تكسير عظام

معركة تكسير عظام في مصر بين النظام الانقلابي وذاته !

كأنها حية تبتلع نفسها، لا فائدة من تغيير الجلد، لقد غيرت الحية جلدها عدة مرات دون فائدة، إنها الحية التي جاعت فلم تجد فريسة إلا ذيلها، وها هي قد بدأت بابتلاعه، دون أن تدرك ذلك، أو وهي تدرك ولكنه الجوع.

حادثة الواحات أوجعت النظام المصري، وأظهرت ضعف أذرعته الأمنية، وأظهرت المعنى الحقيقي للإرهاب.

الإرهاب يملك أسلحة حقيقية متطورة، وذخيرة حية، وخططا محكمة، فلو كان اعتصام رابعة العدوية إرهابيا مسلحا كما قيل … لكانت النتيجة عشرات بل مئات القتلى في صفوف الشرطة والجيش كما حدث.

حادثة الواحات قال فيها السيد عبدالفتاح “سيسي” لضباط وزارة الداخلية (أنتم أحقر من أن أعيركم اهتماما، لديّ احتفال بمعركة العلمين ولن أفسد الاحتفال من أجلكم)، لذلك ذهب إلى احتفال بمناسبة مرور 75 عاما على معركة العلمين، واستمتع باللقطة التي حضر فيها ممثلو دول يهمه أمرها، وألقى خطابا لم يذكر فيه ما حدث لضباطه ولو بشطر كلمة !

وزير الداخلية لم يتمكن من مواجهة أهالي الضباط، لذلك قرر عدم حضور أي جنازة من الجنازات التي أقيمت للضباط.

الحديث عن (الخيانة) يتزايد، وتفاصيل ما حدث يؤكد انهيار كفاءة جهاز الأمن انهيارا تاما، لا جديد في ذلك، غالبيتهم موجودون بالتوريث والواسطة. 

دخول الفريق “أحمد شفيق” والفريق “سامي عنان” على الخط، يوحي بمعركة كبرى في الكواليس، ولكن الكواليس لم تُخْفِ حدة المعركة التي دارت على الشاشات خلال اليومين الماضيين، بدأ الأمر بالصمت التام عما يحدث في الواحات، صمت إعلامي (ورسمي)، والكل يضرب أخماسا في أسداس.

ثم بدأت المعركة الصاخبة بين الأذرع الإعلامية، فهذا مخبر يذيع تسجيلا يفضح التقصير الأمني، وهذا مخبر آخر يولول وكأنه يستنجد بالفريق شفيق ويدعوه للترشح، ويلمح إلى ضرورة انصراف السيد “سيسي”.

كل ذلك يحدث بينما المعارضة المصرية في الداخل والخارج تحاول أن تتوحد مرات ومرات، فتفشل.
من المدهش أن نرى نظاما بهذا الضعف، وهذا التخبط، وهذا الانقسام، وفي الوقت نفسه يجمع معارضوه على خطورته الوجودية على بقاء الوطن … ورغم ذلك نرى كثيرا من الأطراف الفاعلة تتمسك بخطاب سياسي ساذج، وبمطالبات مستحيلة التحقق، وبأوهام لا معنى لها.

“سيسي” الآن يجهز لانتقام مما حدث في الواحات، بتنفيذ بعض أحكام الإعدام، أو بتنفيذ بعض الاغتيالات المعتادة، أو بتمرير أي مكسب سياسي يتعلق بالانتخابات الرئاسية القادمة … الخ. 

وما زال معارضوه يتقاتلون، بأسهم بينهم شديد، قلوبهم شتى … القيادات السياسية عجائز تخطاهم الزمن منذ عشرات السنين، وما زالوا جاثمين على قلب الوطن.

أما شباب مصر فهم بين سجين زنزانته، أو سجين يأسه !

يقول اليائسون: الواقع ليس في صالحنا … والواقع في الحقيقة هو مجموعة من الافتراضات، قد يراها البعض مسلمات، ولكنها ليست كذلك بالضرورة.

في يوم الخامس والعشرين من يناير 2011 كان (الواقع) يقول إن مبارك لا يمكن إزاحته أبدا، كانت هذه هي الافتراضات الموجودة التي تشكل الواقع المزعوم، والآن … نحن أمام واقع يتشكل من مجموعة افتراضات هي أشد تهافتا من الواقع في 2011 مائة مرة، ولكن الفارق هو في قدرة الناس على الخيال، وقدرتهم على التعالي على جراحهم، وأحقادهم، لكي يتمكنوا من النظر إلى الأمام، والسير خطوة ولو صغيرة للمستقبل.

لقد وصلت الثورة المصرية إلى هذه المرحلة المزرية بسبب جيل لم يكن طرفا في إشعالها، ولم يكن سببا في انتصارها، بل كان عبئا عليها، ولم يكن له من دور سوى إفساد الشباب النقي، وتوريثه معارك الماضي، وتعليمه طرق الانتهازية السياسية، فاستنسخنا مشاهد الخمسينات والستينات، بعد أن رأينا المشهد المثالي الرائع في 2011 … ذلك النموذج الذي أشاد به العالم كله. 

إعادة مشهد يناير 2011 ليس هدفا منطقيا بعد كل ما جرى بين رفقاء الميدان، ولكن هناك أهداف منطقية يمكن العمل عليها، والتوحد من أجلها، دون أحلام مستحيلة، أو أوهام كاذبة.

بإمكان كل من يرى مصر في خطر أن يضع يده في يد من يوافقه هذه الرؤية، وإذا حدث ذلك فنحن أمام نخبة تمثل غالبية المجتمع المصري.

أما إذا قيل إننا بذلك ندعو القتلة والسفاحين إلى المشاركة في الثورة … فالجواب بل ندعو أهل الحق إلى الاصطفاف مع أهل الحق … لمقاومة أهل الباطل.

كل ذلك دون أن يدعي أحد عصمة من الخطأ، أو أن يتبوأ منزلة ملائكية مزعومة، فالكل شارك في وصول الحال إلى ما هو عليه.

إن الفرصة سانحة للتغيير، وهو قادم قادم لا محالة، وتأخر حدوث التغيير لن يغير من تلك الحقيقة، بل غاية ما في الأمر أن الثمن سيصبح أكبر، وجدوله الزمني سيصبح أطول.

هل تستجيب النخب المصرية لهذا التحدي؟

سنرى ذلك قريبا !

رابط المقال على موقع عربي21

المقال السابق

مع من نتضامن؟

المقال التالي

هيئات وتهيؤات المملكة

منشورات ذات صلة
Total
0
Share