حلاق صحة

المقال منشور بجريدة الشروق 12-1-2013 . 


كان علمانيا، ودرست على يديه الفلسفة، وكان دائما يخلط بين الفقيه، والفقى، فتراه يتكلم عن الفقهاء وعلماء الدين كما يتحدث عن المقرئين الذين يتلون القرآن فى المقابر مقابل بعض (الصميت والقرص)، ولم يكن يعلم أن علوم الشريعة لها أصول تدرسها جامعات عريقة عمرها مئات السنين، وأن علوم الشريعة تستطيع أن تفرق بها بين الفقيه والفقى، تماما كما تستطيع أن تميز بين الطبيب وحلاق الصحة!   ظاهرة الداعية المنفلت، أو الشيخ الشتام، سمها ما شئت، ظاهرة موجودة فى كل المجالات، ففى مجال الهندسة تجد مقاولا جاهلا لم يدرس الهندسة، وفى مجال الكتابة والإعلام أشخاص لا علاقة لهم بالمهنة ولا يلمُّون بأبسط مبادئها، وفى مجال الموسيقى والشعر تجد أناسا دخلاء على الفن، وفى مجال الكرة والرياضة… وكما تجد هؤلاء فى تلك المجالات، ستجد فى مجال الدعوة إلى الله بعض (الأرزقية) الذين يمارسون الدعوة إلى الله بنفس منطق حلاق الصحة الذى يمارس الطب، فيتسبب فى كوارث لا يعلمها إلا الله.   


المشكلة أن حلاق الصحة له زبائنه، وهو عندهم خير من الطبيب، لأنه يفهم احتياجاتهم، فالمريض الذى يلجأ إلى حلاق الصحة يحتاج إلى علاج (حتى لو كان علاجا خادعا)، بسعر معقول، وفى الحال، أى بدون إجراء أى فحوصات أو أشعات، وبدون إجراءات من أى نوع.   هذا ما يقدمه الدعاة الذين نتحدث عنهم، فهم يقدمون خدمة (للزبون)، يعطونه ما يحتاج من المبالغات، والمزايدات، والورع الكاذب، والتقوى الشكلية، التى تجعل المستمع سعيدا بأخذ حقنة التدين تلك دون أن يدخل نفسه فى تفاصيل شرعية، وبدون أن يرهق عقله بالتفكير، تماما كما ابتعد المريض الذى تحدثنا عنه عن (وجع دماغ) الطبيب المتخصص.   


هؤلاء هم دعاة العشوائيات، يفكرون فى الدين بمنطق الفهلوة، وبقيم العشوائيات، بكل ما فيها من ضغوط تؤدى إلى تفكير غير سوى.   أستاذى الذى تحدثت عنه فى بداية المقالة تحدث مرة عن الزكاة، فكان يتحدث عنها على أساس أنها أمر بين العبد وربه، يتصدق بها الغنى على الفقير (بمزاجه)، وكان يتحدث على أساس أن الدولة الحديثة لا يمكن أن يقوم اقتصادها على (الصدقات)، وحين وضحت له أنها (ضريبة) تحصلها الدولة، ولها ميزانية خاصة تصرف على مصارف محددة، وحين وضحت له بعض قوانين هذه الضريبة، وأنها ضريبة فى حق الدولة، وفى نفس الوقت ضريبة وعبادة فى حق الذى يؤديها، لذلك لا تفرض على غير المسلمين فى المجتمع الإسلامى، إذ لا يمكن فرض عبادة على غير المسلم، حين فهم أستاذى ذلك… ذُهِلَ، وبدأ بتغيير فكرته فى مواضيع كثيرة.   


هدفى من هذه المقالة أن يدرك القارئ أن نموذج الشيخ الشتام الذى يراه على القنوات التى نعرفها ليس طبيبا، بل هو مجرد حلاق صحة، ولا يجوز محاسبة العلماء الحقيقيين بأفعال هؤلاء، تماما كما لا يجوز محاسبة الأطباء بأفعال حلاقى الصحة! 

المقال السابق

هل تتحد المعارضة؟

المقال التالي

كيف تدعم مرشحاً شابا؟

منشورات ذات صلة
Total
0
Share