السبعين، وهم يعانون من ضعف النظر (فعلا ومجازا)، ومن أمراض الشيخوخة (الجسمانية والسياسية)، وهذا يمنعهم من رؤية (التفاحة) ومن القدرة على قطفها.

*       *       *

بعد مجزرة رابعة جاءت “سبُّوبة” الجزيرة، وقد استغلها من استغلها من هؤلاء المرتزقة (بالطبع لا أتحدث عن جميع ضيوف الجزيرة الكرام، بل عن أناس نعرفهم جميعا)، وبعد ذلك وصلنا لمرحلة اسطنبول، وهكذا حتى أصبحت الحياة مغارم لا مغنم فيها.

مع الوقت بدأت بعض الحقائق تظهر، حقائق حذرنا منها كثيراً، ولكن لا أحد يسمع.

لقد قلنا ألف مرة … المرتزق يقول لك ما تريده، فإذا أردت أن يقول هذا انقلاب عسكري غاشم … سيقول ذلك بكل حماس، وإذا أردت أن يقول الشرعية مع مرسي … أو أن من لا يرى عودة الشرعية هي الحل خائن … أو أن من يعارض مدير قناة الشرق خائن … إلخ، كل ما تريده سيقوله … هكذا هم المرتزقة … وحين ينقلب المرتزق على سيده الذي يطعمه سيذهب إلى كفيل آخر، وسيقول ما يريده هذا الكفيل … ليس في الأمر أي ذكاء.

وليس في الأمر أي مؤامرة، فالموضوع برمته أتفه من أن تشتغل عليه الأجهزة الأمنية، صحيح أنهم سوف يستثمرون بعض هؤلاء المرتزقة الآن، ولكن لا يعني هذا أن الأمر كان مرتبا من البداية.

*       *       *

من المسؤول عما يحدث؟

قيادات التيار الإسلامي يقولون (لا دخل لنا)، والحقيقة أن هذا الكلام غير مقنع وغير مقبول.

لقد بنى هؤلاء المرتزقة أنفسهم وأصبحوا (رموزاً) بفضلكم، وبفضل منصاتكم، وتزكيتكم، أو على الأقل بفضل سكوتكم عنهم وسماحكم لهم بالتمدد (رغم التحذيرات المتواصلة).

لقد تركتم الجماهير فريسة لهؤلاء لأنهم يرددون الفكرة الرئيسية التي تعجبكم، ولأنهم ينهشون في خصومكم الذين لا يتفقون معكم في هذه الفكرة، وحين انقلبوا عليكم لم ينقلبوا عليكم وحدكم، بل على مئات الأشخاص، وعلى فكرة نقية تتلوث بمثل هؤلاء المرتزقة.

*       *       *

كلمة أخيرة … ما زالت شعارات (الشرعية) تستغل من بعض أناس تحركهم أجهزة المخابرات، ومن آخرين لا همَّ لهم سوى أرصدتهم في البنوك أو ظهورهم على الشاشات، ومن أناس آخرين مخلصين ولكنهم أجبن من أن يواجهوا الجماهير بالحقيقة.

لذلك يستمر مسلسل الكذب، وتلميع السفهاء والمرتزقة، فيظهرون فوق منصة رابعة … ثم تدور السبُّوبة حتى نرى الواحد منهم يدّعي البطولة في بيت خالته!

رابط المقال على موقع عربي 21

المقال السابق

لقطات من مصر

المقال التالي

فلنتفق على "ما لا" نريد

منشورات ذات صلة
Total
0
Share