حول التيار السلفي ومشايخه

المقال منشور بموقع عربي 21 بتاريخ 20 يونيو 2021 م

لكاتب هذه السطور وجهة نظر قد تغضب البعض في موضوع التيار السلفي (في العالم عموما، وفي مصر خصوصا)، وقد يشفع للكاتب أنه جهر بهذا الرأي حين كان هذا التيار في عز قوته في أعوام 2011 وما بعدها، وناله ما ناله من هجوم غير منضبط، وهو أمر ليس مستغربا، ففي تلك الفترة لم يكن “الانضباط” ضمن الصفات الحميدة عند غالبية الكتاب والنشطاء، فالناس قد خرجوا من قمقم الاستبداد إلى أجواء الحرية.. وكان الجميع في تلك الفترة يصرخ.. تعبيرا عن غضب مكبوت، أو تجريبا لأحبال صوتية بقيت عشرات السنين دون استخدام !

كاتب هذه السطور جهر برأيه ناقدا هذا التيار في يوليو 2011، ومطالبا إياه بالاعتذار للمصريين، فالكاتب ليس من الذين يستغلون ارتفاع موجة انتقاد الإسلاميين عموما لتصفية حسابات شخصية.

لقد طالبت مشايخ التيار السلفي بالاعتذار للمصريين لأنهم (أعني أشهرهم وأكثرهم) وقفوا ضد الثورة في أيامها الأولى، فحرموا التظاهر ضد مبارك، وزعموا أن الخروج على الكنز الاستراتيجي لإسرائيل كبيرة من الكبائر، وهو أمر هيهات أن يصدقه مؤمن بالله، لا يعبد إلا الله، ولا يشرك به شيئا.

وفي الوقت الذي كان الجميع يهاجم التيار السلفي بسبب ما سمي بـ”جمعة قندهار” كتبت قائلا:

(لست من التيار السلفى، ولست من مناصريه، ولا أعتبر تسمية التيار نفسها تسمية دقيقة، فهم فى رأيى لا يمثلون السلف الصالح، بل يمثلون رأى بعض الخلف فى تفسير رأى السلف.

ولكنى لم أكن سعيدا بالتحريض على التيار السلفى الذى تجلى أكثر ما تجلى فى جمعة (وحدة الصف (29 /7 /2011..

صحيح أن الحشد كان مستفزا، وصحيح أن القوم تجاوزوا حدودهم فى رفع شعارات لا تجمع، بل تفرق، ولكن ذلك لا يعنى أن تصل حدود الشطط فى الجانب المقابل إلى درجة المطالبة بالإقصاء والبتر.

قال البعض: لقد قفزوا على الثورة.. وهذا توصيف غير دقيق، وأنا شخصيا كنت أتوقع أن الساحة السياسية إذا فتحت فمن الطبيعى أن نرى جميع أصحاب الأفكار يعملون من أجل نشر أفكارهم، من خلال العمل السياسى الحزبى، ومن خلال كل أشكال العمل العام ومن ضمنه حشد المظاهرات الكبرى.

قال البعض: هؤلاء القوم لا يمكن التعامل معهم إلا بطريقة مبارك، بتسليط أمن الدولة عليهم.

وهذا الكلام – والله – لا يقوله ثائر حق !

هذه الكلمة عار على من يقولها، وإن خروج السلفيين بهذا الشكل انتصار للثورة أولا، لأننا أثبتنا أن فتح أبواب التغيير السلمى، سوف يضمن لكل المصريين ألا يلجأ للعنف أحد.

يا معشر المصريين، ويا معشر الثوار، هناك جانب مضىء فى مشهد الجمعة الماضى، لا بد ألا نغفل عنه، فقد أقفلت بهذه المليونية صفحة التغيير بالعنف إلى الأبد، وهذا مكسب لمصر لا يقدر بثمن !)

قلت ذلك في مقالتي اليومية حينذاك، وكان عنوان المقالة (رفقا بالتيار السلفي)، وقلت ذلك أيضا على الهواء مباشرة في تغطيتي المباشرة لتلك المليونية من ميدان التحرير، وطمأنت المصريين بأن هذا المشهد يعني أن كل المصريين قد ارتضوا صندوق الانتخابات حكما بينهم..

*       *       *

ولكن ذلك لا ينسينا أن هناك بعض الحقائق التي ينبغي أن نتذكرها، وهي حقائق لا علاقة لها بشق الصف، أو بتصفية الحسابات، أو بالعداء للدين..

