حول السلفية مرة أخرى

المقال منشور بموقع عربي 21 بتاريخ 4-8-2019 م

في الأسبوع الماضي كان حديثي للقارئ الكريم عن الصحوة الإسلامية التي أفسدتها دولارات آل سعود من خلال نشر أفكار التيار السلفي (الوهابي) النجدي الداعشي، وكيف أدى ذلك إلى تغير المفاهيم الوسطية للإسلام، وكيف تسممت أفكار كثير من المنتمين للجماعات الإسلامية بـ”الفقه البدوي” كما كان يسميه فضيلة الشيخ محمد الغزالي رحمه الله.

ردود الأفعال على المقالة قد تبدو سلبية، ولكني أستطيع أن أجزم أن هناك وعيا جديدا يتشكل، ليس بسبب الأسئلة التي نطرحها، بقدر ما هي بسبب انكشاف حقيقة هذا التيار السعودي الذي لم يكن إلا مخلب قط لتوطيد حكم هذه الأسرة الخبيثة التي لا تكف عن إيذاء المسلمين في كل مكان.

ونظرا لأهمية ردود الأفعال تلك… أحب أن أعلق على بعض التعليقات التي وصلت لي عن المقالة (سأكتفي بالأهم نظرا لكثرة الرسائل).

*       *       *

تدور غالبية التعليقات التي وصلت لي حول نقطتين…

الأولى : الدفاع عن السلف، والسلفية

للأسف الشديد، ورغم توضيحي بجمل لا لبس فيها بأنني لا أهاجم (السلف الصالح)، ولست ضد منهج (السلفية)، ورغم أنني ذكرت نموذجا سلفيا حقيقيا (سلفية رشيد رضا)، وصلتني كثير من التعليقات التي ترى في المقالة هجوما على منهج الإسلام نفسه، وأنني من هؤلاء الذين يريدون أن يخترعوا إسلاما جديدا يرضي (العلمانيين)، و(الأمريكان)، بل (الصهاينة) !

وهذه تعليقات مؤسفة، ففي المقالة ما يدحض هذه الأقوال من أساسها.

إن الإسلام دين الله، ونحن نريده كما هو، بمنهج السلف الصالح، بنصوصه الصحيحة الصريحة، بلا زيادة أو نقصان، بلا تحريف أو تجريف، باجتهاد يجعله قابلا للتطبيق في هذا العصر المعقد (من العلماء المؤهلين للاجتهاد)، لأن تطبيق ما في كتب التراث دون مراعاة فارق الزمان والمكان، يمكن أن يحول هذا الدين الصالح لكل زمان ومكان إلى عائق يعيق التقدم، أو إلى (فولوكلور) كما يتمنى البعض.

الإسلام ليس مجرد دين، بل هو دين، وحضارة !

والحضارة تجمع المسلمين وغير المسلمين في أوطاننا، وهي قادرة على خلق مشترك إنساني يحلق فوق الطوائف، والأعراق، والأجناس، والقبائل، والحدود السياسية..

الإسلام يمكن أن يكون دواء كل أشكال العنصرية التي نراها في أوطاننا لو فهمناه فهما صحيحا، ويمكن أن يكون مفجر كل الحروب الطائفية إذا فهمناه على مذهب آل سعود الذي يرفض تنوع الحياة، ويريد الجميع أن يخضعوا للحاكم المستبد وإن أخذ مالك وجلد ظهرك !

وبالتالي… حين ندعو إلى التمسك بالإسلام – كما هو – فنحن في الحقيقة ندعو إلى فكرة (تقدمية)، بناءة، ولا ندعو كما يتخيل البعض لمذهب رجعي متخلف… نحن نحارب التخلف والرجعية، ولهذا نقول إن السلفية الوهابية تلك… هي التخلف بعينه، والإسلام بريء منها، وهي مذهب ملفق نشأ لأسباب سياسية، واستغلته الدول الإمبريالية، وأولى بكل سلفي حق أن يتبرأ من آل سعود ومذهبهم المزعوم، ذلك المذهب الذي أصاب الغالبية العظمى من دعاته وعلمائه الخرس التام وهم يشاهدون هيئة الترفيه وهي تدوس كل المقدسات، وتكسر كل الأصنام المزعومة التي كانوا لها عاكفين !

