المعتدلون.. دافعو الجزية.!

(المقال منشور بجريدة الشرق القطرية عدد الأربعاء 15-9-2010 م ) 


كلما قرأت تقريراً إخبارياً أو استراتيجيا عن احتمال اندلاع حرب بين إسرائيل من جهة ودولة عربية أخرى (لبنان أوسوريا مثلاً) أراني أمعنت في الاستغراب!


يظن البعض أن اندلاع حرب بين إسرائيل وبين لبنان وسوريا أو حتى إيران أمراً بعيداً، وهو منطق – في رأيي – غير سليم.


إن اندلاع الحروب بين إسرائيل والدول العربية أمر حتمي، فإسرائيل دولة لا حياة لها من دون الحروب، فهي لا بد أن تخوض الحروب لتضمن استنزاف قوة الدول العربية المجاورة، ولكي تضمن بقاءها الذي لا يمكن أن يستمر من دون تفوق عسكري واضح وكاسح، وهذا أمر يقتضي حروباً متواصلة!


سئل شيمون بيريز في الذكرى الستين لإقامة الدولة المعتدية (إسرائيل) هل تتوقع أن تستمر إسرائيل في الحياة ستين سنه أخري؟


فأجاب: اسألوني عن عشرة أعوام فقط، لا أكثر!

إنه جواب المحارب الذي لا يضمن نتيجة المعركة وهذا دليل ناصع – لمن يريد أن يرى – على نجاح حركات المقاومة العربية في خفض سقف التوقعات والطموحات الإسرائيلية، فأصبح الجدول الزمني للبقاء لا يتعدى عقداً من الزمن، برغم كل التفوق العسكري الإسرائيلي.


خروج مصر من المعركة بعد توقيع اتفاقية (كامب ديفيد) كان له دور كبير في تمدد المخططات الإسرائيلية التوسعية لأقصى مدى، ولكن المعجزة العربية حدثت بعد سقوط العراق في قبضة الاحتلال الأمريكي، فكان المتوقع أن تصبح حركات المقاومة في أضعف حالاتها وأن تمرح إسرائيل في المنطقة كما يحلو لها ولكن ما حدث كان العكس، فنجحت المقاومة العربية في فلسطين ولبنان في الوقوف بمنتهى الرجولة في وجه الآلة العسكرية الإسرائيلية المعتدية بشكل يخالف كل التوقعات.

فهزمت إسرائيل في حربها على لبنان في يوليو 2006، وفشلت في تركيع قطاع غزة في هجماتها المغولية في أواخر 2008 أوائل 2009، حتى بدى الحل العسكري عبئاً على إسرائيل، فهو يزيد من تعميق المشكلة بدلاً من أن يحلها، أو – على أقل تقدير – يسكن الأوضاع إقليمياً، ويفضحها عالمياً.
إذن – هل هناك حرب قادمة بين إسرائيل ولبنان أو سوريا أو إيران؟ سؤال خاطئ، يوحي بأنه تمهيد للحرب، أكثر مما يوحي بأنه يهدف إلى معرفة الجواب.


ولو كان السائل يهدف إلى معرفة الجواب، لسأل السؤال الصحيح. وهو متى موعد الحرب؟

وجواب السؤال – في رأيي – قريب، بل قريب جداً…

فكل آت قريب!
بقي أن نسأل ما هي النتائج المتوقعة من الحرب القريبة؟


الجواب: في ظل الجدية التي تتعامل بها حركات التحرر العربية مع التهديدات الإسرائيلية، وفي ظل التحالفات الإقليمية والعالمية المحكمة التي تقيمها، من حقنا أن نتفاءل بالنتائج، سواء كانت النتائج نصراً عربياً، أو على الأقل تجميداً للأوضاع على وضعها الحالي، بحيث لا تزداد إسرائيل توسعاً وبحيث لا يطول جدولها الزمني في افتراض البقاء أكثر من عشر سنوات.


إذا كان الوضع كذلك، لا أستطيع أن أفهم معنى ما يسمى بالمفاوضات المباشرة سوى على أنها شكل من أشكال الخضوع الكامل والمطلق للإرادة الإسرائيلية!


إن قادة معسكر \”الاعتدال العربي\” يتفننون في دفع الجزية للإسرائيليين لكي يحتفظوا بمواقعهم في قيادة دولهم، وأي مراجعة للاتفاقيات الاقتصادية والسياسية التي أبرمت بين إسرائيل وبين هذه الدول يعطي فكرة قوية عن نوع التفاوض الذي يتم بين الطرفين.


إنها اتفاقيات بين منتصر ومهزوم، في معركة انتهت نتيجتها بالضربة القاضية، وذلك رغم تكافؤ قوة الفريقين.


ولكن… ماذا نفعل إذا كان قدر اللاعبون المهرة في الفريق الضعيف ألا يكون لهم تمثيل في الفريق ولو حتى على دكة الاحتياط!


إنهم خارج اعتراف المؤسسات.!
ولكنهم في النهاية… يلعبون بطريقتهم الخاصة، ويغيرون نتائج المباراة بطريقتهم الخاصة.!


أما دافعوا الجزية، فليس لهم إلا الذل في الدنيا، والعار في التاريخ، ويوم القيامة لهم رب يحاسبهم بكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها!

المقال السابق

المعتدلون

المقال التالي

الخطأ...والخطيئة.!

منشورات ذات صلة
Total
0
Share