أول هذه الحقائق: أن التيار السلفي (بشكله الحالي) تيار دخيل على المجتمع المصري، وهو فكر أقحم على الأمة المصرية إقحاما، ولم ينتشر بشكل طبيعي، بل بتسهيلات ودفع غير طبيعي.

لقد تمت إزاحة أفكار، ومشايخ، ومؤسسات، بشكل متعمد.. لقد تم تفريغ الساحة لكي ينتشر هذا الفكر !

الحقيقة الثانية: أن هذا التيار مدعوم من الأجهزة الأمنية..

وهو أمر – للأسف الشديد – ما زال بعض الناس يشكك فيه، برغم أنه قد أصبح واضحا وضوح الشمس، بعد انقلاب الثالث من يوليو.

إن الأجهزة الأمنية في مصر كانت تنظر للحالة الإسلامية على أنها الخطر الحقيقي على النظام، وتوحد هذه الحالة تحت فكر واحد، أو تنظيم واحد، يعني اقتراب النهاية لدولة يوليو العسكرية..

لذلك كان لا بد من خلق تيار إسلامي بديل يشفط من الحالة الإسلامية رصيدا شعبيا، على أن يكون تحت السيطرة طبعا.

الحقيقة الثالثة: أنه تيار مدعوم بالمال السعودي !

وهذا ما يفسر لك سهولة دعم الأجهزة الأمنية في مصر لهذا التيار، ذلك أنه دعم مجاني بالنسبة لأمن الدولة.. الأمر بسيط.. أجهزة الأمن تمنع مشايخ الاعتدال من الخطابة، وتسمح للسلفيين بالتواجد في كل مكان.. وهؤلاء المشايخ لا تنفق الدولة المصرية عليهم مليما واحدا، بل تتولى أموال آل سعود الترويج لهم ولكتبهم، وتنشئ لهم القنوات الفضائية، والأجهزة الأمنية توافق على هذه القنوات، لكي ينتشر هذا الفكر الذي يخدر الناس، ويحرم عليهم التغيير والتمرد.

*       *       *

التيار السلفي هو الإسفين الذي تدقه أجهزة المخابرات في المسجد الذي يبنيه المسلمون في المنفى في أوروبا وأمريكا، فدائما تجد مجموعة سلفية، أو شيخا سلفيا يظهر فجأة، يفجر قضايا اللحية والثوب والموسيقى، ويتحدث عن العقيدة الصحيحة – هو يعبد الحاكم ويؤلهه دون الله – ويثير قضايا لا علاقة لها ببيئة المسلمين في المجتمع الغربي، ودائما ترى هذا الشيخ أو تلك المجموعة مدعومة بأموال آل سعود..

وتكون النتيجة خلق فتنة في المكان، وهو ما يمنع المسجد في المنفى من أداء مهمته، وييسر على التيارات المتطرفة الانتشار، حتى في المجتمع الغربي.

*       *       *

ما هي مشكلتنا مع التيار السلفي؟

مشكلتنا أنه تيار في عمومه يعادي التغيير، ويوالي الحكام الظلمة..

فهو تيار عاش عشرات السنين ولا علاقة له بالسياسة، ولكن حين أتته التوجيهات العليا بالدخول في السياسة انقلب، وأصبح همه كله الحكم بما أنزل الله، بعد أن كان تصحيح العقيدة هو الحل الوحيد للإصلاح، ودع الحكم لمن آتاه الله الحكم..

مشكلتنا أن غالبية هذا التيار ذات فهم مغلوط متطرف للإسلام.. وما حادثة “جهيمان” عنا ببعيد..

مشكلتنا أنه تيار ضد المقاومة عموما.. إنه ضد مقاومة الحكومات الظالمة العميلة، وضد المقاومة الفلسطينية خصوصا..

السيد محمد حسين يعقوب على سبيل المثال.. ذلك الرجل الذي يدعي الآن أنه لا علاقة له بالسياسة كان دائما صاحب موقف شديد الميوعة من حركات مقاومة إسرائيل، وتراه يقول عن صواريخ المقاومة (ما بتخرمش حيطة) !

هذا التيار كاذب.. يبدأ كذبه باسمه، فهو تيار لا علاقة له بالسلف، فهو يتبنى تفسيرات بعض الخلف لآراء بعض السلف، دون مراعاة لمقاصد الشريعة، ودون فهم لمتغيرات الزمان والمكان.