*       *       *

النقطة الثانية : الدفاع عن فكرة شمول الإسلام وعن الدولة الإسلامية

تحدثت في المقالة السابقة وقلت فيها بالحرف الواحد (إن شمول الإسلام دفع كثيرا من الإسلاميين إلى محاولة أسلمة كل شيء، والأخطر أن هناك خلطا بين شمول الإسلام (وهو حق)، وبين شمول التنظيم (وهو تكلف باطل)، وقد ثبت بالتجربة أن في الأمر مبالغات كانت أضرارها على الإسلام عظيمة عظيمة، نراها في ظواهر ما كنا نتخيل أن تستشري بين أبنائنا، ونراها كذلك في واقع اجتماعي سياسي فوق احتمال جميع النظريات، وفوق قدرة جميع التنظيمات).

وبالتالي… لم تكن المقالة محاولة لتلفيق إسلام جديد (مودرن)، ولا هي محاولة لحصره في المسجد، بل هي محاولة حقيقية للمراجعة، والتساؤل، وهي تساؤلات مشروعة، بل واجبة.

نحن نسأل أنفسنا… كيف يمكن أن نعيش مسلمين في هذا الزمن الذي تغيرت فيه الدنيا؟ دون تفريط في ديننا، ودون أن نحكم على أنفسنا بالبقاء تحت سطوة الديكتاتوريات التي تستغل المفاهيم الدينية الخاطئة لكي تظل الشعوب محبوسة في زنازين الاستبداد !

أما تساؤل الدولة الإسلامية فإن جوهر المعضلة السياسية في الحالة الإسلامية يقودنا إلى السؤال الأهم (هل الإسلام دين ودولة؟) !

يحلو للبعض أن يستسهل ويقول (لا… الإسلام دين فقط) !

ولكن أي نظرة لنصوص الشرع ستثبت أن الإسلام دين ودولة، وليست المشكلة في كونه كذلك، بل المشكلة في تصورنا للمحكم والمتشابه، أو للقطعي والظني، أو اليقيني والمشكوك فيه في شأن الدولة الإسلامية.

المشكلة في تصورات بعض الإسلاميين لشكل هذه الدولة، ولكي أكون أكثر تحديدا… المشكلة الكبرى في شكل الدولة السعودية المعاصر للدولة الإسلامية، ذلك النموذج المتخلف الذي لا يحب أي شخص متحضر أن يرى عليه وطنه !

إن هذا النموذج مرادف للتخلف، والإسلام بريء منه… ودولة الإسلام هي دولة العدل لا السيف، ودولة الحرية لا الاستبداد، ودولة العلماء المتخصصين لا “المطاوعة” المتنطعين، دولة الإسلام هي التي تكرم العلماء والفقهاء الصادحين بالحق، لا دولة سجنهم وإعدامهم بتهم كاذبة ملفقة.

إنها الدولة التي تتمسك بالتراث، وتعيش الواقع، فتتخذ من الإسلام الصحيح منطلقا للمستقبل، بدلا من التمسك بتقاليد بالية، لتوطيد حكم أسرة مستبدة.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية (ليس الفقيه من يعلم الخير من الشر ولكن الفقيه من يعلم خير الخيرين وشر الشرين) !

ووالله ما رأيت شرا واضحا في زمننا هذا مثل ذلك الشر الذي جاءنا من تلك المملكة، التي نشرت بين المتدينين أفكارا لا علاقة لها بالإسلام، فأفسدت على الناس دينهم ودنياهم.

هذا خلاصة التعليقات، وهذه تعليقاتي باختصار… ولعلي أعود للموضوع في وقت لاحق

والله من وراء القصد…

عبدالرحمن يوسف

رابط المقال على موقع عربي 21

المقال السابق

هل نتعلم؟

المقال التالي

خواطر في العيد

منشورات ذات صلة
Total
0
Share