هذا التيار فيروس تمت صناعته في “مختبر أمني” ثم أطلق في الهواء الطلق في مصر، مع دعم انتشاره بين الناس بأموال السعودية، وإجراءات أمنية تضمن بقاءه وانتشاره، ومع منع أي “لقاح” يقاومه.. وهو ما تسبب بانقسام الحالة الإسلامية، فأصبحت هناك حالة إسلامية (سلفية)، وهذه الحالة في معظمها متحكم بها، مسيطر عليها من أجهزة الأمن.. وهو ما تجلى في تجربة (حزب النور).

*       *       *

هذه المقالة ليست هجوما على الأستاذ “محمد حسين يعقوب”، وأقول الأستاذ وليس الشيخ لأنه رجل بلا مؤهلات، فهو باعترافه مجرد حاصل على “دبلوم”، وكثير من مشايخ هذا التيار لديهم نقطة ضعف واضحة في تأسيسهم العلمي، وكثير منهم غير مؤهلين، فهم مجرد دعاة تحولوا إلى فقهاء، واستخدموا في السياسة لصالح الحكومات الاستبدادية.

الهدف من هذه المقالة تذكير الجميع بأن أي تغيير سيحدث في مصر أو الوطن العربي سيكون فيه التيار السلفي خنجرا لطعن هذا التغيير في ظهره، وستجد هؤلاء الذين يسمون أنفسهم سلفيين والسلف منهم براء يحرمون الخروج على حاكم سفاح عميل، وإذا نجح التغيير سيثيرون القضايا الخلافية المتعلقة بتحكيم الشريعة لكي يشقوا الصف، وسيستمرون في أداء مهمتهم التي خلقوا من أجلها..

هذا التيار حرم التصوير، والموسيقى، والاختلاط بين الجنسين، وقيادة المرأة للسيارة، وسفر المرأة بلا محرم، وإقامة الحفلات الموسيقية.. لقد حرموا آلاف الأشياء لعشرات السنين.. وغيروا موقفهم من كل هذه القضايا، وانقلبت آراؤهم الفقهية رأسا على عقب.. في يوم وليلة، لأن طويل العمر أمر بـ”الاعتدال” !

حين أمرهم غلام بالاعتدال المزعوم.. تحولت هيئة الأمر بالمعروف إلى هيئة للترفيه، وبدأوا بشتم “الصحوة”، وبمدح “الوسطية”، ولو أمرهم السلطان – أي سلطان – بعبادة الشيطان، أو بتغيير القبلة.. فلن يتردد غالبيتهم في ذلك.

ليس ذلك مدحا لغلام أو سلطان.. بل هو مجرد وصف لما حدث !

*       *       *

سيقول البعض إن هناك تيارا سلفيا (ثوريا)، وقف ضد الانقلاب، وهو مع التغيير، وهذا صحيح، ولكن هناك عدة إشكاليات مع هذا الجزء من التيار السلفي، أولها أنه جزء محدود من الحالة السلفية، وثانيها أن مشايخ هذا الجزء لا علاقة لهم بالسياسة أيضا، لذلك كان من السهل على حزب النور وأمثاله أن يجروهم إلى مساحات أدت إلى انقلاب الثالث من يوليو..

إنهم غير راسخين في العلم الشرعي، ولا يحسنون فقه الواقع، فتراهم يفضلون أن يظلوا تحت حكم حاكم مستبد مثل مبارك أو ابنه، على أن يخاطروا بتغيير سياسي قد يمنح بعض الحرية لبعض التيارات الليبرالية واليسارية عملا بوهم سد الذرائع.. هذا بالإضافة إلى شهوة إقصائية تتعالى دائما لديهم..

إن الحالة السلفية الواعية لا يمكن أن تراها إلا نادرا، في حزب البناء والتنمية في مصر مثلا (ولست أدري هل من المنصف اعتبارهم ضمن التيار السلفي أم ذلك ظلم لهم؟!).

*       *       *

كلمة أخيرة: من الطبيعي أنني لا أتحدث عن (كل) التيار السلفي، ومن الطبيعي أنني لا أقصد (جميع) المشايخ المنتمين لهذا التيار.. وهذا أمر أوضح من أن يوضح.. ولكن الاصطياد في الماء العكر هو سمة هذا الزمان، لذلك لا بد من توضيح الواضحات..

رابط المقال 

المقال السابق

هل الغندور معذور؟

المقال التالي

نزار ومصطفى وغادة

منشورات ذات صلة
Total
0
Share